آليات الوساطة الدستورية..

مدخل: نصت المبادئ العامة للباب الثاني عشر لدستور المغرب لفاتح يوليوز 2011، في شأن الحكامة الجيدة على أنه “تكون الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة وتستفيد من دعم أجهزة الدولة، ويمكن للقانون أن يحدث عند الضرورة، علاوة على المؤسسات والهيئات المذكورة بعده، هيئات أخرى للضبط والحكامة الجيدة”.

نفس الباب نص في فصله الثاني والستين على أن “الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحية السلطة العمومية”.

لا شك أن الهندسة المؤسساتية التي اختارها المشرع الدستوري لمؤسسات الحكامة، ومن ضمنها مؤسسة الوسيط كمؤسسة تابعة لرئاسة الدولة فوق السلط الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، تنطوي على رغبة من المشرع الدستوري في التأكيد على محورية مقتضى دستوري آخر صادر في ديباجة نفس الصك الدستوري لفاتح يوليوز 2011 المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة.

هذا التوجه للمنظومة المؤسساتي المغربية يجد صداه المذهبي في علم الاجتماع السياسي المؤسس للديمقراطية في الأنظمة الحديثة بأوروبا والمبني على أساس أنه “من الضروري أن كل سلطة تحدها سلطة” وأيضا لأن “المالك للسلطة يميل للتعسف في استعمالها”.

إذن كيف يمكن لمؤسسة الوسيط أن تفرض نفسها في مشهد مؤسسات الحكامة كسلطة رقابة وعدل وإنصاف مستقلة على السلط الثلاث؟ كيف يمكن للنصوص المراقبة القبلية على النفقات العامة أن تستجيب للمقتضيات الدستورية المستجدة بعد 2011؟ وكيف يمكن للمجهود المغربي لإخراج القرار الأممي 75/186 أن ينعكس محليا في الممارسة الإدارية والمالية لمؤسسات ومصالح الدولة؟ إن المتأمل في بعض المقالات المنشورة في عدد ماي 2018 لمجلة الوكالة القضائية للمملكة، وكذا تقارير مؤسسة الوسيط السنوية، فضلا عن القانون المنظم لاختصاصات المؤسسة يمكنه الخروج بالملاحظات والاستنتاجات التالية: #div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} – الملاحظة الأولى: إن تنزيل المشرع لإرادة الدستور في القانون 16-14 الصادر في 11 مارس 2019، عبر تأكيده على الطابع المستقل لعمل مؤسسة وسيط المملكة الذي يعينه الملك ضامن الحقوق والحريات، وكذا التأطير الدستوري لتدخلاته بضمان الحق الأساسي في العدل والإنصاف، هو تأكيد من الدولة على أن الخطأ الإداري و السياسي والقضائي وسوء تأويل القواعد وسوء استعمال السلطة العامة مسألة مفترضة وواقعية وجب تأطيرها دستوريا وإجرائيا، لذلك أحسن المشرع الدستوري عملا حين أسرع إلى التأطير الدستوري لتلك الحالات عبر اختيار تموقع مؤسساتي مستقل وفوق كل السلطات الثلاث لمؤسسة الأمبودسمان حيث أن والي المظالم سابقا، الوسيط حاليا يستمد سلطته وتفويضه مباشرة من الضامن الأسمى للحقوق والحريات في النظام الدستوري المغربي أي الملك، أمير المؤمنين، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الرئيس الأول للنيابة العامة ورئيس مجلس الوزراء ورئيس رئيس الإدارة/الحكومة وصاحب سلطة تسمية رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

بالتالي، وجب القول إن الباحثين والممارسين في مجال الفعل السياسي والتشريعي والقضائي، خاصة ذلك التيار المحافظ الذي يدفع بضرورة تحصين الفعل الإداري والقضائي كيفما كان نوعه من رقابة الإنصاف الدستورية للمؤسسة هو دفع مشوب برغبة في وضع فعل سلطة عامة ومحيطها -المثير للجدل أخيرا بتسريبات كثيرة- فوق الدستور والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان خاصة تلك المتعلقة بالحقوق الدستورية الأساسية.

