محاولات إعادة التاريخ الاستعماري تصطدم بالواقع في اليمن

تحليل/عبدالكريم مطهر مفضل// وكالة الصحافة اليمنية //   خمسة عقود ونيف مرت على رحيل المستعمر البريطاني من المحافظات اليمنية الجنوبية بعد احتلال دام لأكثر من 128 سنة.

وتأتي احتفالات الشعب اليمني هذا العام بعيد الجلاء الـ30 من نوفمبر، في ظل ظروف بالغة التعقيد تشهدها البلاد بشكل عام والمحافظات الجنوبية والشرقية بشكل خاص جراء سلسلة من الأحداث المتسارعة تحاول أن ترسم خارطة جديدة للبلاد برؤية استعمارية حديثة وفق مصالح دول كانت تتربص باليمن لسنوات عديدة خلت.

استعمار متعدد الجنسيات في 19يناير عام 1839م أقدمت بريطانيا العظمى على احتلال عدن بهجوم غادر نفذته أساطيلها البحرية المتواجدة في مستعمرة الهند ثم وسعت نفوذها فيما بعد عن طريق عقد معاهدات حماية مع سلاطين وشيوخ ما عرفت بالمحميات، وقدم أحرار اليمن في الشمال والجنوب طوال 129 سنة من الكفاح المسلح قوافل من الشهداء وأنهار من الدم تمخض عنها جلاء أخر جندي بريطاني عن كدينة عدن في 30 نوفمبر 1967م.

اليوم وبعد 55 عام من محاولات المستعمر للعودة ليس لاحتلال اليمن بالكامل، كما تواجه تلك الجغرافيا الاستراتيجية والمناطق الغنية بالثروات السيادية الواقعة تحت سيطرة التحالف، مُنذ ثمان سنوات سلسلة من الوقائع والأحداث الانهزامية والمتمثلة في الصراعات الدموية بين فرقاء المستعمرين الجدد كمقدمة ليس لعودة المستعمر البريطاني منفرداً بل برفقة المستعمرين الأمريكي والصهيوني وأدواتهم في المنطقة السعودية والإمارات.

ووفقاً لمراقبون محليون وعرب، فأن الدول الاستعمارية الحديثة التي أطلقت على نفسها مسمى دول التحالف بعد فشلها عسكرياً وسياسيا وتلقيها ضربات موجعة من قبل قوات صنعاء، لجأت إلى استخدام سياسة “فرق تسد” من زاوية تغذية الصراعات الداخلية بين الفصائل التابعة لها وكذا من خلال تأجيج الصراعات والخلافات القبلية ودعم تواجد العناصر الإرهابية “القاعدة وداعش” وذلك لتمرير مؤامراتها ضد اليمن وبما يضمن بقائها وبناء قواعد عسكرية لها في المناطق الاستراتيجية والموانئ والجزر ومنابع النفط.

كما أثارت التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية الكثير من القلق والمخاوف لدى المراقبين خاصة في ظل تزايد الحضور العسكري الأمريكي على أرض اليمن، والظهور العلني لقوات المارينز الامريكي في ساحل حضرموت.

الحرب الناعمة   لم تكتفي الولايات المتحدة بالاعتماد على دول التحالف بخوض حرب عبثية مدمرة نيابة عنها في اليمن، بل واعتمدت عليهم في نشر ثقافة الانحطاط الخلقي وجرائم الاغتصاب وهتك الأعراض بحق نساء وأطفال أبرياء وطالت حتى المختطفين والمعتقلين ممن قاتل بصفوفهم في السجون السرية بالمناطق اليمنية المحتلة وفي السجون السعودية، والتي دشنتها القوات الأمريكية عام 2003، في العراق، وذلك في إطار الحرب الناعمة التي لجأت إليها دول التحالف في محاولة منها لإلحاق الأذى بالشعب اليمني وضرب هويته الإيمانية وإجباره على الخضوع والخنوع لإرادتها والركوع لمشاريعها ومخططاتها.

