عمل مستشارا لفاسكو دي غاما وساهم في التوسع البحري الأوروبي بآسيا.. المستكشف البرتغالي بارتولوميو دياز

بارتولوميو دياز هو ملاح ومستكشف برتغالي، يعد أول أوروبي يبحر حتى أقصى نقطة في جنوب القارة الأفريقية، حينما دار حول رأس الرجاء الصالح (جنوب أفريقيا) واكتشف الطرف الجنوبي لأفريقيا عام 1488، فاتحا بذلك طريقا تجاريا بحريا بين أوروبا وآسيا عبر المحيطين الأطلسي والهندي.

ظل هذا الطريق هو القناة الوحيدة الرابطة بين الشرق والغرب لعدة قرون، حتى تم بناء قناة السويس في مصر خلال القرن الـ19.

المولد والنشأة وُلِد "بارتولوميو دياز دي نوفايس" (Bartolomeu Dias) أو (Bartholomew Diaz) حوالي عام 1450م في بلدة "ميرانديلا" (Mirandela) البرتغالية، والده "هودينيس دياس" كان مستكشفا قاد حملات استكشافية بحرية على طول السواحل الأطلسية الشمالية لأفريقيا خلال أربعينيات القرن الـ14 قبل ولادة دياز، فاكتشف "الرأس الأخضر" (Cape Verde) و"جزيرة غوريه" (Island of Goree).

تزوج بارتولوميو دياز وأنجب ولدين هما سيماو وأنطونيو، وكان هذا الأخير فارسا في "وسام فرسان المسيح" (Order of the Knights of Christ).

ولبارتولوميو دياز حفيد يدعى باولو، حكم أنغولا في القرن الـ16، وأسس أول مدينة أوروبية في جنوب القارة الأفريقية هي "ساو باولو دي لواندا" (São Paulo de Luanda) عام 1576.

رسم تخيلي لصورة بارتولوميو دياز (غيتي) الدراسة والعمل تلقى بارتولوميو دياز خلال شبابه دروسا في الرياضيات، وعلم الفلك على يد عالم الكونيات الألماني "مارتن بهيم" (Martin Behaim)، لكن لا يُعرف كثير من التفاصيل عن هذه المرحلة من حياته؛ بسبب وجود عدد من المستكشفين البرتغاليين آنذاك يحملون الاسم نفسه.

في الثلاثينيات من عمره عمل مشرفا على المستودعات الملكية وعضوا في بلاط ملك البرتغال "جواو الثاني" (João II) وذلك عام 1486.

كما عينه جواو لرئاسة بعثة بحرية بحثا عن طريق بحري إلى الهند في العام ذاته.

كذلك كان قبطانا وملاحا لسفينة حربية تدعى "ساو كريستوفاو" (São Cristóvão).

تجربة الاستكشاف بدأت تجربته الاستكشافية بالمشاركة في رحلات مع مستكشفين آخرين، مثل مشاركته في رحلة استكشافية بقيادة "ديوغو دي أزامبوجا" (Diogo de Azambuja) عام 1481، لبناء حصن ومركز تجاري يسمى "ساو خورخي دا مينا" (São Jorge da Mina) في خليج غينيا.

كما تشير عدة معطيات إلى مشاركته في رحلة "ديوغو كاو" (Diogo Cão) الأولى (1482–1484) أسفل الساحل الأفريقي حتى نهر الكونغو، ويعدّ ديوغو الملاح الأكثر نجاحا في ذلك الوقت؛ إذ حطم عددا من الأرقام القياسية أثناء استكشاف الساحل الأفريقي، إلا أن وفاته المبكرة دفعت الملك جون الثاني إلى إرسال عدد من المستكشفين الآخرين إلى أفريقيا، بما في ذلك الشاب بارتولوميو دياز.

بهدف البحث عن الطريق البحري إلى الهند.

يضم متحف دياز في موسيلباي نسخة طبق الأصل من سفينة كارفيل دياز (شترستوك) عقبة خط الاستواء بدأ التوسع البرتغالي عبر العالم خلال القرن الـ 15، على يد الملاح الأمير "هنري" (Henri)، نجل الملك "جواو الأول" (João I) ملك البرتغال.

وطمح الأمير إلى استكشاف مناطق جديدة لأسباب دينية وأخرى اقتصادية، مع فك الارتباط مع العثمانيين الأتراك الذين أحكموا قبضتهم على التجارة الأوروبية.

وقد أسس الأمير هنري أكاديمية جمعت بين المنجمين ورسامي الخرائط والملاحين من جميع أنحاء أوروبا من أجل تحسين أوضاع الملاحة البرتغالية، واستطاع فريق عمل الأكاديمية ابتكار خرائط الملاحة الفلكية وخرائط المحيط وسفن أخف وزنا تسمى "كارافيل" (caravelle)، بهدف غزو المحيطات واستكشاف مناطق جديدة من الكرة الأرضية.