في هذا الباب ومن باب التنوير، قد يكون تذكير دعاة تلك النزعة الأرثودوكسية اللا-دستورية واللا-سياسية، هل يفهمون حقيقة أن القانوني “légal” ليس بالضرورة شرعيا “légitime”؟ هل سبق لهم أن قرأوا شيئا عما تسميه أدبيات مؤسسة الوسيط بضحايا الصيغ القانونية وضحايا الخطأ القضائي الثابت مؤسساتيا؟ وهل بمقدور تراكمهم من الثقافة الحقوقية والقانونية أن يستوعب بديهية أن ما يمكن أن يكون قد راج أمام قاض “justicié” ليس بالضرورة قانونيا أو منصفا “équitable”؟ وما معنى أن ينافحوا عن تحصين فعل إداري-قضائي لقاضي مستعجلات أو درجة أولى (قضاء تجاري أو أسرة أو إداري) قد يكون موضوع تصحيح أو تأديب قضائي بعدي من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بشبهة معاينة مثبتة لزورية دفع أو شهادة زور أو عيب مسطري أو مادي جسيم أو إنكار بين للعدالة أو مجرد سوء تقدير للقاضي الإنسان؟ وما معنى اضطلاع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بأكثر من 30 مهمة تأديبية في السنة بالمغرب؟ وما يفترضه ذلك من ثبوت وقوع ضرر المس بالحق الأساسي في المحاكمة العادلة وضمانة صون الحقوق والحريات والإنصاف التي يضمنها النظام الدستوري المغربي؟ أظن أن هذا السجال الذي قد يصادفه الباحث في المجلة المذكورة أو في الإدارة أو المفتشون العامون للقطاعات الوزارية بمصالح المالية، قد يصبح غير ذي موضوع لو تسلحنا بما يكفي من الثقافة الدستورية والديمقراطية، والتي تساعد حتما على استيعاب حقيقة أن الفعل المحسوب على المرفق القضائي على غرار فعل إداري في مرفق إداري خدمي فعل معرض للخطأ وسوء التقدير وحتى الانحراف الفردي المقرون بسوء النية ورغبة في تسخير سلطة عامة في غير ما وجدت لأجله، هذا إن أردنا عدم الخوض في إقرار المشرع الدستوري الواضح والجريء نفسه، بفعلية الخطأ القضائي كواقع سوسيو-إداري حسب منطوق الفصل 122 من الدستور المغربي، فهل الأستاذ المساهم في المجلة -المقلل من شأن توصيات وأحكام وسيط المملكة- أكثر اطلاعا من المشرع الدستوري الذي أطر وطوق الخطأ القضائي والإداري دستوريا؟ هذا الأخير الذي اهتدى ذكاؤه القانوني “le génie juridique” إلى وضع مخارج مؤسساتية لتلافي أضراره على الدولة والمجتمع والأمن القانوني والقضائي وفعلية حقوق الإنسان وسيادة القانون في الدولة “La primauté de Droit”.

نافلة القول في النازلة، لتجاوز أضرار عدم اضطلاع حكومات دستور 2011 بواجباتها في تحيين وملاءمة النصوص القانونية المنظمة للإدارة والمالية العامة مع أحكام الدستور، وكذا تفويت الحكومات لفرصة توسيع النقاش المهني في الوسط القضائي حول مستجدات الرقابة الاستثنائية والدستورية على الفعل القضائي ونظرية الخطأ القضائي ونظرية الإنصاف الدستوري، فإن وزارة العدل والأمانة العامة للحكومة ووزارة المالية )خاصة مديريتا الحكامة والمؤسسات العمومية (مطالبة أكثر من غيرها ببرمجة دورات تكوينية لتطوير قدرات قضاتها وأطرها في مجال حقوق الإنسان ومبادئ التكامل المؤسساتي في القانون الدستوري المغربي ومبادئ الوساطة المؤسساتي ، التي جعلت التوصيات التي تصدر باسم الدستور والملك، ثاني أعلى نص قانوني ملزم لكل متعهدي السلطة العامة القضائية والتنفيذية والتشريعية والإدارية.

خصوصا وأن درجة لزوميتها لا تقتصر على حقيقة تعاقد العرش والشعب المغربي على الصك القومي الأسمى لفاتح يوليوز 2011، بل باتت تستمد قوتها من صكوك الشرعية الدولية لحقوق الإنسان مع صدور القرارات الأممية الأخيرة المعززة لإطار وآليات وحصانة مؤسسة الأمبودسمان ومنظماتها المتخصصة المتعددة الأطراف، والتي اضطلع المغرب في عملية تبنيها بأدوار طلائعية ومحورية، وهو ما يفرض في الحد الأدنى انعكاس هذا الانخراط الدولي على المستوى المحلي، وذلك عبر تأطير الفعل المؤسساتي ليصير أكثر تعاونا وتسلحا بروح وفلسفة هذا التوجه الدستوري والملكي الطامح لمزيد من تقوية للصرح الديمقراطي المغربي.

