كرة قدم "مجنونة" وساحرة تفسدها السياسة (بورتريه)

كرة قدم "مجنونة" وساحرة تفسدها السياسة (بورتريه)

ليست مجرد كرة مستديرة وزنها ما بين 410 إلى 450 غرام، فهي سياسة واقتصاد ومال واستثمار، ولعبة الأغنياء والفقراء، والبسطاء والعلماء والمثقفين والمهنيين، والصغار والكبار، الرجال والنساء على حد سواء.

  الرياضة الأولى في العالم، ومع ذلك لا يمكن وضع تاريخ دقيق لظهورها أو تحديد من هي الشعوب التي كانت أول من مارس هذه اللعبة التي هي سلطة قاهرة ومطلقة تسيطر على القلوب وعلى العقول، إذا تدحرجت على العشب.

  تحتل أكبر عدد من المتابعين في العالم، وأكبر عدد من اللاعبين الذين يمارسونها، إذ يبلغ عددهم حوالي 250 مليون لاعب، وما يزيد عن 1.

5 مليار متابع ومتفرج.

   على قطر وتقول المراجع المختصة بهذه المعشوقة، إن هذه اللعبة مارسها الصينيون القدامى وكذلك فعل اليابانيون واليونانيون والرومان، وكذلك أوروبا العصور الوسطى.

  لكن كما نعرفها الآن ولدت بعد اتفاق بين 12 ناديا إنجليزيا في عام 1863 في لندن بعد نشر قواعد أقرتها جامعة كامبردج عام 1846 للفصل بينها وبين كرة قدم الرغبي، حيث تم منع حمل الكرة باليد، ومنع توجيه الركلات للخصم، فركلات الأقدام يجب أن توجه للكرة فقط.

  ولم يحدد اتفاق لندن عدد اللاعبين لكل فريق ولا أبعاد الملعب ولا ارتفاع المرمى ولا مدة المباراة، وكانت المباريات تستمر ساعتين أو 3 ساعات، وكان اللاعبون يتبادلون الحديث ويدخنون حين تكون الكرة بعيدا، وكان التسلل مطبقا وقتها، إذ لم يكن من المقبول تسجيل أهداف من وراء ظهر الخصم.

   يعد نادي شيفيلد الإنجليزي أول نادي كرة قدم وأسس عام 1857، وكان الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أول اتحاد كروي يتم تأسيسه في تاريخ اللعبة عام 1863، ولاحقا أطلق على الاتحاد المختص بتنظيم اللعبة "اتحاد شيفيلد لكرة القدم" وكان ذلك في عام 1867 ليكون أول جهة مختصة في رياضة كرة القدم في إنجلترا.

  ثم ظهر الحكم فيما بعد في عام 1872 وكان اللاعبون قبل ذلك هم حكام أنفسهم، وفي عام 1891 تم الاعتماد لأول مرة على ضربة الجزاء وذلك بعد أن خطا الحكم نحو 12 خطوة محددا نقطة توجيه الضربة ومسافتها عن مرمى الخصم.

  ومع حلول عام 1904، انتهى الاحتكار الانجليزي للعبة بظهور الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي صار يحكم منذ ذلك الحين عالم كرة القدم.

  وعلى امتداد بطولات العالم بداية من نسخة 1930 في أوروغواي، التي بدأت بفكرة ابتكرها الفرنسي جول ريميه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، أدخلت "فيفا" تعديلات عديدة على القوانين البريطانية التي نظمت اللعبة في بداياتها.

  واستعمل الشبك في المرمى عام 1925، واللعب بلون موحد بين لاعبي الفريق الواحد، وفي عام1937 تمت مراجعة خطوط الملعب ورسم قوس خارج منطقة الجزاء ليتساوى اللاعبون في المسافة ذاتها عن الكرة عند تنفيذ ركلة الجزاء.

  واستمر تطور كرة القدم وتغيير قوانينها بشكل يجعلها تواكب التطورات التكنولوجية وتساير التغيرات التي تطرأ على العالم في كل المجالات.

  وأصبحت كرة القدم "صناعة" لها رأسمال ضخم، وتقوم عليها شركات كبرى في الرعاية والدعاية والمبيعات والتسويق، ومساهمين ومجالس إدارات، حتى وصلت القيمة السوقية لبعض الأندية إلى مليار دولار، وتقدر قيمة بعض الأندية أكثر من 4 مليارات مثل مانشستر سيتي وليفربول ومانشستر يونايتد وغيرها.

  ولم يدخل المال والصناعة وحدهما على هذا الكرة الساحرة وإنما دخلت أيضا السياسة وحتى الحرب على المربع المستطيل، كما حدث بعد مباراة السلفادور وهندوراس عم 1969 حيث اشتعلت الحرب بينهما لمدة 4 أيام راح ضحيتها آلاف الأرواح، وما يزال كثيرون يتذكرون هذا النزاع باسم "حرب الكرة"، كما أن بعض المباريات خرجت عن المألوف، ومرت بظروف غريبة ما جعلها راسخة في عقول عدد من عشاق كرة القدم.

  ويحمل كأس العالم الحالي شكلا مغايرا غير معهود للتحدي، لا سيما وهو مقام بدولة قطر التي تعد أول دولة عربية وإسلامية تنظم هذه البطولة.

  الإصرار على التمسك بكل القيم والتقاليد الاجتماعية والدينية في مواجهة أكبر هجمة وصفت بأنها "عنصرية واستعلائية ومنافقة" تقودها دول تتهم بأنها تمارس "عنصرية" ضد اللاجئين والمسلمين والعرب على أراضيها.

  ويتوقع أن تحقق هذه البطولة نجاحا غير مسبوق بأعداد حضور المباريات وبالنقل التلفزيوني والدعاية، والأهم بنتائجها الكروية التي حملت الآن عديد المفاجآت السارة للعرب، وأيضا أن تقفز إيراداتها عن 6 مليارات دولار.

  رياضة ساحرة تقوم على اللعب الجماعي وروح الفريق، ولكنها تشهد كذلك "نفاقا غربيا وازدواجية معايير" سعت دائما إلى تلويث هذه الكرة النظيفة والبسيطة برسائل سياسية تسرق البراءة، وتفسد اللحن الرائع الذي يعزفه عشاق هذه الكرة المجنونة على المدرجات، بحسب كثيرين.

  وكما يقولون، فإن "الكرة وجدت لتركل وعقلك لتفكر به"، لكن بعض السياسيين وبعض الدول تخلط بينهما.

منوعات      |      المصدر: عربي 21    (منذ: 1 سنوات | 32 قراءة)
.