أبعاد مركبة وتحديات قائمة ترافق "طريق التنمية الاستراتيجي" في العراق

قال مركز المستقبل للدراسات والأبحاث إن الإعلان عن مشروع طريق التنمية الاستراتيجي في العراق يأتي في سياق إعادة تموضع “بلاد الرافدين” على خريطة التجارة والنقل العالمي، مشيرا إلى أبعاد المشروع المتمثلة في اختصار الوقت وتحقيق منافع اقتصادية.

ولفت المركز، في مقال بعنوان “ما هي فرص وتحديات مشروع طريق التنمية الاستراتيجي في العراق؟”، الانتباه إلى عدة تحديات قد تواجه هذا المشروع، تتأرجح بين تهالك البنية التحتية وانتشار الفساد، بالإضافة إلى رفض محتمل لكردستان العراق، وتحفظ قوى سياسية عراقية، واعتراض دول إقليمية.

وأوضح المركز أن المشروع الطموح يتطلب اتخاذ العديد من الخطوات في سبيل إنجازه، في مقدمتها مدى قدرة العراق على حل مسألة التمويل، وضمان مساهمة دول الجوار في إنجازه، وعدم العمل على عرقلته.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} استضاف العراق، في 27 مايو 2023، مؤتمراً لمناقشة مشروع طريق التنمية الاستراتيجي أو ما يطلق عليه مُسمى “القناة الجافة”، الذي يربط ميناء الفاو بمدينة البصرة العراقية على مياه الخليج العربي بالأراضي التركية، ومنها إلى أوروبا، وذلك بحضور وزراء للنقل وممثلين عن دول الجوار العراقي، وهي السعودية والكويت والإمارات وقطر وسلطنة عُمان وإيران وتركيا وسوريا والأردن، بالإضافة لممثلين عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.

أبعاد المشروع جاء الإعلان عن مشروع طريق التنمية الاستراتيجي في إطار إعادة تموضع العراق على خريطة التجارة والنقل العالمي، وسعيه لأداء دور إقليمي بارز خلال الفترة الأخيرة، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات الرئيسية حول المشروع في النقاط التالية: 1- ربط موانئ العراق بتركيا: يتضمن المشروع خطاً برياً وآخر للسكك الحديدية.

إذ يهدف إلى نقل البضائع من موانئ العراق على مياه الخليج العربي في البصرة إلى تركيا، مروراً بمحافظات البصرة ثم ذي قار والقادسية وواسط باتجاه العاصمة بغداد، ومنها إلى صلاح الدين وكركوك ونينوى، وصولاً إلى المثلث العراقي التركي السوري من جهة منطقة فيشخابور، علاوة على أن المشروع سيتضمن بناء حوالي 15 محطة قطار على طول الطريق، بما في ذلك المدن الرئيسية في البصرة وبغداد والموصل، وحتى الحدود مع تركيا، ومن ثم إلى أوروبا ومنطقة القوقاز، ليتحول بذلك العراق من خلال المشروع إلى محطة رئيسية للتجارة ومحطة نقل بين آسيا وأوروبا، أي سيكون بمثابة أداة لربط تجارة شرق العالم بغربه.

2- اختصار الوقت بنسبة 50 بالمئة: أشار المتخصصون والخبراء إلى أن المشروع سيسهم في اختصار الوقت الذي تستغرقه حركة النقل التجاري بين آسيا وأوروبا، إذ تُشير التقديرات إلى أن مدة شحن البضائع من ميناء شنغهاي الصيني إلى ميناء روتردام الهولندي تستغرق نحو 33 يوماً، في حين ستستغرق 15 يوماً فقط عندما تنتقل البضائع من ميناء شنغهاي الصيني إلى ميناء جوادر الباكستاني ثم إلى ميناء الفاو في جنوب العراق، ومنه عبر القناة الجافة العراقية إلى موانئ البحر المتوسط في تركيا، ومنها إلى ميناء روتردام الهولندي، بما يعني تقليص زمن الرحلة بأكثر من 50 بالمئة، وهو ما يُضيف ميزة إضافية للمشروع تتعلق باختصار الوقت والطريق، بما يخدم سلاسل التوريد بشكل عام في المنطقة.

3- تحقيق منافع اقتصادية كبيرة: تُشير التقديرات الرسمية العراقية إلى أن تكلفة المشروع قد تبلغ قرابة 17 مليار دولار، بحيث تكون 10 مليارات منها لشراء قطارات كهربائية سريعة تنقل الحمولات في حوالي 16 ساعة، كما سيتم إنفاق المتبقي منها من أجل مد خطوط سكك الحديد بطول 1200 كيلومتر، بالإضافة إلى الإعلان أنه سيتم الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع بحلول عام 2028، على أن يتم إنجاز المرحلة الثانية في 2038 والثالثة في 2050، وقد وصلت نسبة إنجازه حالياً إلى 40 بالمئة من نقطة انطلاقه في ميناء الفاو الكبير، هذا بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن تصل الأرباح السنوية للمشروع حوالي 4.

850 مليار دولار سنوياً، فضلاً عن توفيره لفرص عمل لقطاع عريض من الشباب قد تصل لقرابة 100 ألف فرصة عمل.

