تعاونية "كورديليا" بالفنيدق.. نساء يكسرن "الهيمنة الذكورية" على الصيد البحري

قضّت السيدة حياة غبرة عشرين عاما في أوروبا، بين إسبانيا وفرنسا اللتين تحمل جنسيتيهما، غير أنها تركت كل شيء خلفها وعادت إلى المغرب من أجل تحقيق هدف فريد: اقتحام مجال العمل في البحر الذي ظل حكرا على الرجال، فأنشأت تعاونية، بمعيّة صديقات لها، يحملن شواهد جامعية عليا، تحمل اسم “كورديليا”، في نقطة التفريغ بمدينة الفنيدق شمالي المملكة، تحت إشراف مندوبية الصيد البحري بالمضيق.

وتأسست تعاونية “كوديليا” من طرف ثماني نساء بتاريخ 29 مارس 2021، وتضم حاليا 15 عضوا، وكان من بين عوامل خروجها إلى الوجود جائحة كورونا وما خلفته من أزمة اقتصادية واجتماعية طالت بشكل كبير النساء، إضافة إلى إغلاق الحدود البرية مع سبتة المحتلة، ومنع التهريب المعيشي الذي كانت موردَ رزق آلاف النساء في المنطقة.

في رواق صغير في فضاء التعاونيات بمعرض “آليوتيس” المنظم في أكادير، تثير انتباه الزائر “بروفايلات” النساء المؤسسات لتعاونية “كورديليا”، فأغلبهن حاصلات على شهادات عليا، ومنهن سيدة حاصلة على شهادة الدكتوراه في علم الأحياء والموارد البحرية، وأخرى طالبة دكتوراه في تربية الأحياء المائية، وثالثة لديها ماجستير في حفظ التنوع البيولوجي البحري، ورابعة لديها إجازة في القانون الخاص، وخامسة تدرس في السنة الثانية جامعي تخصص علوم الاقتصاد والتسيير… وشعارهن جميعا: “بحّارة وأفتخر”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وعلاوة على شهادات الدراسات العليا، تزخر السيَر الذاتية لنساء تعاونية “كورديليا” بدبلومات كثيرة في مختلف المجالات ذات العلاقة بالصيد البحري، كدبلوم ربان الصيد، وشهادة السلامة البحرية، وإصلاح وخياطة الشباك، وشهادة السلامة البحرية، ومنهن من يزاولن مهنا مثل قبطان في خافرة الإنقاذ، إضافة إلى التدريب في مجال الغوص.

حددت تعاونية “كوديليا” الغرض الأساسي من وجودها في خمسة عشر هدفا فرعيا، على رأسها تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للنساء المستفيدات، والتأهيل المهني والحرفي والرفع من قدراتهن المهنية، وضمان تسويق المنتج… لكن هدفها الأساسي هو “إظهار الجانب العملي وتقديم الخدمات التي تقوم بها التعاونية، من أجل ترسيخ الأفكار الإيجابية عن المرأة البحرية داخل المجتمع، ودورها المهم في تطوير القطاع في المنطقة”، وكذلك “الحفاظ على الموارد البحرية واستدامتها في إنجاح الاقتصاد الأزرق”.

ولم يكن مسار ولوج نساء تعاونية “كورديليا” مجال العمل في البحر مفروشا بالورود، ففي البداية كانت هناك مقاومة، سرعان ما ذوّبنها، في زمن وجيز، بفضل عزيمتهن وإصرارهن، فتمكنّ من كسر “الهيمنة الذكورية” على مجال الصيد البحري.

“العمل في المجال البحري ليس غريبا عنا، فقبل أن أكون رئيسة تعاونية أنا ابنة البحر، فمنذ صغري كنت أنزل إلى ساحل البحر قرب بيتنا رفقة أطفال الحي لنصطاد السمك، وفي الجامعة أنجزت بحث الإجازة في تخصص الجغرافيا حول الصيد البحري الساحلي في سواحل الدريوش والحسيمة”؛ تقول حياة غبرة، رئيسة التعاونية.

وتضيف غبرة، في حديث لهسبريس: “أنا من المؤسسين الأوائل لمزرعة لتربية الأسماك في مدينة الفنيدق، في وقت كان مجال العمل في البحر حكرا على الذكور، والآن أخرج للصيد مع أربعين شخصا، وأنا رئيستهم، ولدينا في فريقنا نساء لديهن شواهد عليا في مختلف التخصصات”.

الخلفية العلمية للنساء المؤسسات لتعاونية “كورديليا”، وما راكمنه من شهادات جامعية، جعل عملهن مؤسَّسا على أسس علمية محضة، إذ لا شيء متروك في اشتغالهن للصدفة، فقبل اقتحامهن هذا المجال استفدن من دورات تدريبية في خياطة الشباك، والسلامة البحرية، والإنقاذ… وغيرها من المجالات المتعلقة بالعمل في البحر.

