وليد و"وحيد القرن"

مرة أخرى يبرهن الجمهور الرياضي المغربي، وخصوصا الكروي ـ ليس جميعه طبعا، فالتعميم هنا تعسف وتعتيم ـ على أنه جمهور عاطفي، عاطفي جدا، بل “يتطرف” في عاطفته إلى حد بعيد.

“سيكولوجية الجماهير” ‏كتاب ماتع رائع ألفه رائد علم النفس الجماعي جوستاف لوبون، وتطرق فيه إلى موضوع عقلية الجماهير وكيف تتصرف عندما تكون مجتمعة في مكان واحد، أو حتى لو كانت جماعات وأشتاتا، حيث تغلب لديها العاطفة على العقل، والاندفاع على التريث.

الجماهير، وفق لوبون، لا تفكر كثيرا، وإذا فكرت فهي ترفض مناقشة أفكارها، كما أنها إذا اقتنعت بشيء وتأثرت به دافعت عنه عن حق، وعن باطل أيضا، وإذا رفضت فكرة أو شخصا فهي تلفظه وتمعن في طرده من ذهنها الجمعي “شر طردة”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} عنف حاد في الشعور يمتلك “سيكولوجية الجماهير”، فقد تعبد شخصا أو مجموعة أشخاص من بوابة “التعاطف” أو “الحب” أو “الوطنية”، ولكنها قد تمقته في أي وقت عندما يحين وقت ذلك، ولا تتردد في ذلك أبدا.

.

هذه سيكولوجية الجماهير.

وسط الجماهير المحتشدة، سواء داخل ملعب أو فضاء عمومي أو حتى وراء الأجهزة الإلكترونية، هناك جماهير ولا شك تذوب فيها شخصية الفرد تماما، فالمتعلم يصير مثل الجاهل، والخجول قد يتحول إلى جانح منفلت، لتضيع بذلك الحقيقة وتضيع “الوسطية”.

وأعود إلى جمهور الكرة في المغرب.

.

هو جمهور جميل وحماسي ولعله من أكثر الجماهير في العالم تحفيزا وإبداعا أيضا، لكن للأسف تغلب عليه العاطفة بشكل كبير وسلبي.

مرد هذا الانتقاد أو العتاب هو الكلام الذي سمعناه من العديد من أنصار ومشجعي منتخب “الأسود”، وهم يكادون يمجدون المدرب وليد الركراكي، وبالمقابل يلعنون المدرب السابق، الذي ينعته البعض بـ”وحيد القرن”، نظرا لتعنته ومعاندته للجماهير والإعلام.

شاهدنا بأم أعيننا مشجعين للمنتخب، شبابا ومُسنين أيضا، دموعهم تفيض من الدهشة، ولسان حالهم يقول: “هرمنا.

.

هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية”.

أية لحظة يا ترى؟.

.

لحظة مشاهدة منتخب منسجم يلعب كرة جميلة أمام منتخب الشيلي في مقابلة ودية (ودية نعم).

أية لحظة هذه التي جرّت كل هذه العاطفة الجياشة من الجمهور المغربي؟.

.

لحظة مقارنة المنتخب تحت إشراف وليد بالمنتخب أيام وحيد.

.

صحيح أن المنتخب المغربي لعب مباراة رائعة أمام الشيلي، وصحيح أن اللاعبين لعبوا بحماسة وقتالية مفقودة منذ زمن، وصحيح أن التجانس ظهر جليا بين خطوط المنتخب الثلاثة، وصحيح أن اختيارات وليد الركراكي في عمومها كانت صائبة.

.

لكن، وما أقسى لكن هذه على “الجماهير المحتشدة”.

.

لكن هذه مجرد مباراة ودية أولا، وثانيا منتخب الشيلي كان يلعب بدون “حافز”، فهو غير مؤهل إلى إقصائيات “مونديال قطر”، ثم ثالثا هذا المنتخب شاخ ولا يزال يعتمد على “أبقار مقدسة” مثل أليكسيس وفيدال وغيرهما، ورابعا هذه مجرد بداية يا مغاربة.

ولأن سيكولوجية الجماهير تتغير بسرعة البرق، فإن كل ذلك المديح والبكاء والتهليل والتمجيد للمدرب وليد ـ الذي لا يمكن إلا أن نثني على ما قذفه في عقول وأقدام “الأسود” من حماسة وتنافسية ـ تقلص عندما تعادل المنتخب مع الباراغواي في مباراته الثانية، بل كاد ينقلب إلى ضده.

وهكذا عاد التشكيك، ولو نسبيا، في اختيارات “مورينيو المغرب” (كما يحلو للبعض تسمية الركراكي)، وعاد الكلام من جديد حول أحقية حمد الله في ارتداء القميص الوطني، بسبب “عقم الهجوم”.

.

هكذا تناسى الجمهور الهدفين في المقابلة الودية الأولى.

رحمة بوليد ومن معه!! ورحمة باللاعبين!! ورحمة بأنفسكم أيضا!!.

.

رجاء لا تبالغوا في الاحتفاء بالمنتخب عندما يفوز، وفي الانتقاد واللوم عندما يخسر.

.

العاطفة الجياشة ـ التي لا زمام لها ـ قاتلة وقد تضر بالمنتخب الوطني أكثر مما تنفعه.

.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 سنوات | 19 قراءة)
.