– الملاحظة الثانية: على المستوى الإجرائي، تنصيص القانون المنتظر لمؤسسة الوسيط على لزوم الاستعانة حصرا بالمفتشين العامين للقطاعات الوزارية، الذين يقومون مقام “المخاطبين الدائمين” أو “المأمورين القطاعيين للمؤسسة “يعد أيضا من مداخيل تقوية منظومة الوساطة الدستورية وضمان مزيد من نجاعة تدخلات المؤسسة.

بتعبير أوضح بات من الملح أكثر من أي وقت مضى، تعزيز استقلالية إجراءات المفتشيات العامة عن السلطة السياسية القطاعية في كل ما يتعلق بالشكايات والتظلمات الواردة على القطاعات الحكومية من المؤسسة الدستورية الوسيط، وذلك تفاديا لمزيد من حوادث الصمت المتواطئ وتضارب المصالح الذي عرفته الفترة السابقة في عدة قطاعات (الثقافة، التكوين المهني، قطاع الاتصال، التعاون الوطني…)، والتي قد تحول دون قيام المفتشية العامة بمهام “التفتيش الدستور ” تجاه مرؤوسين من حزب الوزير والوزيرة.

– الملاحظة الثالثة: احتراما للآجال الدستورية للبت في تظلمات المرتفقين والمشتكين من نشاط الإدارة، من الضروري للجان التتبع والتحليل للمؤسسة التركيز على الصيغة “الرئاسية” أو “الخارجية” للبحث والتحري” في عملية هيكلة و تشكيل لجان التحقيق والتحري التي تقرر تشكيلها، وإن كان هاجس سرعة التفاعل مع الشكاوي يؤدي في بعض الأحيان، إلى تجاوز شكليات السلالم الإدارية والبيروقراطية والتناظر الهرمي بين المؤسسات الدستورية، إلا أننا لا ينبغي أن ننسى أن المسألة هي من الأهمية لدرجة أنها قد تعرقل عمل المؤسسة في ضمان العدل والإنصاف.

على سبيل المثال، لنتصور موظفا في إدارة في منطقة نائية، تظلم شطط رئيسها، فتفاعلت المؤسسة، فراسلت رئيس المؤسسة المعنية، فقام بتشكيل لجنة “للبحث والتحري”، وبعد 30 يوما، بعث لمؤسسة الوسيط بتقرير تضليلي مفبرك يحمل معطيات كاذبة مصدرها نفس رئيس الإدارة اللا-مركزية المشتكى به، بتجاوز السلطة ضد الموظف المحلي أو الجهوي المشتكي والنتيجة طبعا ستكون مقررا دستوريا غير منصف لا لطموح الدستور ولا للضحية ولا لجنة المؤسسة الدستورية المنكبة على الملف لشهور أو سنوات.

وفي مثال آخر بصيغة الملاحظة المثارة أعلاه، حدث أن عالجت مؤسسة الوسيط تظلما في قطاع ما، عن طريق اللجوء لتحقيق رئاسي أو مركزي تحت إشراف المفتش العام لقطاع المدير الجهوي نفسه، النتيجة طبعا وكليا ستكون تقريرا خارجيا موضوعيا وضامنا لمبادئ ليس فقط العدل بل حتى الإنصاف، والنتيجة الاستراتيجية تبقى دعم الثقة في المؤسسات وضمان فعلية الإنصاف وإدارة القانون والحكامة الرشيدة بالمؤسسة المتظلم من فعلها المرفقي.

ومما يعضد هذه الصيغة من التحريات والتحقيقات، أن أبجديات التحكيم والوساطة كونيا لم تجمع يوما بين الخصم والحكم في بحثها عن الإنصاف والحقيقة.

– الملاحظة الرابعة: ضمانا لمزيد من تنزيل مبادئ التكامل المؤسساتي في الممارسة الإدارية المغربية، الإطار الوظيفي لمؤسسة الوسيط في حاجة ماسة لمزيد من آليات التدخل والتقرير بالتنسيق مع المصالح المعنية بتنزيل توصياتها والرقابة على الفعل المزاول باسم أشخاص القانون العام كوزارة المالية والنيابة العامة ومديرية التنسيق والتفتيش برئاسة الحكومة.

