الهدر المدرسي: الحلول الممكنة

School dropout: possible solutions ورد عن الجمعية الامريكية لعلم النفس (American Psychological Association.

(2012)) بأن اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل تنص على أن لكل طفل الحق في التعليم الذي ينمي “شخصيته ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها”.

وبما أن ظاهرة الهدر المدرسي قد أصبحت تتفشى في مجتمعات عدة، فـإن مواجهة هذه الآفة الخطيرة أصبح شيئا حتميا.

وعلى الرغم من الإصلاحات والقرارات المتتالية منذ أمد بعيد، وكذلك البرامج الرامية إلى استدراك الموقف (مثل البرنامج الاستعجالي) التي عرفتها منظومة التربية والتكوين في المغرب في السنوات الأخيرة، وكذلك البرامج التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة لمكافحة التسرّب المدرسي، يظل المطلب قائماً، ويزداد تعققيداً.

ولا شك أن الوزارة المعنية بقطاع التربية والتعليم قد رصدت موارد وآليات في غاية الأهمية للتصدي لهذه الآفة والحد من مخاطرها والتي تروم التلاميذ وأسرهم والمجتمع ككل.

غير أن ذلك حسب الباحثين والمهتمين بالموضوع، يبدو غير كاف مقارنة بحجم الأرقام والمعطيات الواردة في هذا الباب.

الهدر المدرسي آفة خطيرة: إن الهدرالمدرسي يعد نزيفاً، وما ينتج عنه ذلك النزيف من تحديات وتداعيات على المجتمع، لا يمكن تجاهله في مثل هذه الحقبة من الزمن وهذه الظروف، إذ أن هذه الآفة تجلب مخاطر شتى خصوصاً في ما يتعلق بانتشار الجريمة بشتى أنواعها في المجتمع، وترويج المخدرات بشتى أنواعها، وكذلك انتشار تزويج القاصرات وانقطاعهن عن متابعة الدراسة.

وكما قلنا، فإن هذه الآفة قد بدأت رقعتها تتسع وتكتسح جل المناطق حتى في البلدان المتقدمة، مما يجعل البحث عن سبل الحد من تأثيرها في مقدمة الأولويات بتلك البلدان، ومحط أعين الباحثين في هذا المجال.

وفي هذا السياق، فقد ذكر تحالف التعليم الممتاز (AEE 2011)، على سبيل المثال، بأنه يتسرب ما يقدر بنحو 1.

3 مليون طالب من طلاب المدارس الثانوية الأمريكية كل عام؛ عدد كبير منهم من الشباب الأفروأمريكيين (African American أو ذوي أصول أخرى).

وبما أن أبناء الأمة في أي مجتمع كان هم في حقيقة الأمر عمالها مستقبلاً ومواطنوها وقادتها في المستقبل أيضاً، فإن التعليم يظل، بدون شك، الأداة الرئيسية التي يتم من خلالها تمكين الشباب من اكتساب المعارف والخبرات المطلوبة لخدمة المجتمع وزيادة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والشخصي لجميع المواطنين.

وفي مجتمع يطمح إلى المساواة في فرص العمل وكسب العيش والتنافس الشريف، مع تعدد روافد العمل والتعلم وسبل الوصول إليه، يشكل ذلك مسئولية جمة على عاتق الوزارة المعنية بقطاع التربية والتعليم.

ومما لا شك فيه أيضاً، فإن معدل التسرب المرتفع يحرم الدولة من الاستفادة من مجموعة الأشخاص الذين كان من الممكن تأهيلهم حسب خلفيات متنوعة والذين قد يخولون الرتب المهنية والسياسية التي من الممكن أن تتخذ قرارات مهمة في السياسة العامة للبلد والاستفادة منهم بالشكل الصحيح، بدلا من خروجهم من مجال اكتساب المعرفة والانقطاع عن الدراسة في وقت مبكر وهدر قدراتهم.

ولذلك، يرى الباحثون في هذا المجال وكذلك المربون والمعلمون والمسئولون عن المؤسسات التربوية بأن الانقطاع عن التعليم في المغرب يُعَدّ أحد المشاكل التي تعاني منها المنظومة التعليمية والتي تعرقل المسار التنموي للبلد.

