تجاوزت قيمتها تريليون دولار.. كيف انضمت شركة "إنفيديا" إلى نادي العمالقة؟

انضمت شركة "إنفيديا (Nvidia)" رسميا، وإن كان لفترة وجيزة، إلى نادي التريليون دولار خلال تداولات الأسهم في البورصة الأميركية يوم الثلاثاء الماضي الموافق 30 مايو/أيار.

أعضاء هذا النادي هم أعلى شركات من حيث القيمة السوقية في العالم، التي تتجاوز قيمتها حاجز التريليون دولار كما هو واضح، ويضم 5 شركات فقط، هي: أبل، ومايكروسوفت، وأرامكو السعودية، وألفابت (غوغل)، وأمازون.

الآن تقبع إنفيديا في المركز السادس خلفهم مباشرة بقيمة سوقية أقل من تريليون دولار بقليل، تحديدا 982 مليار دولار لحظة كتابة هذا التقرير(1).

حدث ذلك بعدما ارتفعت أسهم الشركة مؤخرا بعد إعلانها عن نتائج الربع الأول من العام المالي الحالي، التي سجلت فيها أرباحا أعلى من توقعات السوق، والأهم أن الشركة توقعت ارتفاع مبيعاتها إلى 11 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام، بينما كانت التوقعات السابقة أقل بنسبة كبيرة بتقديرات بلغت 7.

15 مليارات دولار فقط(2).

كان صعود قيمة إنفيديا صاروخيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ففي أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي وصلت قيمة إنفيديا السوقية إلى 300 مليار دولار، وبنهاية العام الماضي كانت قد وصلت إلى 364 مليار دولار(3).

هذا يعني أن القيمة السوقية للشركة ارتفعت منذ نهاية العام الماضي 2022 حتى لحظة كتابة هذا التقرير بنحو 172% تقريبا، وبنسبة 230% منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، متفوقة بهذا على أي شركة أخرى في مؤشر "إس آند بي 500 (S&P 500)"، وهو مؤشر أسهم يضم أكبر 500 شركة أميركية(4).

إذا وضعنا الأرقام التي حققتها نيفيديا في سياقها مقارنة بتلك الشركات العملاقة، فسوف يتبين لنا حجم ما حققته، إذ استغرقت رحلة إنفيديا منذ أن كسرت حاجز الـ500 مليار دولار لأول مرة في الربع الثالث من عام 2021 وصولا إلى التريليون دولار نحو 500 يوم فقط، وهو ما يعادل ثلث المدة التي استغرقتها شركة أبل لتقطع تلك الرحلة نفسها(5).

كل هذا جميل بالطبع، لكن قد تتبادر إلى ذهنك الآن أسئلة مشروعة: ما هي شركة إنفيديا أصلا؟ وما الذي تنتجه؟ والأهم، كيف وصلت إلى هذه القيمة السوقية الضخمة لتنضم إلى نادي الشركات الكبرى في العالم خلال تلك الفترة الوجيزة؟ رحلة إنفيديا تأسست شركة إنفيديا عام 1993.

(AFP) على عكس الشركات العملاقة الأخرى في نادي التريليون دولار، مثل أبل وغوغل ومايكروسوفت، فإن اسم "إنفيديا" ليس مألوفا بشكل جيد إلا للمهتمين بعالم الألعاب الإلكترونية والتقنية بشكل عام، ورغم ذلك، هناك فرصة كبيرة بأنك تستخدم الآن حاسوبا يحتوي على إحدى رقاقات إنفيديا، لأننا نتحدث عن الشركة الأكبر في سوق إنتاج الرقاقات الإلكترونية عالميا في الوقت الراهن، وهي متخصصة على وجه التحديد في إنتاج معالجات الرسوميات (GPU)، أو ما نعرفها باسم "كروت الشاشة" في أجهزة الحاسب الشخصي.

