مايكل بيرون.. "سفير استثنائي" في عشق المغرب وخدمة اللغة الأمازيغية

بلكنة أهل الأطلس يتحدث البروفيسور مايكل بيرون اللغة الأمازيغية، وقد تعلّمها ليس بغرض معرفة المجتمع الأمازيغي والمغربي عموما، كما هي غاية كثير من الباحثين الذين يفِدون على المغرب؛ بل تعلّمها لأنه أحبّ الأمازيغ الذين عاشرهم لسنوات طوال، حيث جاب مختلف بقاع الأطلس طولا وعرضا.

ولم يكتف مايكل بيرون، وهو أستاذ جامعي فرنسي درّس في جامعة محمد الخامس بالرباط وجامعة الأخوين بإفران، بتعلم اللغة الأمازيغية واستكشاف ثقافة الأمازيغ؛ بل نذر حياته لخدمة الثقافة الأمازيغية، حيث ألّف حولها مجموعة من الكتب باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

انبثق سعي بيرون إلى تعلم اللغة الأمازيغية في لحظة استحياء من عدم معرفته لهذه اللغة، وعدم قدرته على التواصل بها مع أهل الأطلس في زياراته المتواترة إلى المنطقة، ويؤكد أن تعلّمها “لم يكن أبدا مسألة صعبة”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} “كانت لدي كتب، وكنت أتحدث مع الناس ويتحدثون معي، وشيئا فشيئا تعلمت الأمازيغية”، قال بيرون لهسبريس، مضيفا: “كنت متسلقا جبال في الأطلس، وكنت أشعر بالخجل وأقول في نفسي: من العيب ألا أفهم الأمازيغية، وكان هذا دافعا لي لتعلّمها”.

سفير استثنائي خلال حفل تكريم له من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أمس الأربعاء، بحضور أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزيري التربية الوطنية، والتعليم العالي السابقين، رشيد بلمختار وإدريس أوعويشة، وثلة من المثقفين والأساتذة الجامعيين، تدفقت عبارات الثناء لبيرون على ما بذله من جهد لخدمة الثقافة الأمازيغية.

أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وصف بيرون بـ”الشخصية الكبيرة التي أنجزت عملا متينا للثقافة الأمازيغية”، مبرزا أن الرجل، وإن كان أجنبيا، “إلا أنه قدم للأمازيغية ما لم يقدمه لها كثير من أبنائها”.

المكانة المرموقة التي يحتلها مايكل بيرون عند الأمازيغ جعلت رفاقه يلقبونه بـ”إزْمْ أبرباش”، وتعني بالأمازيغية: الأسد المرقّط.

محمد الدهبي، الذي تعرف على مايكل بيرون منذ سنة 1974 كأستاذ للغة الإنجليزية، قال إنه كان عاشقا للأطلس المتوسط حيث كان يقصده في عطلة نهاية الأسبوع، وفي الإجازات، ومع مرور الأيام توطدت علاقته بالمنطقة، بعد أن تكوّنت لديه معرفة عامة عنها وعن أهلها، ومن ثم بدأ يتعلم اللغة الأمازيغية، قبل أن ينطلق في رحلة تأليف كتب عن ثقافة الأطلس.

وألف بيرون عددا من الكتب منها: Contes et légendes de la montagne amazighe (Maroc) و “The berbers of Morocco: A history of Resistance”… كما درّس اللغة والثقافة والتاريخ الأمازيغي في جامعة الأخوين بإفران.

واجتمع في بيرون ما تفرق في غيره من الباحثين، فهو لم يكن أستاذا جامعيا وباحثا في الثقافة الأمازيغية ومؤلفا حولها فقط؛ بل كان أيضا مؤرخا، وشاعرا، حسب شهادة محمد الدهبي، مردفا أنه رجل متميز (Un homme différent).

الإعلامية المغربية نادية لارغيت وصفت مايكل بيرون بـ”عاشق المغرب الكبير، بأهله ولغاته وجباله”، لافتة إلى أنه عشق الأطلس، وأحب كرَم سكان جباله.

وأردفت لارغيت مخاطبة بيرون: “اعلموا أن المغرب عامة يشكركم على ارتباطكم به، وعلى نشر اللغة الأمازيغية في كل الأماكن التي تحلّون بها، وأنتم سفير استثنائي.

سفير قوي جدا، وأنتم فخر لنا”.

وفاءٌ للمغرب عبارات الشكر التي قالت لارغيت إن المغرب يبادلها لمايكل بيرون، رددها الباحث باسو حمري، أحد أصدقاء المحتفى به، بقوله: “نشكركم، السيد بيرون، على كل ما فعلتموه من أجل ثقافتنا وبلدنا.

.

ونشكركم بشكل خاص على ما قدمتوه للأمازيغية”، مبرزا أنه لم يستشعر قط التزاما أقوى من التزام بيرون ووفائه تجاه المغرب وثقافته.

وقالت فاطمة الزهراء صالح، أستاذة التعليم العالي بجامعة السلطان مولاي سليمان، إن من الخصال التي يتميز بها مايكل بيرون احترامه للآخر، وهو ما جعل المغاربة يبادلونه نفس الشعور، حيث ربطته بهم علاقة قوية؛ “ففي كل مرة يحل بمكان ما يُستقبل استقبالا حارا، وهذه فلسلفة إنسانية حقيقية، وتجربة ينبغي أن تكون ملهمة لنا في تكوين شبابنا من الطلبة”.

وتسرد صالح جزءا من مظاهر التعلق الشديد لمايكل بيرون بالمغرب، قائلة إنه يرفض عددا من دعوات التكريم أو إلقاء المحاضرات التي تصله من الخارج.

وفي المقابل، لا يتردد في تلبية أية دعوة تصله من أي مكان من المغرب، مبرزة أن “هذا يؤكد شغفه بالثقافة المغربية، وبالمغرب ككل”.

السنوات الطوال التي جاب فيها “إزْم أبرباش” سهول وجبال الأطلس جعلته يخلص، كما أفضى بذلك في تصريح لهسبريس، إلى أن ما يميز أمازيغ المغرب هما شيئان: تَگماتْ، أي الأخوّة، و تِينوبْگا، أي حسن الضيافة، مضيفا: “هؤلاء هم الأمازيغ، وهذه هي القيم التي ينبغي أن تحافظوا عليها دائما”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 11 أشهر | 0 قراءة)
.