تصرفات فردية تذهب بالشركة إلى الحضيض

هل يمكن أن يجر موظف واحد شركة يعمل فيها المئات أو ربما الآلاف غيره إلى الفشل؟ ربما من قرار واحد أو سلوك منفرد يقوم به ويصنع هذه النتيجة المخيفة التي يخسر بها المستثمرون أموالهم والعملاء حقوقهم والموظفون أوضاعهم! الجواب نعم ممكن.

كانت وما زالت الشركات تتأثر بتصرفات الموظفين، وعلى الرغم من أن تأثير الفرد في المنظومة والمجموعة الكبيرة محدود ـ هي حالات فردية! كما تحلو لنا تسميتها ـ إلا أن النتيجة في بعض الأحيان قد تكون كبيرة ومؤثرة.

عندما تحدثنا عن أسباب فشل الشركات في المقالات الأخيرة كان العنصر البشري أحد المكونات الرئيسة دون أدنى شك، ويحصل هذا التأثير السلبي من العنصر البشري الذي يمثل المنظمة بعدة أشكال تبدأ من القيادة السيئة والافتقار إلى الرؤية، ويتبعها ضعف التأهيل وافتقار المهارات اللازمة وصعوبة التواصل وممارسة العمل الجماعي وسوء خدمات العملاء والتجاوزات الأخلاقية مثل الاحتيال.

يحدث هذا التأثير السلبي بعدة أشكال وأكثره تأثيرا ما يكون أقرب إلى السمة العامة التي يمكن إسقاطها على مكونات المنظمة أو إداراتها فتجد فرصة حدوثها مرتفعة وترى نتائجها متكررة.

في 2008 تم اكتشاف جرائم المتداول جيروم كارفيال الذي يعمل في البنك الفرنسي الشهير "سوسيتيه جنرال"، وهي عبارة عمليات فردية متكررة غير مسموح له القيام بها.

تسببت هذه التصرفات في خسارة البنك ما يقارب خمسة مليارات يورو وذلك بمحاولته تغطية خسائره بعمليات أخرى متكررة كل واحدة مها تمثل خسارة جديدة.

وفي 2017 تم طرد طبيب من طائرة اليونايتد أيرلاينز بعد نزاع على مقعد مع طاقم الطائرة تأثرت الشركة به، تدمير للسمعة وتعويض مالي للعميل المتضرر وخسارة كبيرة في سعر السهم "وصلت إلى مليار دولار".

وعلى الرغم من أن هذا الفعل لم يكن من شخص واحد ولكنه كان عبارة حكم شخصي من مجموعة قليلة من الأفراد.

وهذا ما يميز كثيرا من التصرفات الفردية التي تدخل الشركات في دوامات يصعب الخروج منها، إذ إن بعضها فردي بامتياز مثل تصرفات جيروم كارفيال مع أموال العملاء، أو تصرف يجتمع فيه التواطؤ أو التقاء مجموعة قليلة على تثبيت الخطأ مثل ما حديث في طائرة اليونايتد.

ما حدث في شركة فولكسواجن في 2015 وهي حادثة الانبعاثات الشهيرة التي خسرت فيها الشركة الكثير خصوصا في الأسواق الأمريكية ـ وكانت تعديلا في برمجيات التحكم لتقارير الانبعاثات في سيارات الديزل ـ لم تكن استراتيجية عامة من الشركة وإنما كانت محاولة من مجموعة قليلة من المهندسين لتحقيق النجاحات وتجاوز المتطلبات النظامية وتوقعات العملاء.

وتماما مثل ذلك ما حصل في بنك ويلز فارجو الشهير في 2016 عندما تسبب ضغط مؤشرات الأداء على بعض الموظفين بالدخول في سلوكيات بيعية سيئة وصلت إلى حد فتح الحسابات دون أخذ موافقة العملاء فقط ليتسنى لهم تحقيق المستهدف المطلوب.

ما تسبب بعد اكتشاف الفضيحة بسداد أكثر من 180 مليون دولار من التعويضات وما يزيد على ثلاثة مليارات من الغرامات التي وقعت على البنك من الجهات التنظيمية وفق تسوية متأخرة حصلت بعد عدة أعوام من اكتشاف الحادثة.

هناك بالطبع كم هائل من القصص التي يجر موظف فيها شركته إلى الفشل بقرار واحد، أي حسب العبارة السائدة بجرة قلم! وهذا يحصل في العادة من الموظفين الذين يقومون بقرارات مهمة تؤثر في استراتيجية الشركة وتحدد بقاءها من عدمه.

في ظروف مثل هذه، وربما لضعف التواصل الداخلي بين الإدارات، أو للعزلة التنفيذية، أو لضعف الحكمة المتراكمة والمرتبطة بالرؤية الاستراتيجية، وربما بسبب الغطرسة فقط، ستجد شركات تغوص في المشكلات التي عجلت برحيلها.

شركة إنرون اختفت من الوجود رغم ضخامتها بسبب قرارات محاسبية وغير قانونية وتغير العالم من بعد زوالها، فقط بسبب قرارات جيفري سكيلنج الذي حكم بالسجن لمدة 25 عاما.

هناك من يتسبب في الفشل بقرارات مشابهة وتأثير مشابه ولكن بحسن النية، ولنا عبرة في كثير من الشركات التي واجهت الموت أخيرا، مثل كوداك ونوكيا وبلاك بستر ومتاجر سيرز الشهيرة.

بحسن النية، أو بسوء النية، تصرف فردي خالص أو مجموعة مشتركة قليلة من التصرفات الفردية، لا يمكن أبدا التقليل من أثر هذه الأخطاء في مستقبل الشركات.

ولأننا لا نستطيع التنبؤ بتصرفات الآخرين وإبعادهم عن دائرة الخطر أو الابتعاد عنهم بشكل مباشر، فإن الشركات لا تملك إلا التقليل من هذه المخاطر بتجويد التوظيف وتحسين الثقافة العامة وحل مشكلات التواصل واستكشاف المشكلات والتحديات بشكل جيد.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 11 أشهر | 4 قراءة)
.