وككل المهن التي كانت محتكرة من طرف الذكور، لم يكن ولوج حياة غبرة وزميلاتها أمرا هيّنا، لاسيما أنهن ينتمين إلى منطقة محافظة، ولكنّهن تغلّبن على جميع العوائق وكسرن كل الحواجز؛ “بفضل عزيمتنا وأخلاقنا وكيفية تعاملنا مع البحارة”، بحسب شهادة رئيسة الجمعية.

وتردف المتحدثة ذاتها: “صحيح أن ولوجنا إلى مجال العمل في البحر لم يكن سهلا، لأن الرجال لن يتقبلوا أن تأتي المرأة هكذا وتقتحم مجال عملهم، نظرا لخصوصيته، حيث يدخنون ويمكن أن يتلفظوا بكلام غير لائق، مثلا، ولكن حين تقول لهم العمل هو العمل، وأنا جئت كامرأة للعمل، وعليك أن تعتبرني مثل أختك أو قريبتك، جئتُ لكي أتعلم، فإنهم يرحبون بك، لأن أخلاقك وعزيمتك هي التي تجعلك تصنع مكانك وسطهم”.

المبدأ الأساس الذي تبنّته نساء تعاونية “كورديليا” لفرض ذواتهن وسط “العاملي الذكوري” داخل البحر هو “احترمْ تُحترم”، إضافة إلى التعامل الجيد معهم، وهو ما ساهم في تذليل جميع حواجز البداية.

وتؤكد حياة غبرة أن “البحارة من أطيب خلق الله، وينبغي فقط أن يعرف المرء كيف يتعامل معهم، وأن يحترمهم”، وزادت: “إذا احترمْتهم سوف يحترمونك جدا، وهذا ما حصل معنا.

وجدنا في زملائنا السند، والمساعدة، لأننا أثبتنا أننا لم نؤسس تعاونيتنا من أجل تزجية الوقت، بل دخلنا غمار البحر من أجل العمل، وقد تمكنا من إثبات ذواتنا في هذا المجال”.

بدوره أكد مندوب الصيد البحري بالمضيق أن “الحركة النسائية في قطاع الصيد البحري تشتغل في مخاض ليس سهلا، حيث تتصارع المرأة للعمل في قطاع معروف بكونه قطاعا ذكوريا، وهذا ليس سهلا”؛ مضيفا: “هؤلاء النساء يشتغلن في ظروف صعبة ومُتعبة، بهدف تحقيق هدفهن، وقد تمكنّ من وضع أقدامهن على الطريق الصحيح”، واصفا إياهن بـ”المناضلات”.

وكالبحر لا يحدّ أحلامَ نساء تعاونية “كورديليا” حدّ، إذ يطمحن، مستقبلا، إلى خوض غمار تثمين المنتجات البحرية، والاستفادة من القرب الجغرافي من إسبانيا، كسوق مستقبلية واعدة لمنتجات تعاونيتهن، إضافة إلى تربية الأحياء المائية، لاسيما أن بينهن دكتورتين متخصصتين في هذا المجال.

غير أن الطريق نحو تحقيق هذا الحلم لم يُمهّد بعد، بسبب عدم استفادة التعاونية من أي دعم، إلى حد الآن، وهو العائق الوحيد الذي مازال يمنع المشاريع المسطرة من الخروج إلى حيز الوجود، لاسيما أن العائدات التي تجنيها النساء المشتغلات في التعاونية، من بيع ما يعُدن به من رحلات الصيد، محدودة، ويُصرف قسط كبير منها في تأجير قارب الصيد، لكونهن لا يتوفر على قارب خاص بهن.

في المقابل تحصل الجمعية على دعم في ما يتعلق بالتكوين، أو اللوجستيك، من طرف عدد من المؤسسات، مثل مندوبية للصيد البحري، ومعهد الصيد البحري، والغرفة المتوسطية للصيد البحري.

ورغم العراقيل التي مازالت تواجه نساء تعاونية “كورديليا” فإن مندوب الصيد البحري بالمضيق يتوقع لهن مستقبلا واعدا، قائلا: “نساء التعاونية منخرطات في عدد من الأوراش، ونريد أن نشتغل أولًا على الأوراش الصغيرة، ثم ننتقل إلى ما هو أكبر، لنصل إلى تثمين وتصدير المنتجات البحرية”، مضيفا: “الخطوة الأولى تكتنفها دائما صعوبات، ليس فقط بالنسبة للنساء بل حتى الرجال، ولكن هؤلاء النساء لديهن امتياز، وهو العزيمة الكبيرة التي يتحلّين بها لتجاوز كل الصعاب”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 سنوات | 56 قراءة)
.