فاعلون يقدمون حزمة توصيات من أجل "مقاربة حقوقية للسياسات البيئية"

نادت أبرز التوصيات الصادرة عن مائدة مستديرة، انعقدت مؤخرا، بعنوان “التغير المناخي والأمن الإنساني: حالة شمال المغرب”، بضرورة “دمج حقوق الإنسان في القوانين والسياسات العمومية الخاصة بالبيئة”، رابطة بين تكريس الحق البيئي ودعم المجتمع المدني بالمغرب في عمليات صنع السياسات البيئية والترافع على قضاياها، قبل أن تخلص أشغالها إلى الدعوة إلى “تصدي المنظمات الحقوقية والمدافعة عن البيئة للخروقات البيئية”، والتحذير من كون التغير المناخي “تهديدا أمنيا غير تقليدي ينتهك حقوق الأفراد والجماعات”.

هذا النشاط المنظم من طرف “مرصد الشمال لحقوق الإنسان”، بشراكة مع “منتدى التنظيمات الاجتماعية وإستراتيجيات التغير ومنتدى الأبحاث العلمية والدراسات الإستراتيجية”، وضعه القائمون عليه في سياق ارتفاع وتواتر ظواهر متنوعة ناتجة عن التغير المناخي (حرائق الغابات والجفاف) خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في جهات شمال المملكة؛ وهو ما انعكس، حسب ورقة تأطيرية اطلعت عليها هسبريس، على البيئة كما الإنسان، من خلال “ارتفاع معدلات الهجرة الداخلية، وتراجع المساحات الزراعية؛ بالإضافة ارتفاع معدلات الانتحار، وتراجع خطير لمنسوب المياه بالسدود”.

واعتبر المشاركون، من خلال جلستيْن علميتين، أن ما حدث خلال الأعوام الماضية وما يعتمل حاليا، ضمن المنظومات الإيكولوجية، يشكل تهديدا مباشراً لمجموعة من الحقوق؛ موردين: “الحق في الحياة، الحق في الحصول على المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي، الحق في الغذاء، الحق في التنمية”؛ كما انتقدوا غياب البعد البيئي في السياسات والبرامج العمومية، خاصة لدى المؤسسات المنتخبة، بسبب ما وصفوه بـ”غياب الترسانة القانونية وضعفها، لأنها لا تلزم الفاعل السياسي، الترابي خاصة، بإدماج المقاربة البيئية في السياسات العمومية”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} تبعا لذلك، لم يتوان المشاركون في المائدة النقاشية في رفع مجموعة من التوصيات إلى الجهات الحكومية الوصية، وكذا مسؤولي ومنتخبي الجماعات الترابية المهددة أكثر من غيرها بخطر تغير المناخ؛ أبرزها “ضرورة بذل المزيد من الجهود على المستوى التشريعي لإلزام صانع القرار السياسي باستحضار البعد البيئي في السياسات العمومية والبرامج التنموية محليا، جهويا ووطنيا؛ نظرا لخصوصيات المغرب الذي يقع ضمن مجال هش بسبب الضغط الممارس على الفرشات المائية، وارتفاع حرائق الغابات”، وفق محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان.

وربط بن عيسى، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بين “التغيرات المناخية الجارية وحقوق الإنسان في أبعادها الشاملة بيئيا”، مؤكدا أن “التغير المناخي يعد شكلا من أشكال التهديدات الأمنية غير التقليدية أو التهديدات المرنة”، من قبيل الهجرة والتطرف، ومحذرا من كونها “تمس بشكل قوي حياة الأفراد كما الجماعات والدول”.

“إنها تهديدات تنتهك مجموعة من الحقوق المباشرة المنصوص عليها في الصكوك والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، أو تنتهك مجموعة من الحقوق الأخرى”، يردف المتحدث ذاته، مُعددا “الحق في الحياة، والحق في الماء، والحق في الغذاء الكافي، والحق في الصحة، والحق في السكن والحق في التنمية”.

الفاعل المدني ذاته لفت انتباه صانعي السياسات إلى “عواقب يتسبب فيها التغير المناخي، يتصدرها التشريد والهجرة القسرية والنزاعات المسلحة”، مؤكدا اعتماد المنتظم الدولي مجموعة من الاتفاقيات الدولية والإقليمية من أجل المحافظة على البيئة والتقليص من انبعاث الغازات؛ ومذكّرا، في هذا الصدد، باعتماد الأمم المتحدة، مؤخرا، حقا جديدا هو “الحق في العيش في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة”.

وخلصت جلسات النقاش إلى الخروج بتوصيات، أيضا، تخص “ضرورة تكوين إعلاميين متخصصين في مجال البيئة، مسترشدين بالتجربة المتميزة التي عرفها المغرب خلال بداية الألفية الثالثة”، مشيرة إلى أنه يجب إدماج مقاربة النوع الاجتماعي، وأخذها بعين الاعتبار “في مفهومها الواسع الذي يتجاوز المرأة والرجل إلى الفقراء والأشخاص في وضعية إعاقة”.

كما استحضرت مداخلات ضمن النشاط المذكور مجموعة من الأمثلة عن علاقة التغير المناخي بالأمن الإنساني وتهديده لحقوق الإنسان، وكذا تأثيره على الطبيعة والإنسان، مثل ظاهرة الهجرة القسرية الكثيفة التي تعرفها مجموعة من المناطق القروية بشفشاون نحو مدن طنجة وتطوان بسبب الجفاف، أو ظاهرة تراجع الرحل بمنطقتي فكيك وبوعرفة… محذرين من تجاوز التداعيات للهجرة القسرية إلى “ظهور مجموعة من الظواهر الاجتماعية الأخرى المرتبطة بالتغير المناخي، كالهدر المدرسي، الانتحار، الجريمة والانحراف، وزواج القاصرات”.

يشار إلى أن أشغال المائدة المستديرة جمعت مشاركين متعددي المشارب والتخصصات، من ضمنهم الأستاذ محمد البقالي، صانع سياسات وفاعل مدني في جهة الشمال، والدكتور عمر بلمهدي، متخصص في البيوتكنولوجيا والميكروبيولوجيا التطبيقية، ومصطفى العباسي، عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة طنجة تطوان الحسيمة، فضلا عن الباحثين الأكاديميَين عبد ربه البخش وعبد السلام العثماني.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 1 سنوات | 23 قراءة)
.