"الورود البلاستيكية" بين واقع المصريين وإعلاميين معارضين

"الورود البلاستيكية" بين واقع المصريين وإعلاميين معارضين

رحم الله الشاعر الثائر أحمد مطر لما قال في مقدمة صوتية سبقت أمسية نادرة شهدت قراءته لبعض مجموعته "لافتات": "إنني أغني للأمل حينما يكون وردة خارجة من رحم الأرض، ولكنني أخجل من إيهامكم بالورود البلاستيكية".

فَمَنْ ذا الذي لا يحب أن يستبشر بواقع مشرق؟ أو يفخر بتقدم ثوّار واعين مقتدرين محيطين بالواقع أو محيطين به قادرين عليه؟ أو حتى ما يشابه ذلك سواء أكانوا في أو الوطن العربي أو أنحاء العالم الذي ينتشر المظلومون فيه؟ ولكن أن نظل "فرحين" منذ نحو 10 سنوات بمقالات مهنئة مستبشرة بالمستقبل المشرق والغد المضيء الواعد لمصر، فيما الواقع الذي يخص أهلنا يعج بالظلم والألم والفقر، فهذا بالضبط ما يشبه ما هو أدنى وأكثر إرهاقاً من تأثير "الورود البلاستيكية" التي لا يعني شيئاً، ويحب أن يقتات ويأكل البعض بها للأسف أطيب الطعام والثمر على نسق مقولة الراحل الشاعر المصري فتحي سعيد: "الذين أدركتهم حرفة (الثورة)" لا الأدب كما عبّر الراحل.

ذهبت سيدة مصرية -في المقابل- منذ أيام لتسلم كرتونة تحتوي مجموعة من المواد الغذائية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويوزع الجنرال الحاكم في مصر منها 5 ملايين كرتونة، إذ يحدث للمرة الأولى في تاريخ مصر أن يقوم رئيس "مفترض" لها بتوزيع معونات هزيلة بنفسه، في اعتراف معلن وضمني منه بأن سياساته وأفعاله ساهمت في تجويع ما يقارب ثلث شعبه وفق التقدير الرسمي.

فمن المفترض أن الكرتونة لأسرة مكونة من 6 أفراد وتم توزيع 5 ملايين كرتونة، أما ما حدث مع السيدة الفاضلة التي كانت عفيفة يشملها "ستر الله"، الذي نسأله تعالى أن يشملنا جميعاً، فقد فوجئت بعد استلام الكرتونة بأنه يتم تصويرها لـ"فضحها" بوسائل الإعلام المناصرة للنظام، فما كان منها إلا أن أخفت وجهها وانهمرت في البكاء! يحدث للمرة الأولى في تاريخ مصر أن يقوم رئيس "مفترض" لها بتوزيع معونات هزيلة بنفسه، في اعتراف معلن وضمني منه بأن سياساته وأفعاله ساهمت في تجويع ما يقارب ثلث شعبه وفق التقدير الرسمي هل "موهبة الكتابة" في صورة المقال تحديداً "صنعة" أو حرفة وصاحبها بحسب مهارته ينال الأجر المادي الأكبر والانتشار وبالتالي يحقق التربح الكامل؟ وهل الكاتب "مرتزق" -وأعتذر عن المفردة وقسوتها- يؤجر قلمه لمن يدفع أكثر؟ وهل البعض ممن لم تعجبهم سيطرة الجنرال على بلد بحجم مصر في 2013م فأعلنوا انحيازهم للثورة.

.

يكملون مسيرة إحسان التصرف الذي بدأوه؟ ماذا عن البعض الذي يرى أن قلمه يجب أن يصور ثورة مشتعلة متواصلة فيما الواقع يخيب الأمل تماماً؟ يستند بعض الكُتَّاب على خيال واسع يشبه الروايات -مع الاحترام للأخيرة وكُتَّابها لكن في سياقها وسياقهم الخاص- فيصور بعض كُتّاب المقالات أن أحد معارضين للراحل حسني مبارك -مثلاً ممن هاجروا وتركوا مصر منذ وقت مبكر عقب 3 تموز/ يوليو 2013م- استطاع بأعلى درجاتها وإمكانياتها والوقوف أمام الجنرال في انتخابات الجنرال الرئاسية المقررة العام المقبل -بإذن الله- ويروحون يستدعون ويستشهدون بتركيبة "صعبة الحدوث" على الأقل لإثبات أن المعارض المقرب لديهم قادر على أن يكون "سوبر مان"، كما في أفلام "الحركة الأمريكية"، متناسين أنهم يتحدثون عن غيب لم يحسنوا لا هم ولا المعارض التخطيط له أو حتى تفهمه، وأن المعارض الذي يتحدثون عنه كان جزءاً صلباً وركناً هائلاً من منظومة إزاحة الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله- وبالتالي فإن هناك حديثاً هائلاً مريراً حول توازنات دفعت به للخارج "كانت وما زالت".

