المملكة والاقتصاد الدائري

قبل أيام قليلة، نظم منتدى الرياض الاقتصادي ندوة بعنوان "الاقتصاد الدائري"، شارك فيها عدد من المسؤولين ورؤساء الشركات والخبراء، وتهدف إلى تحليل الوضع الحالي للنفايات في المملكة، وتحديد الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لإعادة تدوير النفايات، إلى جانب إبراز الفرص الاستثمارية الكثيرة في هذا المجال، ولعل هذه الندوة تعد إطلالة على بعض الجهود المبهرة التي تقوم بها المملكة في هذا المجال.

والاقتصاد الدائري، هو نموذج للإنتاج والاستهلاك، يهدف إلى إيجاد مزيد من القيمة المضافة، وتقليل الهدر من المواد المستخدمة، من خلال تجديد وإعادة تدوير المواد والمنتجات لأطول فترة ممكنة.

بهذه الطريقة، يتم تمديد دورة حياة المنتجات، ومن ثم تحقيق التنمية المستدامة، من خلال الوصول إلى أقصى مستويات الكفاءة في استخدام الموارد المحدودة وتشجيع إعادة استخدام المنتجات وإصلاحها وإعادة تدويرها، بدلا من التخلص منها واستخراج موارد جديدة.

وعلى العكس من ذلك، فإن الاقتصاد الخطي يعتمد على فكرة استخراج المواد، وتصنيع منتج معين، ثم استخدامه، والتخلص منه في النهاية.

وبالتحديد، فإن الاقتصاد الدائري يهدف إلى تقليل النفايات إلى الحد الأدنى، لدرجة الاحتفاظ بالمنتج إلى نهاية عمره الافتراضي واستخدامه في منتج جديد، وهكذا.

وهذا يختلف عن النموذج الخطي التقليدي الذي يقوم ـ كما ذكر آنفا ـ على أخذ الموارد الطبيعية الخام، وتحويلها إلى منتجات، ثم التخلص منها، بالاعتماد على كميات كبيرة من المواد والطاقة.

وازداد الاهتمام العالمي بالاقتصاد الدائري مع تزايد عدد سكان العالم وما يواكبه من زيادة في الطلب على المواد الخام القابلة للاستنزاف، علاوة على ما يترتب على ذلك من آثار بيئية، ما يؤثر في جودة حياة الناس.

واستشعارا لهذه المخاطر، يتطلب الأمر تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة وتقليل الهدر والتلوث، خاصة أن الحد من النفايات، وإعادة الاستخدام، يمكن أن يوفرا أموالا كثيرة مع تقليل انبعاثات الاحتباس الحراري.

وقصص النجاح العالمية كثيرة، فعلى سبيل المثال، تشير الإحصاءات إلى أن ألمانيا والسويد واليابان تأتي في قائمة الدول التي استطاعت التخلص من مرادم النفايات بنسبة 100 في المائة، وإعادة التدوير بنسب متفاوتة تصل في بعضها إلى 60 في المائة.

وفي إطار الجهود نحو الاقتصاد الدائري، تعمل المملكة على تعزيز المنتجات الأكثر استدامة مع السعي إلى تقليل النفايات، وتشجيع إعادة تدويرها، إضافة إلى الحد من انبعاثات الكربون.

ويتحقق ذلك بالانتقال نحو الاقتصاد الدائري من خلال وضع التشريعات، وإنشاء المراكز المتخصصة وتشجيع الاستثمار في هذا المجال، مثل: إنشاء مركز أبحاث تقنيات احتجاز وتخزين واستخدام الكربون، وكذلك تطوير أكبر مصنع لجمع وتنقية ثاني أكسيد الكربون في العالم، وتحويله إلى مواد تستخدم في عمليات صناعية عديدة، إلى جانب إنشاء المركز الوطني لإدارة النفايات في 2021، وإطلاق الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير بهدف تحفيز رجال الأعمال على الاستثمار في هذا المجال الواعد.

وستؤدي هذه الجهود إلى تقليل الضغط على البيئة، واستبعاد مرادم النفايات بنسبة 82 في المائة بحلول 2035، علاوة على تحسين أساليب استخدام المواد الخام، ومن ثم زيادة القدرة التنافسية، وتحفيز الابتكار، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي، وإيجاد مزيد من فرص العمل.

باختصار، ستؤدي هذه الجهود إلى الإسهام في الناتج المحلي، وإيجاد فرص عمل جديدة، وتخفيض الانبعاثات، وتوفير استهلاك الطاقة من خلال الوقود البديل.

أخيرا، أدعو إلى الاستثمار في هذا المجال الواعد من خلال الاستعانة بخدمات المركز الوطني لإدارة النفايات من جهة، وعقد شراكات مع الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير، التي تهدف إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحفيز الاستثمار من جهة أخرى.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 1 سنوات | 36 قراءة)
.