المغرب، الهوية الإلكترونية والذكاء الاصطناعي

  العالم يتغير بسرعة قصوى وكأنه ينذر بالموازاة أن التطور الحضاري في العقود المقبلة لن يحتمل إلا المنخرطين بمعرفة قصوى في البنية الأساسية للسحاب المحوسب والاستفادة العالية من الذكاء الاصطناعي.

والحالة هاته، ليس أمام الآباء والأمهات وأولياء الأطفال سوى تدريب فلذة أكبادهم على المناهج والتقنيات التي ستمكنهم من الانخراط في التعلم الآلي وبالتالي الولوج إلى خدماته الرائدة.

إن هذا السحاب الافتراضي يمكن اليوم عبر برامجه المذهلة وشبكاته المتطورة من رصد تحركات وأنشطة وهويات الفرد الواحد أينما حل وارتحل.

في نفس الوقت تمكنه من الاستفادة من خدمات ذات جودة عالية تسرع من وثيرة تكوينه واستفادته من خدمات متنوعة وذات جودة عالية (التسوق عن بعد، التكوين بتحويل النص إلى كلام أي إلى خطاب نابض بالحياة، التكوين بتحويل الكلام إلى نص، التعلم الآلي ببرامجه الثرية، الترجمة الآنية، .

.

.

.

.

).

كما تصبو المؤسسات الراعية لمشروع الرقمنة العالمية إلى ربط البيانات الهوياتية للفاعلين والزبناء التجاريين بكل الأنشطة المدرة للدخل بشقيها السلعي والخدماتي في القطاعين العام والخاص.

السيولة المؤسساتية في مجال الهويات الفردية، ستتحول مع مرور الوقت إلى امتياز يمكن الأفراد من قضاء مصالحهم بالسرعة المتناهية والجودة القصوى.

على مستوى المغرب كنموذج، إذا ما تمت إضافة المجهود المبذول في مجال رقمنة الحالة المدنية بمشروعها الوطني إلى ما يتحقق من تراكمات في مجال بناء السجل الاجتماعي ومشاريع الرقمنة لتحديث جل الخدمات العمومية والخاصة تقريبا، سيجد المتتبع نفسه في أقرب الآجال أمام حقيقة بارزة ستؤكد لا محالة وباستحقاق أن المغرب قد اختار سبيل التأهيل عقيدة متشبثا بالوصول إلى مستويات تمكنه من لعب دور القاطرة إفريقيا وعربيا.

بلا شك، هذا المشروع تحول اليوم إلى جوهر التنمية الترابية وأصبح من أولوليات البرامج العمومية.

في هذا الشأن تم اختيار إقليم سيدي سليمان من ضمن عدد من الأقاليم كمختبر لتيسير تعميم هذا المشروع الريادي على مختلف الوحدات الترابية للمملكة.

فما تقوم به العمالة بتنسيق مع رؤساء مجالس الجماعات الترابية للتقدم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية هو تعبير واضح عن طموح السلطات الإقليمية لإبراز النموذج الترابي الواعي بالرهانات المستقبلية للدولة المغربية في آجال معقولة.

المشروع الإقليمي وقيادته يستمدان بذلك مقوماتهما من الإستراتيجية الوطنية المعبرة عن حكمة نظام سياسي له خصوصيته الإقليمية والجهوية والقارية وحتى الدولية.

بالفعل، وزارة الداخلية لا تدخر جهدا من أجل ربط البيانات الهوياتية الفريدة (unique) على أساس التسجيل في الحالة المدنية (رسم ولادة واحد)، بسجل المعطيات المهنية والتعليمية والتكوينية وكذا بسجل الممتلكات القارة والمنقولة.

هناك حرص ملموس لتنمية رأسمال معلوماتي بطبيعة الرفع من الثقة المؤسساتية وإضفاء المصداقية التامة على علاقة المواطنين (المجتمع) بالدولة.

هذه الأخيرة على وعي تام بضرورة تحقيق هذا الرهان الصعب بطابعه الإجباري.

الرقم الوطني الفريد المحدد للوجود الفردي (المرتبط بالصورة الفوتوغرافية والبصمات الجينية الفريدة لليدين والعينين) سيتحول مع مرور الوقت إلى مصدر من مصادر المشروعية للانخراط السهل في المهن المدرة للدخل مستقبلا وشرطا إجباريا للاستفادة من الخدمات المتنوعة وطنيا ودوليا.

حتى المسلسل الديمقراطي سيجد في الإلكترونيات أرضية أوتوماتيكية لضبط عمليات الترشيح والاقتراع وإعلان النتائج بسرعة فائقة.