وبحسب ما تفيد تقارير رسمية، فإن نسبة التسرّب المدرسي ترتفع بشكل خاص في البوادي والأرياف، ويعزو الباحثون ذلك إلى بُعد المدارس عن التلاميذ وصعوبة الطرق والجبال والهضاب الوعرة وارتفاع نسب الفقر بين أسر التلاميذ وذويهم.

وقد ذكر الباحث عادل نجدي في مقال له بعنوان “الهدر المدرسي تحدّ مقلق في المغرب” بأنه “قد كشف وزير التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة شكيب بنموسى، في خلال عرض قدّمه أمام أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، أنّ نحو 331 ألف تلميذ وتلميذة غادروا صفوف الدراسة في خلال العام الدراسي (2020-2021)، بنسبة ارتفاع بلغت 0.

3 في المائة مقارنة بالعام الدراسي (2019-2020)، موضحاً أنّ هذه المعطيات تؤثّر سلباً على مؤشّرات التنمية البشرية والتربية والاقتصاد بالبلاد.

” ( 26 ابريل 2022، العربي الجديد).

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} دور المؤسسات في الحد من الهدر المدرسي: لا يمكن حصر مسئولية الحد من آفة الهدر المدرسي كمهمة تخص الوزارة المعنية بقطاع التربية والتعليم دون غيرها، بل نجد بأن المسؤولية متشعبة وتشترك فيها جهات مختلفة انطلاقاً من النواة، ألا وهب الأسرة.

فإذا ما وضعنا المشكلة تحت المجهر، فسوف نجد بأن تلك مسئولية جمة يتحملها هرم الدولة والوزارات بمختلف مهامها، والمسجد والمدرسة والشارع والأسرة، كل حسب موقعه.

فللحكومة مسئولية متابعة القطاعات ومدى نجاعتها كي تستوعب خريجي المؤسسات التعليمية وتمهيد الطريق لذلك وللمسجد دور في تربية النشء وتوعية الآباء والأمهات والأبناء واللبنات، كما أن للشارع دور في ترسيخ الأخلاق الحميدة وتثقيف العامة من خلال الكلام الطيب والحث على نشر الصدق والمعرفة وتجنب الموبقات.

ولا شك أن المدرسة هي المسئولة على حث النشء على طلب العلم والمعرفة والمثابرة على ذلك.

وتبقى الأسرة هي المحك الحقيقي الذي من خلاله تصقل المواهب ومكارم الأخلاق عبر مواكبة الطفل ومراقبة عبادته وصلواته ومراقبة عمله في المدرسة وكذا صحبته ورفاقه.

كما يجب أن تكون مهمة كل مدرسة هي تثقيف الطلاب لتجهيزهم ليصبحوا “مواطنين على دراية بما ينتظرهم في ميادين العمل، ومسئولين ذوي حنكة وخبرة، ومهارات تخول لهم التأقلم اجتماعيا، وصحيين ساهرين على سلامة المجتمع، ومهتمين بالقضايا الوطنية والدولية، ومساهمين من جهتهم في تحريك دواليب الاقتصاد والنمو.

وقد ورد عن الخبير التربوي عبد الناصر الناجي لـ”العربي الجديد” أن “للهدر المدرسي تأثيراً (سلبياً) كبيراً في مستقبل وتنمية المغرب الطامح إلى تحقيق نموذج تنموي جديد، كما أنّه يشكّل خطراً قد يعيق تحقيق النهضة التربوية المنشودة”.

ويتحدّث الناجي عن مخاطر الهدر المدرسي، إذ “يتأثّر المنقطعون عن الدراسة بالظواهر المشينة في المجتمع ويتحوّلون إلى أطفال عدوانيين، وقد يساهمون في مظاهر الجريمة”.

(عن عادل نجدي، 26ابريل 2022، العربي الجديد).

الآثار السلبية للهدر المدرسي على المجتمع: بالنظر إلى كل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، فإننا نجد أن الهدر المدرسي يتسبب في خسائر جسيمة تمس الأسر والمجتمع ككل.

