تكريم بنيس في المعرض الدولي للنشر .. شاعر يتحدى الصمت ويحيى بالكتابة‎‎

شاعر يتحدى الصمت، ورجل الكُتب الذي يحيا بالكتابة، وحامل مشعل الحداثة الشعرية العربية بالمغرب، شهادات من بين أُخَر حضرت في تكريمِ المعرض الدولي للكتاب والنشر الشاعرَ محمد بنيس.

محمد الأشعري، الشاعر والروائي ووزير الثقافة سابقا، قال إن بنيس “مخلص مطلقا للشعر، لم يعش أي شيء في حياته منفصلا عن الشعر، كتابة وبحثا وتأطيرا علميا وترجمة وتفكيرا وسفَرا وفلسفة”، وسعى باستمرار إلى “أن يكون شاعرا في المدينة، في المؤسسات التي أسسها ورعاها؛ مثل مجلة “الثقافة الجديدة” و”دار توبقال” للنشر و”بيت الشعر”.

وأضاف الأشعري: “التفكير في الأفق الشعري عند محمد بنيس ليس مراهنة نظرية ولا تفكيرا مجردا، بل جلوسٌ يومي أمام الصفحات البيضاء واستدعاء القصيدة، وحدس تدفقها، والربط أمام احتمالات انبجاسها، والكتابة وإعادة الكتابة والتأمل في الشك”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وبـ”شغف لا حد له جعله ينتبه مبكرا إلى أن إرواءه لا يتأتى بالقصيدة وحدها بل بالتنقيب الدؤوب في الشعر والقصيدة، والفنون في مختلف تعبيراتها، والقضايا الإنسانية”، يحيا بنيس بالكتابة “في نوع من المقاومة الخلّاقة، حتى لا يُنفى الشاعر خارج نصه، ولا ينفى من المدينة”.

الأشعري، الذي ذكّر بتخوّف بنيس من مستقبل العربية بالمغرب، قال إن استعادة اللغة المفقودة “لا يتأتى إلا بالشعر”، لا بسياسة لغوية مهما كانت.

الناقدة حورية الخمليشي رأت في تكريم محمد بنيس “تكريما للشعر المغربي والعربي، والحداثة الشعرية العربية التي حمل مشعلها بالمغرب قبل أن يدخل المغرب الحداثة”، وتابعت: “لقد نقل القصيدة المغربية إلى معظم شعريات العالم”، و”الترجمة عنده عامل مهم في التحديث”، وكان لها دور في “الإبدالات التي عرفتها الشعرية العربية”.

وزادت المتحدثة: “هو شاعر ثقافي إنساني، مرتبط بالكينونة الإنسانية (…) وضع الجسد في مركز القصيدة، بعدما عرف أنه المادة الأولى لحياتنا، وأن الكتابة امتداد له (…) وألا وجود للشعر من دون الحس، فهو فعل الحواس في اللغة، كلاما تتحقق شعريته عندما تخترق الحواس اللغة”.

واستحضرت المتدخلة أحدث ترجمات بنيس التي نقلت عمل مالارمي “رمية نرد أبدا لن تبطل الزهر” في طبعة فاخرة تنضبط لتصورات النشر عند الشاعر الراحل، قائلة: “هذا مشروع يدخل ضمن استراتيجية التحديث الشعري، وهذه من التراجم الكبرى للشعرية الإنسانية (…) فعمل مالارمي مُعجز متفرد في التجربة الأدبية، وله مرتبة الأعمال الإنسانية الكونية الخالدة، مثل المعلقات وألف ليلة وليلة والكوميديا الإلهية والأوديسة والإلياذة، وهذه ليست مجرد قصيدة بل استجابة للمستحيل في القصيدة ومستقبلها”.

من جهته، ذكر المترجم والكاتب المعطي قبال أن بنيس “رجل الكتب، وفيها عثر على جسده ووجدانه وحضوره الكثيف في واقع مركب.

