هل تُقر الحكومة "ضريبة على أرباح المحروقات" في مشروع مالية 2023؟

بعد تقرير مجلس المنافسة بشأن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعيات ذلك على السير التنافسي للأسواق الوطنية بالنسبة لحالة المحروقات (الغازوال والبنزين)، وفي ظل الإعداد لمشروع قانون مالية العام 2023 الذي من المرتقب أن يحال على البرلمان في نهاية أكتوبر الجاري، بعد افتتاح الدورة التشريعية، يتجدد طرح السؤال حول إمكانية تضريب شركات المحروقات ذات الأرباح الطائلة (les superprofits).

مطلب فرض ضريبة ضمن قانون المالية على القطاعات التي تحقق أرقام معاملات ضخمة، وعلى رأسها قطاع المحروقات، عاد إلى الواجهة بقوة، بشكل متزامن مع تجدد الدعوات لإصلاحات ضريبية خلصت إليها توصيات المناظرة الوطنية للجبايات عام 2019 وتضمنها القانون الإطار المتعلق بالسياسة الجبائية في المغرب.

وكان فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، قد أورد الأمر ضمن حديث سابق له خلال أشغال اجتماع لجنة المالية والتنمية ‏الاقتصادية، نهاية يوليوز الماضي، خُصص للاطلاع على الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية برسم السنة المالية 2023، قائلا: “في ‏نقاش مع السيد رئيس الحكومة، وبعد موافقته، سنفرض ضرائب تضامنية على القطاعات التي تحقق رقم معاملات كبيرا”، محددا هذه القطاعات في الشقيْن المالي والبنكي، وشركات البترول والمحروقات، وكذا شركات الإسمنت.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وبينما كشفت آخر المعطيات الواردة في رأي مجلس المنافسة أن “أرباح سبع شركات رائدة في سوق توزيع المحروقات في المغرب تناهز 1.

68 مليار درهم سنويا عن نشاط بيع الغازوال والبنزين فقط، خلال السنوات الأربع الماضية”، يبدو التوجه الرسمي جانحا نحو إقرار “ضريبة تضامنية على أرباح شركات المحروقات بالمغرب”، لاسيما في سياق اقتصادي صعب ومتطلبات تمويل أوراش اجتماعية كبرى، ما يجعل المطلب أكثر إلحاحا.

“نظام ضريبي مرن” زكرياء فيرانو، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس-أكدال بالرباط، اعتبر أن المشكل الأساس الذي يعاني منه قطاع المحروقات بالمغرب، “يكمن في غياب التنافسية وميكانيزمات ميكرو-اقتصادية متساوية بين جميع الشركات والفاعلين”، وهو ما قال به أيضا مجلس المنافسة بوضوح عبر معطيات جد مهمة، مؤكدا أن “التضريب ليس حلا للتنافسية”.

وأضاف فيرانو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه وجب “عقلنة الأرباح”، شارحا: “من غير المفهوم في عز الأزمة الطاقية وتبعات الجائحة اقتصاديا أن تظل هذه الأرباح في مستويات غير معقولة، لأن المردود على الاستثمار (retour sur investissement) تظل نسبتُه من ضمن الأعلى بين جميع القطاعات في المغرب (تصل أحيانا إلى 50 أو 60%)”.

وزاد موضحا: “في حالة ما اتجهت الحكومة إلى إقرار ضريبة على الأرباح الإضافية لشركات المحروقات، فالأمر ليس سوى استرجاع لبعض الأموال ستنعش خزينة الدولة أو تذهب لمشاريع قد يستفيد منها المواطن”، لافتا إلى أنه يجب أن يكون نظاما ضريبيا مَرناً (Fiscalisation Dynamique) عبر متابعة تقلبات سوق المحروقات عالميا بوصفها متضاربة وخاضعة لتحولات سريعة”.

وشدد أستاذ الاقتصاد، قبل كل شيء، على ضرورة تحيين الترسانة القانونية المتقادمة (تعود لسنوات السبعينات) التي مازالت تحكم سوق المحروقات بالمغرب، ما يتيح “سهولة ولوج السوق وضمان تنافسية متساوية بالنسبة للمستثمرين فيه”، مؤكدا أهمية ضمان حياد الشركات خلال عمليات الاستيراد والتوزيع، قائلا: “ننتظر من الشركات الكبرى المهيمنة على السوق أن تبيع المحروقات بثمن أقل، من خلال تقليل نفقاتها نظرا لبيعها كمات أكبر من فاعلين آخرين”.