أكثر من ذلك، سيادات الأوطان سترتبط بقوة في أقرب الآجال بمدى تطور شعوبها في التعاطي مع الذكاء الاصطناعي المقوي لتأثيرها وجاذبيتها عبر تقاسم البيانات الحيوية النافعة المعبرة عن إمكانيات نفوذ مجالاتها الترابية المختلفة والمتنوعة.

لقد تدخل الذكاء الاصطناعي بتطبيقاته في حياة الإنسان عالميا.

لقد تيسرت أمامه المهام المُعقدة التي كانت تتطلب في الماضي جهودا بشرية مضنية.

لم يعد أمام التعلم بالصور والنصوص والفيديوهات الإلكترونية أي عائق يذكر.

الإنتاج بإبداعاته والتجارة بتقنياتها في طريقهما للاندماج الكلي في العالم الرقمي.

الشركات الكبرى تستثمر بشكل كبير في علوم البيانات التي تعد اليوم مجالاً متعدد التخصصات العلمية.

الهدف المسيطر على هواجس الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين عالميا هو تطوير الأساليب العلمية في هذا المجال للرفع من قيمة المعطيات ببعدها الكمي والنوعي.

كل المهن ارتبطت اليوم بالرقمنة، وبرزت بشكل واضح المهارات في مجالات حيوية مثل الإحصاء وعلوم الكمبيوتر والمعرفة العلمية لتسهيل تحليل البيانات التي يتم جمعها من مصادر متعددة.

خلاصة: سأكتفي بهذا القدر مبرزا حرص المغرب الملموس لتصدر قائمة الدول الإفريقية والعربية في لعب الأدوار الريادية في ربط الهوية والذكاء الاصطناعي بكل المجالات الحيوية في المجتمع والدولة مع الحفاظ على سرية المعلومات الفردية.

فتعميم التصاريح الأولية الإلكترونية في كل المجالات، وإثباتها بالوثائق الرسمية الوثائقية، ستضفي على بيانات الفرد المصرح به وممتلكاته المنقولة والقارة وتكويناته المتراكمة طابع الهوية الإلكترونية الشاملة والقارة المتدفقة بسلاسة بين الحواسيب المؤسساتية الرسمية.

بهذا الانشغال الدائم تقود السلطة الإقليمية بسيدي سليمان بحكمة وتبصر مشروع رقمنة الحالة المدنية وبناء السجل الاجتماعي.

لقد أصبح من الواجب على المرتفقين تحمل المسؤولية الكاملة في تصريحاتهم.

الدولة عازمة على تجاوز ثقافة الرعاية والرعايا لتحل محلها ثقافة المواطنة.

كما أن ربط وسائل الأداء الإلكترونية (البطاقات البنكية والتحويلات الإلكترونية .

.

.

.

) بالهوية الفردية الجينية والفواتير والطلبيات التجارية والاستهلاك اليومي سيضع البنيات الإنتاجية والخدماتية أمام بيانات اقتصادية وتجارية عالية القيمة.

إن رقمنة الهوية يشكل اليوم دعامة أساسية للتطور المبهر والمتزايد الذي يعرفه قطاع النقل والتنقل بوسائله السريعة وكذا مجال الطاقات المتجددة (سيارات وقطارات وطائرات ومروحيات ودراجات نارية وهوائية .

.

.

عالية السرعة).

الاستفادة السريعة من خدمات الوسائل المتطورة للنقل والتنقل على أساس الهوية الالكترونية تشكل اليوم إغراء لكل المجتمعات الكونية.

فإضافة إلى التحديد المستمر لتطور الخريطة العالمية لتنقل الأفراد ونقل السلع والخدمات (Flux)، وتوقع حجم الاستثمارات والمهن المستقبلية المربحة في كل المجالات، تجد المؤسسات العامة والخاصة نفسها أمام إجبارية الاستثمار الهائل في التكنولوجيات الحديثة والرفع من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي إلى أعلى المستويات القياسية.

الهوية الالكترونية الدقيقة ستحل محل الوثائق ووسائل الأداء.

الاندماج الكلي للأفراد والجماعات في السحاب المحوسب (Cloud computing) سيرفع من مستوى الأمن والاستقرار إلى أعلى المستويات.

فالبرامج المستقبلية ستكون بلا أدنى شك مؤهلة لترقب التحركات غير الطبيعية للأفراد والجماعات.

هذا عالم اجماع كوني جديد تتقاسمه القوى الكونية في الشرق والغرب.

 

المغرب      |      المصدر: اخبارنا المغربية    (منذ: 10 أشهر | 2 قراءة)
.