فإذا كان الأب والأم يبذلان جهودا قصوى لتوفير ما يحتاجه الطفل لمواكبة دراسته وينفقان جزءا من ميزانية أسرتهم لتدليل كل العقبات التي قد تعتري مسار ذلك الطفل، فإذا به ينقطع فجأة عن الدراسة، فما هو حجم معاناة ذلك الطفل وتلك الأسرة بسبب ذلك الانقطاع؟ بناءً عليه، يمكننا تصور حجم الخسارة بالنسبة للدولة ككل: فإذا كانت الأسرة قد خاب أملها وهي تعول على ذلك الطفل، فما بالك بحال الدولة عندما يتخلى عن الدراسة الآلاف المؤلفة!!! ومما لا شك فيه، فإن الدولة لا تخسر المال فقط، بل تخسر الرهان على شباب كانت تطمح بأن يعول عليهم في حمل مشعل العمل والمسئولية كي يريحوا آبائهم ويصلحوا حال بلدهم.

إن عجلة الاقتصاد تتضرر حتماً بهذا الهدر المادي والمعنوي في نفس الوقت.

وللإشارة، فإن حقيقة أن نسبة قليلة فقط من الطلاب تنهي الدراسة الجامعية، هو شيء مؤسف بالفعل.

فإذا كان الكثير من الطلاب لم يكملوا المرحلة الثانوية أبدًا، ناهيك عن الجامعة، فإن ذلك له وبدون شك تأثير عميق وواسع النطاق على التوقعات الاقتصادية طويلة المدى في بلدنا.

وإذا كان الأمر يزداد تفاقماً سنة بعد سنة، فإن شريحة كبيرة من السكان ستبقى رازحة تحت خط الفقر وعلى نطاق واسع، وبالتالي ستظل القدرة التنافسية للقوى العاملة المغربية متخلفة عن الركب.

ولذلك يجب التصدي لهذه الظاهرة بكل حزم لأن لها عواقب وخيمة على المجتمع من الناحية الاجتماعية والسلوك أيضاً.

فالجهل والأمية ومحدودية المعرفة يؤدون إلى انتشار السلوك المشين والجريمة وانتشار الجهل وارتفاع نسبة الطلاق والعنف والتخلف.

طرق التصدي لظاهرة الهدر المدرسي: ناقش (Greenberg et al.

2003 ) في مقال تحت عنوان: “مواجهة معضلة التسرب من المدرسة” (Facing the School Dropout Dielemma) بعض السبل التي قد تساهم في الحد من مخاطر ظاهرة الهدر المدرسي نذكر بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر: يجب أن تبدأ الوقاية من التسرب من المدرسة في أقرب وقت ممكن.

حدد بعض الباحثين تنبئ مبكرًا بالتسرب عند الأطفال قبل تسجيلهم في رياض الأطفال (هاموند، لينتون، سمينك ودرو، 2007)؛ تضع الطفولة المبكرة الأساس لبناء النجاح الأكاديمي في المستقبل، إذ يرى (جنسن 1998) بأن التقديرات تشير إلى حدوث 90٪ من نمو الدماغ قبل سن الخامسة؛ الطفولة المبكرة هي أيضًا فترة يكون فيها الأطفال أكثر عرضة لعوامل الخطر البيئية مثل الفقر أو سوء التغذية أو الصدمة جراء سوء المعاملة أو اكتئاب الأمهات (المركز الوطني للأطفال في الفقر، 1999)؛ الحاصلون على تعليم عالي الجودة في مرحلة الطفولة المبكرة (أي تعليم شامل ، تنشئة صحيحة وسليمة، مناهج وطرق تدريس متقدمة)، يشكلون مؤشرات أقوى للتخرج من المدرسة الثانوية ( 2004 (Stegelin؛ تطوير معرفة القراءة والكتابة في وقت مبكر أمر حيوي أيضًا للنجاح الأكاديمي في وقت لاحق.