تأسست شركة إنفيديا عام 1993 انطلاقا من مطعم "دينيس (Denny’s)" في مدينة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا، حيث التقى المهندس "جنسن هونغ" مع صديقيه "كريس مالاتشوسكي" و"كيرتس برييم"(6)، حينها تناقش الثلاثة في رؤيتهم لمستقبل وحدات معالجة الرسوميات، واستخداماتها التي قد تتجاوز مجال الألعاب ورسوم الجرافيك، لأنهم رأوا إمكانية استخدامها في عمليات الحوسبة التي تحتاج إلى أداء قوي، بجانب الأبحاث العلمية التي تحتاج إلى محاكاة وعمليات حسابية معقدة، وغيرها من المهام التي تتطلب قدرات معالَجة قوية.

خلال العقدين الماضيين، نجحت كروت الشاشة التي قدمتها إنفيديا في تطوير صناعة ألعاب الفيديو، عبر تقديم قوة معالجة هائلة للرسوميات داخل اللعبة، وبعد أن أثبتت الشركة نجاحها وجدارتها في قيادة معالجة الرسوميات في مجال الألعاب، بدأت في البحث عن إمكانية تطوير مجال معالجة الرسوميات وتوجيهه نحو استخدامات أكثر كما رأى مؤسسوها منذ البداية.

"جنسن هونغ" المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا.

(رويترز) شيئا فشيئا تنوعت استخدامات كروت الشاشة، وزاد الطلب عليها، خاصة خلال عام 2020 مع تفشي وباء فيروس كورونا وانعزال معظم الناس في منازلهم، والتوجه إلى ألعاب الفيديو باعتبارها وسيلة للهرب وقضاء كل هذا الوقت.

في الفترة نفسها ارتفعت أسعار العملات المشفرة لتصل إلى أرقام قياسية، ومعها ارتفع الطلب على كروت إنفيديا، ما دفع قيمة الشركة السوقية نحو أعلى رقم قياسي في تاريخها حتى ذلك الوقت متجاوزة حاجز الـ820 مليار دولار بحلول نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021(7).

لكن مع رجوع الحياة إلى مجاريها، ومع انهيار أسعار العملات المشفرة، والأزمات الاقتصادية المتتالية، وانهيار أسهم شركات التكنولوجيا خلال عام 2022، بدأت أسهم إنفيديا في الانهيار، حتى فقدت أكثر من نصف قيمتها ووصلت إلى أقل من 300 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لكن بنهاية الشهر التالي، حدث أمر مفاجئ غيّر السوق بأكمله! ففي نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، أطلقت شركة "أوبن إيه آي" نسخة تجريبية أولى لروبوت المحادثة الجديد "شات جي بي تي"(8)، وهو الروبوت الشهير الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومنذ تلك اللحظة انطلقت معركة شرسة وحامية في هذا المجال بين أكبر شركات التقنية كما تابعنا جميعا خلال الشهور الماضية.

كل هذا جيد بالطبع، لكن ما علاقته بشركة إنفيديا؟ حرب الذكاء الاصطناعي ما يميز معالجات الرسومية (GPU)، مقارنة بوحدات المعالجة المركزية (CPU)، أنها تتفوق في إجراء كثير من العمليات الحسابية في الوقت نفسه.

(رويترز) نماذج اللغة الكبيرة التي تعتمد عليها روبوتات المحادثة مثل "GPT-4" تحتاج إلى خدمات سحابية قوية، التي تعتمد بدورها على أجهزة عملاقة لكي تتدرب على كل هذه البيانات الهائلة، تلك الأجهزة العملاقة توجد في مراكز البيانات.

تعد وحدات معالجة الرسوميات التي تقدمها شركة إنفيديا هي الحل الأمثل لتسريع هذه العمليات الحسابية المعقدة التي تحدث داخل أجهزة مراكز البيانات.

أدرك مطورو نماذج الذكاء الاصطناعي سريعا أن معالجات إنفيديا الرسومية كانت مفيدة وقوية جدا في إجراء العمليات المعقدة التي تدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة.

ما يميز تلك المعالجات الرسومية (GPU)، مقارنة بوحدات المعالجة المركزية (CPU)، أنها تتفوق في إجراء كثير من العمليات الحسابية في الوقت نفسه.