وخلص فيرانو أيضا، ضمن تحليله، إلى أن الجهاز الحكومي تلقى بإيجابية مضامين تقرير مجلس المنافسة، وهو ما سيضمن تغييرات لاحقة في صالح ميزانية الدولة والمواطن؛ أبرزها التضريب المرتقب، قبل أن يختم بتأكيد أهمية إعادة التفكير وإحياء النقاش عبر حلول استراتيجية تضمن تكرير البترول في مصفاة “سامير”، ما يجعل تكاليف الاستيراد والمعالجة تقل بـ 20 إلى 50 في المائة.

ضرائب “تضامنية” من جهته، سجل رشيد ساري، محلل اقتصادي، أن “سوق المحروقات في المغرب منذ أمد بعيد، حتى قبل تحرير الأسعار أو بعدها، يُعتبر شبحاً يصعب فهمه”، متسائلا في هذا السياق: “مجموعة من المقاولات التي تعمل في هذا المجال لا ندري كيف تحصد أرباحا كبيرة؟”.

وأكد ساري، في حديث مع هسبريس، أن تقرير مجلس المنافسة “أماط اللثام أخيرا عن أرباح يمكن وصفها بالخيالية”، مذكرا بأنه بالنسبة لبيع الغازوال والبنزين، مثلا، فقد ربحت من خلاله بعض المقاولات الكبرى قرابة مليارَيْ درهم في ظرف 3 سنوات فقط.

هذا بغض النظر عن “شركات تحصد أرباحا كبيرة وطائلة في ظل تسويق مواد ومشتقات بترولية أخرى”.

“من بين العوامل المسببة للوضع الحالي، كون هذه المقاولات لا تتحمل أعباء التخزين، لأن الدولة هي من تقوم بذلك، فضلا عن أن تحرير الأسعار ورفع الدعم الحكومي للمحروقات أدى إلى مجموعة من الأرباح التي تجاوزت أحيانا درهما واحدا في كل لتر من البنزين”، يردف المحلل الاقتصادي ذاته.

أمام هذا “الوضع الذي ينم عن شجع كبير”، يشدد ساري على أنه “حان الوقت بالنسبة لسنّ ضريبة تؤديها المقاولات الناشطة في قطاع المحروقات”، داعيا إلى أن تكون “ضرائب استثنائية في صيغة تضامنية، تبعاً لأرباحها الكبيرة التي جاءت من جيوب المواطنين في ظل تحرير الأسعار”.

وختم تصريحه بالقول إن “عائدات هذه الضرائب يجب أن تذهب إلى المجالات الاجتماعية”، كدعم الجانب التضامني في مشروع السجل الاجتماعي الموحد لإعانة مباشرة لمجموعة من الأسر التي تعيش على إيقاع العوز.

جدير بالتذكير أن الناتج الصافي التراكمي للغازول والبنزين المحقق من طرف الشركات السبع قد بلغ نحو 6.

7 مليارات درهم خلال الفترة الممتدة بين 2018 و2021، أي بمتوسط سنوي يناهز 1.

68 مليار درهم، وفق معطيات مجلس المنافسة.

“تضريب الأرباح الزائدة” قال أحمد أزيرار، مؤسس “الجمعية المغربية لاقتصاديي المقاولة” أستاذ سابق بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، إن “تقرير مجلس المنافسة جاء واضحا؛ إذ أقر بواضح الأرقام بأن الشركات السبع المسيطرة على سوق المحروقات استغلت موقعها للاغتناء غير المشروع”.

وأشار أزيرار في تصريح لهسبريس إلى مقترح المجلس بأن تُرجع “الأخوات السبع” للدولة ما حصلت عليه فوق أرباح، وقال: “لذا، من المنتظر أن يأتي مشروع قانون المالية بتضريب خاص للأرباح الزائدة المحققة من طرف كل القطاعات التي هي في وضعية غير تنافسية، بما فيها الشركات المستحوذة على سوق المحروقات”.

ولفت إلى أن “الأمر تفرضه حاليا الوضعية المالية للدولة المرهقة بارتفاع مستحقات سوق المقاصة، والمجبرة على دعم مواد استهلاكية ضرورية وقطاعات لها وقع مباشر على القدرة الشرائية للمستهلكين كالنقل”.

وأبرز المتحدث أن “مخرجات تقرير مجلس المنافسة تستحق دراسة عميقة من طرف الحكومة لاتخاذ إصلاحات هيكلية، من قبيل إعادة تشغيل مصفاة المحمدية وتوسيع المخزون الاستراتيجي كما هو منتظر”.

جدير بالتذكير أن الناتج الصافي التراكمي للغازول والبنزين المحقق من طرف الشركات السبع قد بلغ نحو 6.

7 مليارات درهم خلال الفترة الممتدة بين 2018 و2021، أي بمتوسط سنوي يناهز 1.

68 مليار درهم، وفق معطيات مجلس المنافسة.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 سنوات | 18 قراءة)
.