وعُيّن هنري حاكما أو مسؤولا على مؤسسة "وسام فرسان المسيح" (Order of the Knights of Christ) فعمل على تمويل هذه الابتكارات، واستفاد من بعض الصلاحيات التي منحها له البابا كاليكست الثالث، لا سيما ما يتعلق بالقارة الأفريقية، فرعت مؤسسة "وسام فرسان المسيح" رحلات سفن كارافيل التي تحمل الصليب الأحمر على أشرعتها.

وفي عام 1415 قاد الملاح الأمير هنري حملته الأولى لاكتشاف مناطق جديدة جنوب القارة الأفريقية، وعبر مضيق جبل طارق واحتل مدينة سبتة المغربية، وعبر رأس بوجادور جنوب المغرب عام 1434، وكان هذا المكان هو حدود العالم المعروف آنذاك، وعدّه البرتغاليون مكانا للأساطير المرعبة نظرا لوجود الوحوش والمخلوقات المفترسة هناك.

وفي عام 1454 حصل الأمير على موافقة البابا لاستعباد الأفارقة.

السياح يزورون كارافيل بارتولوميو دياز في متحف بارتولوميو دياز في ديسمبر/كانون الأول 2022 (شترستوك) وشكّل خط الاستواء عقبة أخيرة أمام وصولهم إلى رأس الرجاء الصالح جنوب القارة الأفريقية؛ إلا أنهم عبروه عام 1474، ويعود سبب تأخرهم إلى خشيتهم من احتراق سفنهم بمجرد وصولهم إلى خط الاستواء أو تحول جلدهم إلى اللون الأسود، وذلك لإيمانهم بأساطير وخرافات نُسجت عن الخط.

وعلى الرغم من وفاة الأمير هنري قبل إنهاء المهمة الأولى لبارتولوميو دياز إلا أن الأخير استفاد من المعطيات وزخم المعلومات التي وفرها الأمير هنري لاكتشاف الكرة الأرضية.

اكتشاف رأس الرجاء الصالح قام المستكشف البرتغالي ديوغو كاو ما بين 1482 و1484 برحلتين لمحاولة الوصول إلى الطرف الجنوبي من الساحل الغربي لأفريقيا لكنه أخفق.

ومع ذلك ظل الملك جون الثاني مصمما على مواصلة الجهود، فكلف المستكشف بارتولوميو دياز بقيادة رحلة استكشافية أخرى للبحث عن طريق تجاري حول الطرف الجنوبي من أفريقيا، والبحث كذلك عن "بريستر جون" (Prester John)، وهو شخصية أسطورية يُعتقد أنه كان الحاكم المسيحي القوي لمملكة في مكان ما خارج أوروبا ربما في الداخل الأفريقي.

غادر أسطول دياز مدينة لشبونة حوالي يوليو/تموز 1487 عبر سفينتي كارافيل بحمولة 50 طنا لكل واحدة وسفينة إمداد.

وحمل دياز معه مجموعة من الأعمدة الحجرية المنحوتة؛ لاستخدامها في تسجيل تقدمه على مواقع الأماكن التي وصلها.

لقطة مقرّبة لتمثال بارتولوميو دياز في لندن (شترستوك) كما أخذ معه 6 أفارقة مهمتهم القيام بمفاوضات تجارية مع السكان الأصليين للمناطق الأفريقية التي يصلونها خلال فترات التوقف، إضافة إلى استغلالهم في إعطاء شهادتهم على عظمة المملكة البرتغالية وإجراء استفسارات حول المكان المحتمل لوجود بريستر جون.

وبحلول ديسمبر/كانون الأول 1487 تجاوز دياز أبعد نقطة وصل إليها كاو، ووصل إلى "خليج كونسيساو" (Golfo da Conceicão) (خليج وولفيس Walvis حاليا) في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1487.

انحرفت السفن إلى الجنوب الغربي بعيدا عن اليابسة بعد إحراز تقدم بطيء على طول الساحل الناميبي، وتضاربت قراءات المؤرخين حول ما إذا كان هذا الانحراف قد حدث بسبب رياح العواصف، أو لأن الطاقم بقيادة دياز كانوا يحاولون عمدا العثور على رياح أكثر ملاءمة؛ لكن هذا الانحراف في المسار حقق لدياز ورفاقه النتيجة التي كانوا يصبون إليها لأن السفن اقتفت قوسا عريضا حول الطرف السفلي لجنوب أفريقيا.