الأطفال الذين يعانون من ضعف القراءة من المرجح أن تكون سبباً في تكرار أحد الصفوف أو المستويات أو الفشل في المدرسة؛ السعي إلى تعلم أساسيات القراءة الجيدة (أي المهارات المعرفية واللغوية) قبل أن يصل الأطفال إلى سن المدرسة (شبكة / مركز منع التسرب الوطني، 2009)؛ الدرجات الضعيفة، وسوء المواظبة، والانسحاب من المدرسة على وجه الخصوص يهدد بإكمال المدرسة الثانوية (2007 Balfanz)؛ أحداث الحياة اليومية قد تكون سبباً في التسرب مدفوعًا بشيء يحدث للطالب خارج المدرسة، بالإضافة إلى صعوبة المواصلات؛ التلاشي، أي التسرب المدفوع بالإحباط والملل من المدرسة على الرغم من أنه لم يعيد الطالب أو يرسب في أي اختبارات؛ اصرار المؤسسة أو غيرها من المطالبين، فيتم يتم تشجيع المتسربين بطرق غير مباشرة أو صراحة على الانسحاب أو الانتقال بعيدًا من المدرسة لأنهم يُنظر إليهم على أنهم صعب التعامل معهم أو يضرون بنجاح المدرسة؛ الفشل في النجاح قد يكون سبباً مباشراً كي يترك المتسربون المدرسة بعد فترة متراكمة من الفشل الأكاديمي قد يكون سببها أيضاً التغيب أو عدم المشاركة.

وبالإضافة إلى الدعوة إلى تحسين جودة البيئة المدرسية أولاً وقبل كل شيء، يرى المراقبون والباحثون بأن يستفيد الطلاب من برامج الوقاية التي تعزز أصولهم الاجتماعية والعاطفية (على سبيل المثال، إدارة العواطف والمواقف الشخصية بشكل فعال، ووضع أهداف ايجابية وتعزيز مشاعر الكفاءة(2003 (Greenberg et al.

؛ – تكثيف البرامج المدرسية التي تركز على التعلم الاجتماعي والعاطفي والأكاديمي وتحسين السلوك.

-اتخاذ مقاربة تشاركية تعزز من خلالها الشراكة بين المدارس والأسر لتشجيع التعلم على الوجه الصحيح والسليم؛ – الحث على توفير بيئة مدرسية وفصول دراسية آمنة ومنظمة؛ – تعزيز ورعاية العلاقات بين الطلاب والمعلمين من خلال احداث برامج وأنشطة توطد تلك العلاقة؛ – تشجيع التعلم التعاوني بين الطلاب والمؤسسة بغية تسهيل طرق الفهم، مع وجود إدارة استباقية تتخذ القرارات الحاسمة قبل فوات ألأوان وتدلل المصاعب أمام كل الفصول الدراسية؛ – محاولة اكتشاف الأشخاص الذين لديهم فتورا نحو الدراسة وتشجيعهم بشتى الطرق والسبل؛ – توفير الدعم اللازم للأسر المعوزة والطلاب المحتاجين للدعم المادي والمعنوي؛ – استخدام منهجية التحفيز بكل ألوانها وأنواعها من أجل تحبيب الدراسة للجميع؛ – الحث على انخراط الطلاب والتلاميذ في الأنشطة الاجتماعية والأعمال الخيرية من أحل تعزيز فعل الخير والتسابق في الاحسان؛ – توفير السكن اللائق والبيئة الأسرية المحافظة على دينها وثوابت وطنها؛ – عدم اثقال التلاميذ والطلاب بالواجبات المنزلية التي تستدعي البحث عن دروس الدعم ممل يثقل كاهل الأسرة؛ – تقريب المؤسسات التربوية والتعليمية من التلاميذ والطلاب والحرص على توفير النقل المدرسي والمواصلات اللازمة؛ – الرفع من مكانة المربي والمعلم في المجتمع وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية.

(عن المرجع السابق بتصرف) خلاصة: تجدر الاشارة إلى أن الهدر المدرسي يمكن اعتباره آفة تنخر جسم منظومة التربية والتعليم وتبدد طاقاتها ومواردها ليس في المغرب فحسب، بل في بقاع شتى في العالم، ويبقى القاسم المشترك متشابهاً فيما يخص الأسباب والنتائج، أما الضحية فهو الطالب الذي يجر وراءه الخيبة والحسرة لنفسه ولأسرته ووطنه.

وتجمع الدراسات على أن القضاء على ظاهرة التسرب المدرسي ممكن وقد يتأتى إذا ما وجدت الارادة السياسية والعزيمة لدى الأسر والمؤسسات والمجتمع ككل.

وتشمل الأساليب التي من الممكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية ما سلف ذكره مع الحث على استشارة ذوي الكفاءات والخبرة والاختصاص وتطبيق كافة معايير الجودة الشاملة خلال كل مراحل التخطيط وتنزيل وتنفيذ برامج الاصلاح.

والله ولي التوفيق،،،

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 سنوات | 14 قراءة)
.