السفن السياحية تقلق راحة صيادي جرينلاند

لصيد كركدن البحر، وهي حيوانات ثديية يرتدي لحمها أهمية كبيرة في النظام الغذائي للسكان الأصليين في المناطق القطبية الشمالية، ينبغي أن يسود صمت مطبق، لدرجة أن صيادي شعب الإنويت في مضيق سكورسبي في شرق جرينلاند منعوا أطفالهم من رمي الحصى في الماء خشية إخافتها.

تعلم بيتر أركي هاميكين، البالغ 37 عاما، الصيد على يد جده، وهو يتتبع كركدن البحر خلال فصل الصيف القصير في القطب الشمالي.

لكن هذه الحيوانات باتت أكثر ندرة في مياه المنطقة.

ففي هذا المضيق البحري المليء بالجبال الجليدية، يكسر وافدون جدد الهدوء اللازم للصيد، في ظل تهافت ركاب الرحلات البحرية لرؤية ثقافة الإنويت قبل فوات الأوان.

وخلال الصيف الفائت، وصلت نحو 60 سفينة من أحجام مختلفة، من القوارب الشراعية إلى السفن السياحية الكبيرة، إلى قرية إيتوكورتيرمايت عند مصب المضيق البحري -وهو الأكبر في العالم- في الشهر الذي كان خاليا من الجليد.

وبينما ينظر البعض إلى السياحة في القطب الشمالي كوسيلة لتنشيط هذا المجتمع النائي الذي يقع على بعد نحو 500 كيلومتر من أقرب مستوطنة، يشعر البعض الآخر بالقلق من أنها قد تدمر آخر مجتمعات صيد الإنويت المتبقية.

وقال آركي هاميكين لوكالة فرانس برس: "قبل أسبوع، كان هناك صيادون يحاولون اصطياد حيوانات كركدن البحر.

لكن كانت هناك سفينتان تصطدمان بها"، مضيفا أن السفن السياحية تخيف الحيوانات البرية.

وأضاف: "لا بأس إن اقتصرت زياراتهم على القرية.

لكن عندما يأتون إلى أرض الصيد، فهذا ليس بالأمر الجيد".

في المنطقة الواقعة في القطب الشمالي حيث ترتفع معدلات الحرارة بسرعة أكبر بأربع مرات من المتوسط العالمي، يتعرض شعب الإنويت الأصلي للتهديدات من مصادر شتى.

اختفاء مناطق الصيد وقال أركي هاميكين، الذي ولد ونشأ في إيتوكورتيرمايت، ويخشى على أسلوب حياة شعبه التقليدي الذي يعد لحم كركدن البحر جزءا أساسيا منه: "يعيش الصيادون هنا على الصيد.

ولديهم أطفال لإعالتهم".

وقال المدرس يورغن يولوت دانييلسن، وهو رئيس سابق لبلدية القرية، إن كركدن البحر مهم جدا للمجتمع ولثقافة الغذاء في جرينلاند، حيث يعد الـ "ماتاك"، وهو جلد ودهن خام لهذا الحيوان البحري، طعاما شهيا تقليديا.

يصطاد الإنويت الحيتان المسننة بالحراب والبنادق بموجب حصص صارمة، مع حظر تصدير الأنياب المربحة منذ 2004.

لكن تغير المناخ يضغط على موطن كركدن البحر المعروف أيضا باسم "الحوت وحيد القرن" أو "حوت النروال المرقط".

ويحذر العلماء من أن هذه الحيوانات ستختفي تماما من شرق جرينلاند في حال لم يحظر صيدها.

وانخفضت الأعداد كثيرا لدرجة أن الصيادين لم يتمكنوا من العثور على ما يكفي من الحيوانات لبلوغ الحصة المحددة في 2021.