كان هذا هو الاكتشاف نفسه الذي توصل إليه مُعدِّنو العملات المشفرة (الكريبتو)، مثل البيتكوين والإيثريوم، إذ أثبتت وحدات معالجة الرسوميات قوتها وكفاءتها في تسريع عملية التعدين، وهي عملية تحتاج إلى حسابات معقدة للغاية للوصول إلى تلك العملات المشفرة.

مثلا، تطور شركة "أوبن إيه آي" نماذجها اللغوية بالاعتماد على خدمات مايكروسوفت السحابية، لهذا فإن مايكروسوفت ستحتاج إلى معالجات إنفيديا بكميات كبيرة، تصل إلى آلاف الوحدات، لتُوفِّر قوة المعالجة الهائلة، سواء كانت لـ"أوبن إيه آي" أو أي شركة أخرى ترغب في تطوير نماذجها اللغوية الكبيرة.

مع الصراع القائم الآن بين الشركات العملاقة، أمثال مايكروسوفت وغوغل، في سباق الذكاء الاصطناعي، فإن المستفيد الأكبر هو شركة إنفيديا نفسها، حتى إن جنسن هونغ، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، وصف هذه المرحلة الحالية بأنها "لحظة الآيفون" بالنسبة إلى مجال الحوسبة، مشبها نمو المجال بالنمو الهائل للهواتف الذكية بعدما أطلقت شركة أبل أول هاتف آيفون عام 2007(9).

بالطبع أدى ارتفاع الطلب الهائل على وحدات المعالجة الرسومية إلى ارتفاع أسهم إنفيديا خلال الشهور الماضية، مثلا وصل سعر بعض تلك الوحدات المتطورة إلى أكثر من 33 ألف دولار، وفي بعض الأسواق قد تكون أغلى وسط ارتفاع الطلب عليها(10).

الأمر المثير حاليا بالنسبة إلى المستثمرين هو أنه بعد شهور من الأحاديث والجدالات والنقاشات حول الذكاء الاصطناعي، أخيرا بدأت الأموال تتدفق، وبهذا عرفوا أين يمكنهم وضع أموالهم، على الأقل في شركة قوية بالأساس مثل إنفيديا.

الأمر الأكثر إثارة أن الأوقات الجيدة شركة نيفيديا لم تبلغ ذروتها بعد، حيث يرى المحللون أن طفرة الذكاء الاصطناعي تحمل وعدا أكبر وأكثر استدامة لمستقبل شركة إنفيديا مقارنة بالعملات المشفرة، لا يوجد أمامها أي منافس حقيقي حاليا يمكن أن يقدم نفس ما تقدمه لتلبية متطلبات المعالجة المعقدة لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.

حسنا، السؤال الآن: كيف استطاعت إنفيديا الوصول لتلك المكانة العالية والسيطرة على سوق المعالجات الرسومية في مجال الذكاء الاصطناعي تحديدا؟ قصة السيطرة على مدار السنوات الماضية التي قضتها إنفيديا بين ألعاب الفيديو والعملات المشفرة، كانت الشركة تتحول بهدوء وبخطوات ثابتة إلى شركة ذكاء اصطناعي في المقام الأول.

بدأ دخول الشركة إلى مجال الذكاء الاصطناعي، أو للدقة تعلم الآلة، من خلال "قطة" عام 2010، أو هكذا تقول الأسطورة على الأقل(11).

حسنا، هي ليست قطة بالمعنى الحرفي، لكن القصة تحكي أن "بيل دالي"، رئيس الباحثين في إنفيديا، كان يتناول وجبة الإفطار مع زميله السابق من جامعة ستانفورد، عالم الكمبيوتر "أندرو نغ"، الذي كان يعمل حينها في مشروع مع غوغل، كان يحاول فيه العثور على قطط على شبكة الإنترنت كما وصف "دالي" الأمر.