في هذا الصدد، إن كان طموح محامي القانون بالمرفق الإداري هو تجاوب المخاطبين مع الطلبات في أجل 30 يوما، إلا أن الواقع الإداري كما كشفه السيد وسيط المملكة العام الماضي لا يرتفع، فبعض الملفات قد تتطلب من 90 يوما حتى 600 يوم من زمن الوساطة الدستورية، بالتالي وجب القول، إنه من غير الواقعي انتظار تفاعل مدير إدارة موضوع توصية دستورية بالقيام بالمطلوب منه دستوريا لتصحيح انحرافه وشططه دون تماطل أو مزاجية أو هدر للزمن الدستوري للمؤسسة وزمن ضحاياه.

لذلك، من بين المداخيل المقترحة لتجاوز هكذا مأزق دستوري وحقوقي ومرفقي، يمكن القول إن تمكين مؤسسة الوسيط من مخاطبين دائمين لدى وزارة المالية والأمانة العامة للحكومة، مهمتهم الحصرية الإشراف والحرص على تتبع وتنفيذ المؤسسات لتوصيات واقتراحات المؤسسة الموجهة للقطاعات الوزارية وإدارات الدولة، وتمكين أصحاب المصلحة من حق التواصل المباشر مع تلك المؤسسات حال تبليغهم بتلك التوصيات أو الأحكام الدستورية في الآجال الدستورية الجاري بها العمل أي ثلاثين يوما (ضمان إرجاع مبلغ فاتورة مستخلصة خارج القانون، إلغاء تنقيل تعسفي، تنفيذ توصية إلغاء عزل خارج القانون، تنفيذ توصية إلغاء إعفاء غير معلل، تنفيذ توصية إلغاء مصادرة رئيس جماعة ترابية لعقار مواطن خارج المساطر، ضمان المتابعة الجنائية للتوصيات الصادرة في مواضيع ذات صلة بجرائم وإخلالات مرفقية كالتزوير وحمل الغير على توقيع وثائق بغرض تبديد أموال عمومية وخرق القانون… إلخ)، وذلك لما للأمر من وقع إيجابي على جهود نشر مناخ المساءلة واحترام القانون بالمرفق العام وتحسين مؤشرات الجودة الإرتفاقية.

– الملاحظة الخامسة: كمشارك في نقاشات المنتدى الدولي للوساطة المؤسساتية، أعتبر جواب القاضي، أمبودسمان جمهورية السنغال عن سؤال حول ماهية العلاقة بين فعل الوساطة المؤسساتية والفعل القضائي، والذي أكد فيه على “اتفاقه مع سؤال باحث أن الإنصاف أعلى مرتبة من القانون، وينبغي أن يفهم الفاعلون أننا -الوسطاء- لسنا سلطة تنفيذية ولا قضائية ولا تشريعية، هذا هو معنى الاستقلالية…”، وانطلاقا أيضا مما جاء في مداخلة أحد أهرامات الفقه الإداري المغربي، الدكتور محمد أمين بنعبد الله في معرض مداخلته عن البعد التطويري للوساطة الدستورية التي اعتبرها إحدى الآليات الواعدة لضمان عصرنة وتطوير الممارسة القانونية والقضائية وضمان فعلية دولة الحق والإنصاف وحقوق الإنسان، بحيث أن التجربة أكدت أن ولاية الأمبودسمان قد تذهب إلى فرض تغيير القاعدة القانونية القائمة وليس فقط الدفع بصرف النظر عن قاعدة ماسة بمبدأ دستوري، كما حدث في قضية أجنبي بفرنسا حول قانون التمييز ضد الأجانب، حيث استعان القاضي الدستوري بثابتة “ًالإخاء” المضمنة في شعار الجمهورية الفرنسية رغم وجود حكم قضائي سلبي في الملف.

آليات الوساطة المؤسساتية كجزء من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان: من البديهي أن التكريس الدستوري لمؤسسة الوسيط في الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، شكل انعطافة حاسمة في تأكيد التموقع المستقل لفعلها المؤطر بضمان حقوق المرتفقين وانضباط الفعل الإداري للإدارة لقواعد الحكامة الرشيدة.

