استقرار النظام المالي برؤية أوسع «2 من 3»

أكدت الأزمة المالية العالمية الأخيرة بصورة هائلة، أهمية المخاطر النظامية وإخفاق التنظيم المعني بالسلامة الاحترازية الكلية في احتوائها.

وفي 2008، دعا بن برنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آنذاك، الهيئات التنظيمية والرقابية، إلى توسيع مجال الرؤية لدمج المخاطر النظامية.

أو كما قال كروكيت، "المزاوجة بين بعدي السلامة الاحترازي الجزئي والكلي للاستقرار المالي".

وينطوي الانتقال من المنهج التقليدي لاختبارات القدرة على تحمل الضغوط لضمان السلامة الاحترازية الجزئية إلى "جيل جديد" من اختبارات القدرة على تحمل الضغوط لضمان السلامة الاحترازية الكلية على تحديين، هما: الأول: استحداث أبعاد على نطاق النظام أو أبعاد التوازن العام، بحيث لا تعتمد اختبارات القدرة على تحمل الضغوط على حجم الصدمة الأولية وطبيعتها والمصدات الوقائية لدى كل مؤسسة مالية فحسب، وإنما أيضا على الاستجابات السلوكية لهذه المؤسسات للصدمة وعلى تفاعلاتها مع بعضها بعضا ومع الوكلاء الاقتصاديين الآخرين، بمن في ذلك المقترضون والمودعون والمستثمرون.

وتوجد لذلك أهمية خاصة إذا كانت اختبارات القدرة على تحمل الضغوط تغطي أفقا زمنيا طويلا، لنقل مثلا ثلاثة أو خمسة أعوام، يمكن خلاله أن يكون أثر هذه التفاعلات كبيرا.

الثاني: تحويل تركيز الاختبارات من المؤسسات الفردية إلى قدرة النظام كله على الصمود أمام الصدمات ـ أي قدرته على مواصلة العمل وتوفير خدمات الوساطة المالية للاقتصاد الحقيقي.

وما مدى التقدم الذي أحرزه القائمون على هذه الاختبارات في التصدي لهذه التحديات، وما المقدار الذي اعتمد في الواقع العملي من مجال الرؤية الأوسع هذا؟ باستعراض تجربة البنوك المركزية، والهيئات الرقابية، وصندوق النقد الدولي منذ الأزمة، يتبين أن اختبارات القدرة على تحمل الضغوط أحرزت تقدما كبيرا في التصدي للتحدي الأول من هذين التحديين، لكن كان التقدم أقل كثيرا في التعامل مع الثاني.

وتتوافر نماذج كثيرة تدمج بعض أبعاد التوازن العام على نطاق النظام في اختبارات القدرة على تحمل الضغوط وتستخدم على نطاق واسع، وتصنف هذه النماذج في فئتين واسعتين، هما: الأولى: النماذج القائمة على الميزانيات العمومية، وهي نماذج تستخدم بيانات الميزانيات العمومية لفرادى البنوك لتقييم تأثير صدمة ما في جودة الأصول والدخل، وفي نهاية المطاف رأس المال "لاختبارات الملاءة" أو تدابیر متنوعة للتدفق النقدي أو السيولة "لاختبارات السيولة" لفرادى البنوك.

وتجمع النتائج بعد ذلك لإعطاء فكرة عن مكامن الخطر في النظام كله.

وفي هذا المنهج ـ الشائع بين البنوك المركزية والهيئات الرقابية في مختلف دول العالم ـ تبين في النموذج بشكل صريح الأبعاد التي تهدف جهات الاختبار إلى رصدها، سواء كانت تفاعلات بين الملاءة والسيولة، أو استجابات سلوكية، أو آثار مرتدة اقتصادية كلية.

ويتيح ذلك إمكانية تتبع أثر الصدمة من خلال قنوات عديدة ويضع تصورات بشأن إسهام كل قناة في النتيجة النهائية.

وثمة تكلفة لهذه المنفعة، فأولا تتزايد بسرعة درجة التعقيد في التحليل والحسابات ومتطلبات البيانات مع إضافة خصائص إلى النماذج، ويؤدي ذلك إلى إبطائها وتعقيدها ورفع تكلفة وضعها وتشغيلها، وثانيا، نظرا لأنها تعتمد على بيانات الميزانيات العمومية للبنوك، فإنها تعتمد بصورة حاسمة على مدى توافر هذه البيانات وجودتها.

غير أن العيب الأكبر في هذا المنهج حتى الآن، هو أن مجموع خسائر فرادى البنوك أو قصور رؤوس أموالها لا يمثل في الواقع مدی تعرض النظام كله للمخاطر، وذلك بسبب اختلاف الطرق التي تترابط من خلالها البنوك، حتى يتسنى تجميع حالات القصور لكل بنك على حدة، فمن الضروري أن تتوافر معلومات عن مستوى تعقيد الاعتماد المتبادل بين الميزانيات العمومية لفرادى البنوك.

الثانية: النماذج القائمة على الأسعار السوقية، وهي نماذج تستخدم "في الغالب" بيانات السوق للاستدلال على احتمالية إعسار مؤسسات بعينها أو تعثرها، وترصد هذه النماذج ـ على الأقل من حيث المبدأ ـ جميع مصادر الانكشاف للمخاطر والعدوى، بما في ذلك مخاطر حدوث سحب جماعي للأرصدة المصرفية نتيجة لمخاوف المستثمرين المحققة لذاتها، وقد لا تعزى هذه المخاطر إلى الوضع المالي الحقيقي للبنك الذي قد يكون سليما قبل حدوث الذعر المصرفي.

وتتمتع هذه النماذج بميزة أخرى هي سهولة الجوانب الحسابية فيها.

وتتمثل إحدى نقاط الضعف الواضحة في هذه النماذج في اعتمادها على بيانات السوق، التي هي "ضوضائية" ويمكن أن تبالغ أو تهون في تقدير المخاطر.

ويعني ذلك أن مؤشرات المخاطر المصرفية التي يتم تقديرها من هذه البيانات قد تكون متقلبة بصورة مفرطة، وربما لا توفر أساسا سليما لإدارة البنك أو اتخاذ إجراء رقابي.

ومن العيوب الأخرى أن النماذج القائمة على أسعار السوق، لا تسمح لمعدي الاختبارات بالتفريق بين العوامل المختلفة ـ الصدمة الأولية، ومخاطر الاعتماد المتبادل، والانكشافات المشتركة، والعدوی بين المؤسسات ـ التي تسهم في النتيجة النهائية، فكل هذه العوامل تجمع في احتمال تعثر المؤسسة أو إعسارها التي يقدمها النموذج، وقد دفع ذلك بعض النقاد إلى رفض تلك النماذج وإطلاق تسمية "الصناديق السوداء" عليها.

.

.

يتبع.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 2 سنوات | 30 قراءة)
.