كان المشروع يهدف إلى تطوير شبكة عصبية يمكنها التعلم بنفسها، تُعرَض عليها عشرات الملايين من مقاطع الفيديو على يوتيوب، وبهذا تتعلم كيف تحدد وجوه البشر وأجسادهم وأشكال القطط بنفسها، لكن المشكلة كانت في عملية التعلم ذاتها، فلِكَي تحدث تلك العملية بدقة، يتطلب تشغيل الحاسوب الخارق للآلاف من وحدات المعالجة المركزية (CPUs)، وهي المعالجات التي نعرفها في أجهزة الكمبيوتر، لكن "دالي" تحداه حينها أن بإمكان إنفيديا تنفيذ تلك العملية باستخدام عدد قليل من وحدات معالجة الرسوميات.

بالطبع، كما توقعت، نجح "دالي" في مهمته، ودرّب النموذج باستخدام 12 وحدة معالجة رسومية فقط، وأثبت لصديقه "أندرو" أن تلك الوحدات أسرع وأكثر كفاءة في تدريب نموذجه للتعرف على القطط.

هنا أدركت إنفيديا ما يمكنها تحقيقه في عالم الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، وقررت توجيه جهودها نحو هذا المجال.

"كودا" هي منصة تسمح للمبرمجين باستخدام قوة المعالجة الموازية لكروت الشاشة في مهام الحوسبة لأغراض الاستخدام العامة.

لكن الأمور لا تسير بهذه البساطة بالتأكيد، القصة الأكثر واقعية هي أن إنفيديا بدأت اقتحام هذا المجال منذ عام 2006، بعد إطلاقها منصة ونموذج برمجة "كودا (CUDA)"، اختصارا للعبارة الإنجليزية "Compute Unified Device Architecture"، الذي كان أحد الأحداث الثورية في تاريخ الشركة(12).

ببساطة، "كودا" هي منصة تسمح للمبرمجين باستخدام قوة المعالجة الموازية لكروت الشاشة في مهام الحوسبة لأغراض الاستخدام العامة، بهذا أتاحت الشركة للمبرمجين استغلال قوة البطاقات الرسومية في مهام تتجاوز مجرد الرسوميات والألعاب.

لفهم الأمر، تخيل أن لديك جدول بيانات (إكسل) ضخما جدا، يحتوي على آلاف الصفوف والأعمدة، لكنك تحتاج إلى إجراء عمليات حسابية معقدة داخل كل خلية.

عادة سيتعامل معالج جهازك مع هذه العمليات الحسابية واحدة تلو الأخرى، وهو ما يستغرق مدة زمنية طويلة.

بينما باستخدام برمجة "كودا"، يمكنك الاستفادة من كارت الشاشة في جهازك ليساعدك في إجراء تلك الحسابات المعقدة، يمكنك تقسيم جدول البيانات إلى أجزاء أصغر، ثم تخصص لكل جزء منه أحد أجزاء كارت الشاشة، بحيث يمكن إجراء العديد من تلك الحسابات في وقت واحد.

هذا الأمر يسرع جدا من العمليات الحسابية، لأن كارت الشاشة يملك آلاف الأنوية (CUDA Cores) التي بإمكانها العمل معا على أجزاء مختلفة من المشكلة في الوقت نفسه.

هذا الأمر يمكن تطبيقه على تعدين العملات المشفرة وعلى نماذج تعلم الآلة وغيرها من عمليات المعالجة المعقدة، حتى إن شركة مثل نتفليكس تستفيد من وحدات المعالجة الرسومية في نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، التي ترشح لك المحتوى في الصفحة الرئيسية أمامك(13).

كل تلك الأمور المعقدة، التي حاولنا تبسيطها لك قدر استطاعتنا، كانت تحدث في الخلفية، وقد لا نعرف أنها تحدث من الأساس، لكن ما أثار الضجة حول إنفيديا مؤخرا، ودورها في مجال الذكاء الاصطناعي، هو حدث إطلاق "أوبن إيه آي" روبوت المحادثة "شات جي بي تي"، لينتبه العالم بأكمله فجأة ويدرك أن إنفيديا في قلب هذه العملية المعقدة، ويرى أهمية تلك الشركة العملاقة على حقيقتها، أو على الأقل هذا ما رآه المستثمرون وتفاعلوا معه بوضوح.

________________________________ المصادر:

الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 11 أشهر | 1 قراءة)
.