حياته تعرف بالكتب، مع الكتب، وما بين الكتب، وتعرف ضمن الكتابة والكلمات”، وإنتاجه “يدعونا إلى تأمل فكري عميق، متعدد التخصصات”.

الناقد والمترجم عبد الجليل ناظم تطرق إلى “التبني الصارم علميا” و”المبدع الحر” للمستجدات العلمية من طرف “قارئ ثاقب للثقافة الغربية”، ثم زاد شارحا: “في الدراسات كان يطبق مبدأ الملاءمة، وهو مبدأ ثمين، أي عدم استيعاب المنهجيات والمصطلحات دون ملاءمتها والأوضاعَ الاجتماعية والثقافية”، مقدما مثالين بوظيفة “انزياح” جون كوهن، و”تفكيك” دريدا، في بعض كتابات بنيس.

وبأثر سقراط فيه، بدأت كلمة المحتفى به محمد بنيس: “سقراط صاحب قولة تركت أثرها عبر التاريخ (كل ما أعرفُ هو أني لا أعرف شيئا)، وأصبحت هذه القولة منذ قرأتها شابا ملازمة لعلاقتي بالمعرفة.

هي قولةٌ مدهشة ومحيرة في آن، وفي الأخير اهتديت بها أكثر، عندما أوّل جيل دولوز المعرفة عند سقراط بانفتاحه على التعلم الدائم”.

ثم أضاف: “في الطفولة كان لي بعض بوحٍ شعري، ثم أدركت أن البوح أو الانفعال العاطفي علامة على الاستعداد الفطري لكل من يقبل على الممارسة الشعرية والجمالية، والكتابة تحتاج الوعي بمعنى الشعر، التعلُّم المتواصل، وهو الإدراك الذي كان من بين ما هيأني لما أقبلتُ عليه، ووجهني في حياتي الشعرية والثقافية”.

وتحدث الشاعر عن تجربة “الانتقال من العفوية إلى الكتابة”، التي قاده إليها كثيرون، “لولاهم جميعا لما كنت استطعتُ كتابة ونشر أعمالي؛ ولذلك فإن مقدمة كلامي شكر هؤلاء الذين علموني، عند مصاحبتي لهم، معنى الشعر ومعنى ثقافة الشاعر”.

وعدّد بنيس هذه الأسماء قائلا: “هكذا تعلمت، ولا تعب من التعلم، ولا تغافل عن الشكر، وفي كل قصيدة أكتبها وكل عمل أنشره شكرٌ للذين علموني”.

وانطلق بنيس من الشاعر محمد الخمار الكنوني، “الذي وضع يدي على أبجديات الكتابة المعاصرة، وقال لي اكتب فكتبتُ”، ثم الشاعر أدونيس الذي ربطته به صداقةٌ، ونشر أولى قصائده، وتوالت الأسماء: حسن العلوي “الذي أرشدني إلى فائدة الحوار بين الفنون التشكيلية والفلسفة والشعر”، وعبد الكبير الخطيبي الذي “بحثَ عني وأنا ما زلت طالبا في السنة الثالثة بفاس”، وأمامة المنوني “التي كانت منذ زواجنا مرشدتي والقارئة الأولى لأعمالي”، وأمجد الطرابلسي “الذي خصني بفضيلة الأبوة العلمية”، ومحمد بن شريفة الذي “قادني في ليل الشعر الأندلسي”، وجمال الدين بن الشيخ الذي “قربني من كتب في الدراسات الشعرية الحديثة”، وعبد الوهاب المؤدب “الذي أطلعني على أصول مجهولة للتصوف الإسلامي”، وبرنار نويل “الذي وسع لي أرض الشعر، ووهبني معنى الأخوة الشعرية والصداقة”، وميشال دوغي الذي أوسع لديه “أخلاقيات الإنصات”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 11 أشهر | 1 قراءة)
.