ووصلت السفن إلى الرأس الجنوبي للقارة في الرابع من فبراير/شباط 1488 بعد 30 يوما في المحيط الأطلسي المترامي الأطراف، ودخلت خليجا أطلقوا عليه اسم "ساو براس" (São Bras)، الذي أصبح معروفا فيما بعد باسم خليج "موسيل باي" (Mossel Bay).

واصلت سفن دياز الإبحار شرقا لبعض الوقت وفق معطيات حصل عليها الطاقم تؤكد أن الساحل يميل تدريجيا إلى الشمال الشرقي، فأدرك حينها دياز أنهم حققوا هدف البرتغال المنتظر بعدما طافوا حول الرأس الجنوبي لأفريقيا.

ووصلت بعثة دياز الاستكشافية إلى أبعد نقطة لها في 12 مارس/آذار 1488، عندما رست في "كوايهوك" (Kwaaihoek) -مقاطعة الكاب الشرقية Eastern Cape حاليا- بالقرب من مصب نهر "بوزمانز" (Boesmans River)، حيث أقاموا أعمدة حجرية منحوتة باسم "ساو غريغوريو" (Padrão de São Gregório).

أصاب الطاقم الاضطراب حينها وطلبوا من دياز العودة تزامنا مع انخفاض الإمدادات، وإصابة السفن بالعطب جراء العواصف فرضخ لمطالب الجميع على الرغم من رغبته بالاستمرار.

وفي رحلة العودة أبحر الطاقم بالقرب من الساحل الجنوبي الغربي لأفريقيا ليقابلوا رأس الرجاء الصالح لأول مرة في مايو/أيار 1488، وتقول الدراسات إن دياز أطلق عليه في الأصل اسم "رأس العواصف" (Cabo das Tormentas)، نظرا للعواصف والتيارات القوية بين المحيط الأطلسي والقطب الجنوبي التي تجعل السفر عبر السفن محفوفا بالمخاطر.

لكن الملك جون الثاني أعاد تسميته لاحقا باسم "رأس الرجاء الصالح" (Cabo da Boa Esperança) لأنه كان بشارة خير تمثلت في فتح طريق بحري جديد يربط الغرب بالشرق.

دياز مستشارا لفاسكو دي غاما استقر دياز لفترة في غينيا غرب أفريقيا بعد رحلته الاستكشافية، حيث أنشأت البرتغال منطقة اقتصادية خاصة بتجارة الذهب.

وأمر ملك البرتغال مانويل الأول -الذي خلف الملك جواو الثاني- دياز بشغل منصب مستشار لبناء السفن الخاصة ببعثة المستكشف "فاسكو دي غاما" (Vasco da Gama).

أبحر دياز مع بعثة دي غاما حتى جزر الرأس الأخضر، ثم عاد إلى غينيا.

وصلت سفن دي غاما إلى هدفها في الهند في مايو/أيار عام 1498، بعد ما يقارب عقدا من الزمن على رحلة دياز التاريخية حول رأس الرجاء الصالح.

تمثال للمستكشف البرتغالي بارتولوميو دياز (غيتي) بعد ذلك، أرسل الملك مانويل الأول أسطولا ضخما إلى الهند تحت قيادة المستكشف "بيدرو ألفاريس كابرال" (Pedro Álvares Cabral)، وقاد دياز 4 من السفن.

وصل الأسطول إلى البرازيل في مارس/آذار عام 1500، ثم اتجه عبر المحيط الأطلسي نحو جنوب أفريقيا، في طريقه إلى شبه القارة الهندية.

وفي مايو/أيار عام 1500 أثناء وجوده قبالة رأس الرجاء الصالح ضربت عواصف عنيفة الأسطول المكون من 13 سفينة وتحطمت 4 سفن من بينها سفينة بارتولوميو دياز وفقد جميع أفراد الطاقم في البحر.

الوفاة توفي بارتولوميو دياز في 29 مايو/أيار عام 1500، غرقا في المحيط الأطلسي قبالة رأس الرجاء الصالح بعد عواصف عنيفة ضربت المنطقة وأدت إلى غرق أسطول يتكون من 13 سفينة من بينها سفينة دياز، وفقد جميع أفراد الطاقم في البحر.

وبذلك انتهت حياة دياز المستكشف الذي يعدّ من أعظم المستكشفين البرتغاليين الذين استكشفوا المحيط الأطلسي خلال القرن الـ15، بعد أن أسهم في التوسع البحري للمصالح الأوروبية في آسيا والمناطق الغنية بالتجارة لا سميا في الهند والصين، وشارك في الأيام الأخيرة من حياته، في الاكتشاف البرتغالي لدولة البرازيل.

الوكالات      |      المصدر: الجزيرة    (منذ: 1 سنوات | 61 قراءة)
.