وعلى الرغم من نجاح أجهزة الأمن والمخابرات في صنعاء بتفكيك الكثير من شبكات الدعارة التي ترعاها دول التحالف، إلا أن قائد الثورة الشعبية اليمنية السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حذر في 23 مارس 2018، من خطورة الحرب الناعمة التي تخوضها دول التحالف وعلى وجه الخصوص الكيان الصهيوني ضد الشعب اليمني، داعياً الجهات الشعبية والرسمية والمثقفين والإعلاميين لترسيخ التمسك بالهوية الإيمانية وتقويتها كسلاح لتماسك الجبهة الداخلية.

نهب الثروات وفي ظل تصاعد أزمة الطاقة عالمياً وتضخم اقتصاد خصوم موسكو بشكل غير مسبوق، كثفت إدارة الرئيس بايدن والحكومة الفرنسية والبريطانية، وبالتنسيق مع التحالف خلال الفترة الماضية، جهودهما لإعادة تكرير وإنتاج النفط والغاز اليمني المسال خاصة في محافظة شبوة وحضرموت وتصديره إلى الأسواق الأوروبية وبمعدل مرتفع عما كانت تنتجه في السابق.

وعلى الرغم من استعراض واهتمام وسائل الإعلام العربية والدولية بالتطورات العسكرية بشكل واسع في محافظتي شبوة وبسط نفوذ ميليشيات الإمارات عليها، وإعلان نواياها ومن خلفها الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني والسعودية، في السيطرة على محافظتَي حضرموت والمهرة، إلا أن تلك الوسائل الإعلامية أثارت تساؤلات عدة حول مصير الثروة النفطية في المحافظات اليمنية الشرقية.

وفي السياق كشف “أحمد دارس” وزير النفط في حكومة صنعاء، في 31 أغسطس الماضي، أن إجمالي كمية النفط الخام المنهوبة من قبل الدول الأعضاء في التحالف مُنذ 2018 حتى يوليو 2022 بلغت الكمية المنهوبة 130 مليون و41 ألف و500 برميل نفط بقيمة تتجاوز 9 مليار دولار.

وأكد دارس، أن التحالف وأدواته زادوا من كمية إنتاج النفط الخام مؤخرا ليصل إلى 91,150 برميل يوميا بما يزيد عن 2 مليون و700 ألف برميل شهرياً.

أبواب موصدة وامام هذه الحرب التي تشنها دول التحالف مُنذ ثمان سنوات على اليمن التي بات ظاهرها إدعاء نصرة “الشرعية” وباطنها مطامع استعمارية في اليمن جغرافيا وتاريخ وثروات وموانئ ومواقع جيوسياسية متميزة، فقد غاب على المستعمرين أن هناك سمات خاصة يمتاز بها شعب اليمن، ترفض التدجين والقبول بالمحتل.

وأن بدأ للمستعمرين الجدد اليوم -وفق المراقبين- أن المحافظات الجنوبية والشرقية باتت فريسة سهلة الهضم يمكنهم ابتلاعها مرة أخرى إلا أن التاريخ لا يُعيد نفسه لكون حركة التاريخ لا تسير بخط دائري يضمن لها العودة من جديد لذات النقطة التي انطلقت منها أو انتهت فيها.

ووفقاً للمراقبين والمهتمين، فإن الأبواب في العديد من المناطق المحتلة موصده ولا طريق فيها لتمرير مشاريع التبعية للمحتل الأجنبي .

.

ذلك هو لسان حال الكثير من الأحرار من الشعب اليمني وعلى وجه الخصوص حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء وكذا مواقف أبناء المهرة وأرخبيل سقطري والساحل الغربي وحضرموت المشرفة وهي تلتف اليوم من جديد حول موقفها المُناوِئ لمشاريع المحتلين وفي مقدمتها فصل جزيرة سقطرى ومحافظتي حضرموت والمهرة عن الوطن الأم ونهب الثروات ونشر الفوضى.

اليمن      |      المصدر: وكالة الصحافة اليمنية    (منذ: 1 سنوات | 29 قراءة)
.