كما أن ذوبان الجليد بسبب ارتفاع درجة الحرارة يجعل من الصعب ملاحقة الفقمات، وهي عنصر أساسي آخر في النظام الغذائي المحلي، من خلال فتحات تنفسها في الجليد.

وقال أركي هاميكين وهو يتطلع إلى البحر من إيتوكورتيرمايت: "لم يعد هناك أي جليد حاليا بعد أن كان موجودا طوال العام من قبل".

وكان جده يقص عليه أخبارا عن اصطياد الفقمات خارج القرية.

لكن بات يتعين حاليا على الصيادين أن يسافروا إلى عمق المضيق البحري للعثور عليها.

وقال آركي هاميكين: "قبل 30 عاما، كان هناك الكثير من الصيادين.

أما اليوم فلم يعد هناك سوى 10 أو 12".

تلوث قاتل وقالت ميتي بايك بارسيلايسن، التي تدير وكالة سفر محلية، إن التندرا القاحلة لا ينبت فيها شيء، ومع مرور سفن الشحن بالمضيق البحري الجليدي مرة واحدة فقط في العام، من المهم أن نحصل على غذائنا من الحيوانات التي نصطادها محليا.

وأضافت: "ما نصطاده مهم جدا لثقافتنا"، حيث لا تزال الملابس التقليدية مثل سراويل الدب القطبي والأحذية المصنوعة من جلد الفقمة تستخدم في الصيد وفي الاحتفالات الدينية.

لكن في يوليو، وجدت دراسة نشرتها مجلة "ذي لانسيت بلانيتاري هيلث" أن القرويين لديهم بعض من أعلى تركيزات الفاعلات بالسطح الفلورية (PFAS) المسببة للسرطان في دمائهم جراء أكل الفقمة، وكركدن البحر، والدب القطبي، على الرغم من أنهم يعيشون بعيدا عن مصادر التلوث.

وتنتقل هذه المركبات المسماة بالمواد الكيميائية الأبدية من الملابس المقاومة للماء والسجاد ورغوة النار والمبيدات الحشرية، شمالا عبر تيارات المحيط قبل أن تتقدم في السلسلة الغذائية نحو الإنويت.

وقال دانييلسن إنه مع وجود الكثير من العناصر غير المواتية لهم، يتحول بعض الصيادين إلى صيد سمك الهلبوت لتكملة دخلهم.

ويتجه آخرون إلى السياحة.

سياحة الفرصة الأخيرة تتمتع إيتوكورتيرمايت ومنازلها الملونة بجمال ساحر، وهي تقع على شبه جزيرة صخرية تطل على مصب سكورسبي ساوند وتحيط بها الأنهار الجليدية.

وباتت مساراتها الهادئة تمتلئ بمجموعات من سياح الرحلات البحرية الذين يلتقطون صورا لجلود الدب القطبي المعلقة من المنازل.

وقالت كريستيان فريك، وهي سائحة من ألمانيا تنجذب على غرار كثر للتعرف على الثقافة التقليدية قبل أن تختفي: "يتساءل المرء كيف يعيش الناس هنا".

ويقوم صيادون كثر بإرشاد السياح أو أخذهم لممارسة التزلج بمساعدة الكلاب.

وقالت بارسيلايسن: "تحقيق الصيادين دخلا من السياحة أيضا يشكل مساعدة كبيرة لهم".

لكن آخرين يخشون من أن تجعل السفن السياحية الصيد غير ممكن.

وأقر دانييلسن، رئيس البلدية السابق، بوجود صراع بين الأشخاص التواقين إلى تنمية السياحة، وأولئك الذين يخشون أن يؤدي ذلك إلى تآكل ثقافة السكان الأصليين، خصوصا صيد كركدن البحر.

وقالت عالمة الجغرافيا ماريانا ليوني من فنلندا: "تشكل السياحة بالتأكيد تهديدا للطريقة التقليدية للصيد في إيتوكورتيرمايت".

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 2 أشهر | 1 قراءة)
.