أحمد بهجت وأنا وكلام صيام «3».. الفقه المكتبي

أحمد بهجت وأنا وكلام صيام «3».. الفقه المكتبي

 كنت قد عكفت على كتابة حلقات عن ذكريات رمضان وساقتني الصدفة إلى أن تقع عيني على كتاب "مذكرات صائم، للكاتب أحمد بهجت والذي صدر عام 1990 في 222 صفحة من القطع المتوسط، عن دار الشروق، فاحترت بين كتابة حلقات أو عرض الذكريات من الكتاب في حلقات، وبعد تفكير قررت واخترت الخلط فسأجاور كاتبنا الكبير وأنا الصغير ليحكي وأحكي وأكون قد اقتنصت أيام المغفرة في أن يسامحني على  الأمر.

 الفقه المكتبييواصل عمنا أحمد بهجت حديثه عن يوميات صائم بما جرى وحدث من ذكريات في شهر رمضان ويقول: اشتغلت مثلما أشتغل كل يوم في المصلحة،أعمل في الحكومة موظفا في الدرجة الثالثة .

.

أنطوي على إحساس  بأنني جعران فرعوني .

.

يزداد سعري كلما تقدم العهد على .

.

ينحصر عملي في إمضاء أوراق كثيرة .

.

وكل عملنا لا يز يد على إمضاء الأوراق  وترحيلها لتسير في طريق طويل تحفه الإمضاءات من جانبيه، ثم تعود إلي لأوقع بالاستلام والعلم، ما أغرب العمل في دواوين الحكومة، يدخل المرء المدرسة ثم يشقى ويسهر ويتخرج، بعدها يدخل الجامعة، ثم يشقى ويسهر بعدها يخرج إلى الحياة كي يوقع بإمضائه.

كل شيء في الحكومة يمضي بالأوراق .

.

أوراق تذهب وأوراق تجيء .

.

إمضاءات تضاف وامضاءات للتصديق على الإمضاءات .

.

 سلسلة طويلة تلخصها أغنية الشاعر المصري العظيم فؤاد حداد .

.

 كتب الأغنية لنا كي نغنيها في أوقات الفراغ من الإمضاءات .

.

 لا الدم ولا العرق ولا فلاح عزق ولا حداد طرق يا سيدي المواطن الرك على الورق انتهى عمل اليوم في المصلحة، فتحت الملفات، وأغلقت الدوسيهات، وأعطيت المرؤوسين إحساسا بالتقصير، ومنحت الرؤساء إحساسا بالكمال، وخرجت أعبث بحبات المسبحة، أسير في شوارع  القاهرة مع أحد رفاقي في المكتب، نسلي صيامنا كما يقولون في  الأمثال، نتفرج على الناس بسهوم الصائمين ونحدق في الأشياء بغير ثبات، تغير المنظر أمامنا فجأة، خرجت من أحد الشوارع الجانبية فتاة ترتدي الميني جوب، الجونلة الصغيرة سوداء والفتاة الطويلة بيضاء.

 والتناقض بين الأسود والأبيض ينبه الحواس .

انتبهت حواسي رغم  إرادتي، كنا نتسكع بغير اهتمام ونسير على مهل، فلما شاهدنا الفتاة تسرع في سيرها، زدنا من سرعتنا بغير أن نشعر، أشحت بوجهي عن  الفتاة  وأنا أستغفر الله، ثم عادت عيني تنسرق نحوها وأنا أستغفر الله.

.

 أنا: إلى هنا يا عم أحمد كفانا ولا تسرح بخيالنا أبعد من ذلك حتى لا يضيع صيام اليوم بعد عناء، فأنت تشكو من جلسة المكاتب وصديقك الصغير يشكو من دورانه على المكاتب، فيا عم أحمد "لجل الحظ" سٌرقت مني المحفظة في أول يوم رمضان وأنا أركض لألحق بالأتوبيس، رزقني الله يومها برجلين قمة الأخلاق، أحدهما مد يده يجذبني إلى سلم الأتوبيس، والآخر قام بالواجب وأخذ المحفظة من جيبي، بعما جففت العرق اكتشفت الواقعة، فنزلت مسرعا من الأتوبيس وذهبت إلى قسم الشرطة لعمل محضر فقد وبعد أسئلة وإجابات وبيانات وتصوير أوراق أخذت الختم وحتى لا أطيل عليك مررت على كل المكاتب حتى تمت الولادة القيصرية لاستخراج البطاقة.

.

 أما عن الفتاة التي تتحدث عنها يا عم أحمد فلم يكن لدي تركيز لمتابعتها وإن كان الشيخ قد أجاز النظر الأولى ولم يحدد مداها ولا توقيتها حتى لو ظلت ساعات من نهار.

 وبينما نواصل أنا وعمنا أحمد بهجت الحديث عن الفقه المكتبي ودولاب الوظائف وفوائد الدراسة والشهادات خرج علينا الشاعر المصري العظيم بأغنية غنيناها سويا ومازالت تغنيها الأجيال:لا الدم ولا العرق ولا فلاح عزق ولا حداد طرق يا سيدي المواطن الرك على الورق يا كراسي يا مراسي لمراكب التاريخ والقعدة المطمئنة في دنيا ترخ الصواريخ والزلزال المزلزل بيجي لعندك يكسل عسل يا عقلي عسل أنا وانت في الندى سهيني وعيني نايمه غلطني في جمع قايمه واكتب لي ما عدا السهو أو الخطأ عن نوحي عن سنوحي وفلاسفة الزمان لا قامت انسانية ولا تم الهيلمان ولا اتبنت حضارة إلا على الإدارة واللايحة المستشارة والفقه المكتبي منتهى الجدارة آخد مرتبي وبنظرة واحدة أعرف ابنك طالع موظف ولا طالع غبي من أول ما اتخلقتلاقينا أنا وعم أحمد على باب المسجد بعد صلاة العصر لنصلي ركعتين فوجدنا الناس نيام، كل يضع الحذاء تحت رأسه وعلى اليمين والشمال لافتات ليس للذكر ولكن للتذكرة: «ضع حذاءك أمامك، المسجد غير مسؤو عن المتعلقات، احترس من السرقات»، فهمهمت لعمنا: «نحن شعب متدين بطبيعته وهذه اللافتات ما هي إلا دعابات للترويح عن الصائمين»، فصرخ في وجهي: «تذكرت أين وضعت علبة السجائر».

.

فضحكت.

.

فواصل: وجهزت في ذهني ما سأقوله لزوجتي عندما تسألني عن قمر الدين، صعد الإنسان إلى القمر .

.

ونزلنا نحن لقمر الدين».

نلتقي غذا في حلقة جديدة أنا وأنتم وعم أحمد بهجت وكلام عن الصيام.

 

مصر      |      المصدر: البوابة نيوز    (منذ: 12 أشهر | 29 قراءة)
.