تحديات قائمة على الرغم مما أعلنه رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني أثناء المؤتمر بأن المشروع ركيزة للاقتصاد المستدام غير النفطي، والتوجه نحو بنية اقتصادية متينة من خلال تعاون وشراكة إقليمية موسعة، فإن المشروع قد يواجه العديد من التحديات، وهو ما يمكن تناوله في الآتي: 1- تهالك البنية التحتية وانتشار الفساد: يُعاني العراق من تدهور وتهالك شديديْن في بنيته التحتية، وذلك للظروف السياسية التي مر بها، عقب الغزو الأمريكي في 2003، والدخول في مواجهات مسلحة مع تنظيم داعش بعد استيلائه على مساحات واسعة في العراق في عام 2014، الأمر الذي أسفر عن خسائر فادحة في خطوط السكك الحديدية والمطارات والمرافق في المدن العراقية، مثل الموصل وغيرها، هذا إلى جانب انتشار الفساد في معظم مفاصل الدولة العراقية، وهو ما أعاق في الكثير من الأحيان استكمال العديد من المشروعات الكبرى، مثل مشروع ميناء الفاو الذي لم يكتمل حتى الآن، والذي يُعد ركيزة أساسية في مشروع طريق التنمية الاستراتيجية، الأمر الذي يقف حجرة عثرة أمام تنفيذ الأخير.

2- رفض محتمل لكردستان العراق: يُمثل موقف إقليم كردستان العراق من المشروع عاملاً مهماً، سواءً في سبيل إنجاح المشروع أو عرقلته، ويمكن هنا الإشارة إلى رفض إقليم كردستان مدّ شبكة سكك حديدية بمسافة 4 كيلومترات عبر دهوك، وصولاً للحدود التركية، لما لهذا الأمر من تداعيات على معبر إبراهيم الخليل الحدودي، الذي يُعد البوابة الرئيسية بين إقليم كردستان وتركيا والدول الأوروبية، وما يُمثله من فوائد اقتصادية لصالح الإقليم.

ومن جهة أخرى، فإن الطبيعة الجغرافية الوعرة والجبلية للمنطقة الحدودية بين إقليم كردستان وتركيا تمُثل تحدياً إضافياً أمام المشروع المُزمع تنفيذه، حيث إن شبكات السكك الحديدية التي سيتضمنها المشروع تحتاج إلى أراضٍ مستوية، وهو ما يتنافى مع طبيعة تلك المنطقة، ومن ثم فقد أشارت التقديرات إلى أنه في حال شمول المشروع على أراضٍ في إقليم كردستان، فقد تزيد مدة العمل في المشروع لتصل إلى حوالي 6 سنوات بدلاً من 4، كما قد تزيد التكلفة الإجمالية للمشروع لتصل إلى 20 مليار دولار بدلاً من 17، كما هو مقرر له، وهو ما يُعقد تنفيذ المشروع.

وبالنسبة للمسار البديل للخط، والذي يفترض أن يكون عبر الموصل ثم مدينة ربيعة العراقية بمحافظة نينوى، ومنها لسوريا، ثم لتركيا، فإن العائق المتمثل في هذا المسار البديل هو شروط دمشق التي طالبت مؤخرا بأجور “ترانزيت” مرتفعة بالنسبة لمرور القطارات في أراضيها، وحددتها بنحو 8 دولارات، مع أن سعر النقل السككي العالمي لا يتجاوز 3 دولارات، وقد أفادت التقديرات بأنه في هذه الحالة فإن إيرادات المشروع بالنسبة للعراق سوف تنخفض بشكل كبير.

3- تحفظ قوى سياسية عراقية: تختلف مواقف القوى والكتل السياسية العراقية حول المشروع، حيث لا تزال هناك عدد من القوى داخل الإطار التنسيقي، على وجه التحديد، تنظر للمشروع بشيء من الريبة والشك، لاسيما في ظل عدم استقرار منحنى علاقاتها مع بعض دول الجوار، وفي مقدمتها السعودية.

وفي هذا السياق، أشار النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد الشمري إلى أن المشروع لن يخدم العراق وإنما السعودية التي ستكون المستفيد الأكبر منه، مُضيفاً أن المشروع سيجعل من السعودية الممر الرئيس للمشروع.

هذا بالإضافة إلى أن المشروع سيمر بالعديد من المحافظات التي تسيطر عليها بعض الفصائل الشيعية المُسلحة، وفي ضوء رفض إيران المحتمل للمشروع، فإنها قد تتجه إلى الإيعاز لها بتهديد المشروع، الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة المضي قدماً فيه.

4- اعتراض دول إقليمية: على الرغم من سعي المشروع إلى تعزيز التعاون الإقليمي، فقد يواجه بتعطيل من جانب بعض الأطراف، في ضوء رؤيتها بأن هذا المشروع قد ينافس موانئها وخطوطها للعبور الدولي، إذ إن هذا المشروع سيركز على ميناء الفاو الكبير، الأمر الذي سيضر بخط عبادان الإيراني، الأمر الذي قد يدفعها إلى العمل على عرقلة المشروع.

وفي التقدير، يمكن القول إن المشروع يعكس سعي الحكومة العراقية برئاسة السوداني إلى تنويع مسارات علاقاتها الإقليمية من جهة، ومن جهة أخرى، تحقيق طفرة اقتصادية، بما يدعم موقف حكومته أمام ضغوط القوى السياسية في الداخل، لاسيما من الإطار التنسيقي، وضغوط الخارج المتمثلة في إيران، إلا أن المشروع، ورغم أنه طموح، لا يزال يتطلب اتخاذ العديد من الخطوات في سبيل إنجازه، لعل في مقدمتها ما يتعلق بمدى قدرة العراق على حل مسألة التمويل، وضمان مساهمة دول الجوار في إنجازه وعدم العمل على عرقلته، وكذلك التغلب على معوقات هذا المشروع في الداخل، وهي تحديات قد لا تبدو هينة.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 11 أشهر | 1 قراءة)
.