ولا نريد الاستفاضة في المثال فإنما هو أخير وواحد من آلاف من "خيالات" كُتَّاب توقعنا منهم قيادة الواقع، فانساقوا خلف منظومة إعلامية تقود الحدث السياسي المتقلص الواهي لمعارضة قتلتها المصالح والفرقة والشعور المبالغ فيه بالذاتية لأقصى درجة.

تزجر السجون المصرية بعشرات الآلاف من مساجين يتطلعون بأسى لزوجاتهم اللواتي يتكبدن ما لا يعلمه إلا الله في سبيل الوصول إليهم، يشاهدون أبناء يشبون عن الطوق في غير وجودهم، وهم ممنوعون من مجرد الاقتراب منهم من غير السلك الشائك؛ هل نقدر أن منهم مَنْ يموت قهراً وألماً؟ هل نعي أن زوجات نلن الطلاق لما طال عليهن العهد؟ هل نفهم أن منهن مَنْ لا يجدن طعاماً أو شراباً إلا الفتات الذي تلقيه إليهم السلطات؟ هل نشفق على زوجات عفيفات يعملن خادمات في البيوت لينفقن على بيوت بعض أولاء الشرفاء المخلصين؟ أم نستمر في التشدق بأن المساجين اعتادوا السجون وصارت "منتجعات" بالنسبة إليهم؟ وهو خطاب للأسف تشترك فيه السلطات مع طرف من مسئولي فصيل من أبرز المعارضين خاصة في الخارج.

هل نقدر أننا سنسأل يوم القيامة عما نقول وعمن يسقطون شهداء في السجون والمعتقلات؛ ولا نعرف عددهم ولا حال أهلهم من بعدهم لا على سبيل الإجمال أو الدقة؟! نكون صادقين مع أنفسنا، ننصح قومنا وأهلنا البسطاء والمعدومين بما يناسب فقرهم وقهرهم وإرهابهم من جانب نظام ظالم، لا أن نمنيهم ونزيد في الأمنيات، ونتخيل ثورة فنكتب ونتفرغ لسلاسل عن مواصفاتها التي في أذهاننا وليس لها علاقة بالواقع المرير ظل أحد أولاء الكُتَّاب يبشر بالنصر ومحاكمة النظام كله من 2013م حتى 2019م حينما أقدم النظام على إعدام 9 من الأبرياء في شهر رمضان، فكتب الكاتب مطالباً الحقوقيين لا بمراجعة جهودهم وإعادة تقديم ملف المصريين للمجتمع الدولي بما يليق بالظلم الواقع عليهم، أو الاعتذار عن إكمال المسيرة واستمرار الفشل الذريع حتى ليسقط المزيد من المظلومين؛ فيما الحقوقيون كالإعلاميين وكالسياسيين المعارضين مرفهين منعمين بالخارج، إلا مَنْ رحم ربي.

.

بل بعد الإعدام كانت أقصى درجات إفاقة الكاتب أن طالب بالتعريف بسيرة المعدومين التسعة ليعرفهم الناس، ثم واصل المسيرة بالمزيد من ذم نظام "يستحق الذم"؛ ولكن ليس بالذم وحده تسترد المظالم.

نتمنى أن نكون صادقين مع أنفسنا، ننصح قومنا وأهلنا البسطاء والمعدومين بما يناسب فقرهم وقهرهم وإرهابهم من جانب نظام ظالم، لا أن نمنيهم ونزيد في الأمنيات، ونتخيل ثورة فنكتب ونتفرغ لسلاسل عن مواصفاتها التي في أذهاننا وليس لها علاقة بالواقع المرير، ونروح نذكر وندندن ونترنم بالعداوات وأهلها ممن كانوا مع الجنرال وندموا أو لم.

.

دون أن ننظر إلى رغبتهم في البناء، وإن خالفونا، فإننا -جميعاً- في النهاية في وطن واحد؛ إن غرق فلن نجد أملاً في غد يرضي الله وأنفسنا.

تمنينا أن يكون كل كاتب وصاحب قلم أو معارض عموماً على قدر المسئولية والمبادرة من أجل الخلاص من واقع مؤلم قاسٍ في حياة كل مصري مخلص شريف، وفي استعادة مصر لمسئولياتها مواصلة لمسيرة الأمة كلها!

منوعات      |      المصدر: عربي 21    (منذ: 1 سنوات | 39 قراءة)
.