حُب وحرب

حين يكون الحديث عن الحُب فعلينا أن ننُحي العقل جانباً فالحُب وكمال العقل لا يجتمعان! نعم أنا مسؤول عما أقول؛ فالمُحب يتلذذ بالغشاوة التي على عينيه التي تُبصر بلا بصيرة.

ويكفي أن تنظروا حولكم فالنماذج كثيرة ومتعددة، فمن يصدق أن شيرين مازالت تحب حسام حتى الآن! ومن يصدق أني امتنع عن الاستماع لنصائح طبيبة التغذية بسبب حبي للمندي والحلويات بأنواعها والكنافة؟ هذا هو الحُب فهو سمٌ قاتل بلذة، لذلك حين نقع في الحب فالكلمة دقيقة جداً (فالوقوع) أي السقوط هو وصف بالغ الدقة لمن أنهكتهم الرومانسية والرقة فكانوا كالفأر في مصيدة من يحبون، لذلك لا تستغرب حين تجد سيدة تتضور عشقاً لرجل لا ميزة فيه حتى لو كان أقرعاً بلا شعر، أو سميناً بلا عضلات، أو أشهب الخدين أسود الكوعين متخلخل الركبتين! فهي في هذه الحالة تقع تحت طائلة قانون عمى الحُب – ولابد أن تصدقوا أن عينيها تراه بنظرٍ غير الذي ترونه، وحسب الدراسات “الخنفشارية” التي قرأتها يوما ما، فهناك معلومة من كيس أحدهم تقول: إن المرأة ترى الرجل الذي تحبه أجمل من الحقيقة بخمس مرات! وهذا يعني أننا نراه بغير ما تراه هيَ، تلك العاشقة المسكينة؛ هي كالأُم التي ترى ابنها القرد على هيئة غزال، وكلكم لا تنكرون أن القرد في عين الست مامته غزال.

  ولعلمك، الحب لغز كبير وغامض وعجيب، بدليل أن بعض المحبين حين يتسلل إليهم الخلاف وتبدو غيوم الفراق آتية مع الريح، تنقلب قلوبهم بشكل مخيف، وكم من حبيبين افترقا واستحال الود بينهما، وتحول إلى كره وبغض شديد أقرب للعداوة، وتثور ثائرة الحرب بينهما بضراوة فسبحان مقلب المقلوب، ولعل عبارة (ما أقدر أعيش يوم من دونك) في لحظات الحب تتحول بين ليلةٍ وضحاها لعبارة (عمري ما شفت معاك يوم حلو)!  هذا هو الحب وجنونه؛ فهو كالقنبلة التي قد تنفجر في أية لحظة وتتشظى مخلفةً خلفها جروحاً لا تندمل ولا يمكن نسيانها، والويل كل الويل لمن حاول أن يعيش قصة حب بعد فراق لينتقم لنفسه، فيقبل بأول الطارقين للباب والعابرين في الطرقات من دون فحصٍ وتمحيص، لتتكرر المعاناة مرة تلو مرة، وهذه آفة أخرى يخلقها الحُب المنتهي بين حبيبين، فالحب المجنون حين ينتهي بمعارك البغض والفراق، يخلف بعده أرواحاً مشوهة عاشت الحب ثم لعنته ألف مرة بعد الألم، ثم تتلاشى اللعنات مع أول طارقٍ للقلب، لذلك أوصيكم ونفسي بتحكيم العقل، حتى لو تعاركا معاً حين اتخاذ القرارات، فاحذر ثم احذر ثم احذر من اتباع قلبك، فالقلب الذي أسقطك في الحُب لن يستطيع إنقاذك من تبعاته! أما العقل فهو المنتصر دائماً، لأنه يحيّد العواطف فيعطيك القرار الصحيح، ولا يضعف أمام دمعةٍ أو تنهيدة أو نظرة اشتياق، العقل لا يضعف لأنه هو القوة ذاتها التي ميز الله بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى، عاش العقل وتباً لعاطفة القلب.

 

منوعات      |      المصدر: مجلة سيدتي    (منذ: 1 سنوات | 53 قراءة)
.