على المستوى الدولي، هذا التوجه الدستوري سيتعزز أكثر يوم 16 دجنبر 2020 مع تبني الجمعية للأمم المتحدة لقرارها عدد 75/186، والذي شكل استمرارية لباقي الصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان كمبادئ باريس والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

مضمون هذا القرار الأممي يحث الدول على اتخاذ الإجراءات التشريعية والقانونية لضمان اضطلاع مؤسسات الأمبودسمان بأدوارها في مجال “تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتوطيد الحكم الرشيد واحترام سيادة القانون، بوصف ذلك وظيفة مستقلة وإضافية”.

يبقى المستجد النوعي في القرار الأممي تأكيده أهمية “إتاحة الإدارة الذاتية لمؤسسة أمناء المظالم والوسطاء، حيثما وجدت، والاستقلال عن السلطة التنفيذية أو القضائية أو عن وكالاتها أو الأحزاب السياسية، حتى تتمكن من النظر في جميع المسائل المتصلة بمجالات اختصاصها، دون تهديد حقيقي أو متصور لقدرتها أو كفاءتها من حيث الإجراءات التي تتبعها، ودون خشية أعمال الانتقام أو التخويف أو الاتهامات المضادة بأي شكل كانت سواء على الإنترنيت أو خارجها، التي قد تهدد أداءها أو السلامة الجسدية للمسؤولين التابعين لها أو أمنهم”.

من هنا يتضح سعي المجتمع الدولي لتمكين مؤسسة الأمبودسمان من كل الشروط القانونية لأداء رسالتها، بدءا بتصنيف القرارات الأممية على مؤسسة الأمبودسمان كإحدى آليات حقوق الإنسان الكونية، مرورا من حث الدول على تنصيص الدساتير الوطنية على استقلالية المؤسسة عن باقي السلط، وصولا لضمان حماية سلامة وحصانة مؤسسة الأمبودسمان ومأموريها من قبل الدول.

استنتاجات: يبقى الهدف الأكاديمي و البيداغوجي الذي أطر بسط كل هذه الأمثلة والمقال هو لفت انتباه الفاعل التشريعي والمؤسساتي إلى الأفاق الواعدة التي تفتحها الوساطة الدستورية أمام ورش النجاعة المؤسساتية والإصلاح الديمقراطي ببلادنا، فلا غرو أن مؤسسة الوسيط يمكن أن تشكل إحدى المداخيل المؤسساتية الأساسية المؤهلة لتنزيل مقتضيات ربط المسؤولية بالمحاسبة بالجهاز التنفيذي-الإداري والقضائي والتشريعي، خاصة وأن مؤسسة الأمبودسمان تتمتع بقوة دستورية وسياسية مستمدة من الضامن الأسمى للحقوق والحريات والوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011.

تأسيسا على ذلك، يمكن اعتبار النقاش الحقوقي والقانوني الرصين والمتقدم الذي عرفه المنتدى الدولي الأخير إشارات قوية تستوجب انكبابا مستعجلا من الماكينة التشريعية للحكومة، بغية مباشرة إجراءات ملائمة معيارية وتحيين للترسانة القانونية المتصلة بمهام التخليق الإداري في كل تجلياته الإدارية والمالية والقضائية، ولبلوغ ذلك، وجب القول إن تمكين مؤسسة وسيط المملكة من إطار قانوني أكثر تقدما على غرار قانون مؤسسة محاربة الرشوة سيكون إجراء يليق بها كمؤسسة دستورية لحقوق الإنسان باتت معززة بمرجعية أممية.

هذا المدخل المؤسساتي سيشكل لا محالة لبنة في مسار الألف ميل للوصول لفعلية المقتضى الدستوري للإنصاف وتنزيل توجيهات ضامن الحقوق والحريات واستحقاقات الإدارة المواطنة والحق والقانون.

تلكم كانت بعض الملاحظات التي وددت مشاركتها مع كل المهتمين بتقييم عقد من الوساطة الدستورية لوثيقة فاتح يوليوز2011، بمناسبة مرور عقدين على تأسيس مؤسسة الوسيط/ديوان المظالم.

كل عام ومؤسسة محامي القانون أو الأمبودسمان المغربي أكثر نجاعة ورقابة على الفعل الإداري لإرساء أسس علاقة ارتفاقية جديدة مبنية على الثقة والإنصاف والحكامة الرشيدة.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 سنوات | 33 قراءة)
.