بدون عنوان: قاصرون في مدريد .. أطفال مغاربة يعبرون صوب المجهول

بحثوا عن الحياة وارتموا في أحضان الموت، أطفال صغار شدوا الرحال وركبوا الأمواج، حاولوا الوصول إلى الفردوس الأوربي لتحقيق أحلام تفوق أعمارهم.

بمدريد، عاصمة من العواصم الأوروبية التي تجذب أطفالا وشبابا مغاربة، رغبوا في الفردوس، ورموا أجسادهم في أحضان الموت بحثا عن الحياة؛ أطفال كثر يجوبون الشوارع، تتعرف على جنسيتهم المغربية من هيأتهم أو كلامهم الدارج، مشاهد صادمة لا بد أن يعاينها الزائر هناك: واحد يتعاطى المخدرات، وآخر يحاول السرقة، وثالث ينام في الشارع.

ارتماء في أحضان الموت هسبريس التقت بعض هؤلاء الأطفال الضائعين في شوارع العاصمة الإسبانية، عمر (اسم مستعار)، 17 سنة، واحد من بينهم، صادفناه مشردا، شجعتنا هيأته الطفولية ووجهه البشوش على الاقتراب منه وسؤاله عن رحلته إلى هنا، عكس آخرين لم نستطع الاقتراب منهم بسبب تعاطيهم الواضح للمخدرات.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وافق عمر بسرعة على الحديث معنا، كأنه كان ينتظر أذنا صاغية يروي لها معاناته الكثيرة بداية من مدينته الفنيدق وصولا إلى مدريد.

ما إن طرحنا السؤال: “كيف وصلت إلى هنا؟”، حتى جاء الرد بدموع تجري من عينيه المليئتين حزنا يفوق سنه: “تمكنت خلال موجة العبور من الفنيدق إلى سبتة عام 2021، بعد أكثر من عشر محاولات سباحة، المرة الأولى تعرضت للضرب من قبل الأمن، ومرات أخرى كان البحر فيها هائجا وعدت قبل أن أعود جثة هامدة، قبل أن أتمكن من العبور خلال موجة الهجرة الماضية”.

أما جوابا على سؤال: “ألم تخف؟”، رد عمر: “ليس فقط الخوف، بل أكثر من ذلك، ترمي بنفسك في أحضان الموت ولا تدري إن كنت ستعود حيا أم لا، لكن يحركني حب والدي، والرغبة في الهرب من وضعية مزرية بالمغرب”، متابعا: “ليس أنا وحدي، بل هي قصة آلاف القاصرين المغاربة”، مؤكدا: “ترى الموت بعينيك لكن يجب أن تغامر بحياتك لتحقيق رغباتك وأحلامك”.

طرق مختلفة وأشكال متنوعة والهدف واحد، هرب من المغرب صوب الحلم الأوروبي، طريقة أخطر من أخرى، واحد يرمي بنفسه في عرض البحر، وآخر يسافر لخمسة أيام على متن زورق، وأحدهم يحشر نفسه خلسة داخل شاحنة.

من بين من التقت بهم هسبريس بمدريد حميد (18 سنة)، المنحدر من مدينة الجديدة، شاب بعلامة سكين بادية على وجهه الذي لم يتخل عن ملامح الطفولة بعد، كانت طريقة قدومه إلى مدريد مختلفة لكنها لا تخلو هي الأخرى من خطورة؛ إذ سافر من مدينة الجديد إلى قادس رفقة آخرين على متن زورق.

قال حميد في حديث لهسبريس: “طيلة الرحلة التي دامت خمسة أيام كنا نشرب ماء البحر ولا نأكل إطلاقا، ما إن وصلت إلى قادس حتى أغمي عليّ، لم أستعد وعيي إلا بعد مرور أيام لم أعرف عددها”.

وأضاف: “لم تكن تلك هي محاولتي الأولى للهرب من المغرب، كانت قبلها محاولات كثيرة، وأيضا محاولات لضمان لقمة عيش بالبلاد، لكنها باءت جميعها بالفشل”.

حميد الذي قدم إلى مدريد وهو ابن 15 سنة، حدثنا عن ظروف عيشه المزرية بمدينة الجديدة، قائلا: “كنت أتابع دراستي صباحا وأشتغل ليلا في توزيع الجرائد، لكني لم أستطع أن أتم على هذا الحال، فوضعيتنا كانت مزرية جدا، كنت لا أجد حتى ما أرتديه للذهاب إلى القسم”.

وأردف: “حينما اتخذت قراري، لم أخبر والدي إلا بعدما استيقظت من غيبوبتي وهاتفته لأخبره بأني في إسبانيا، لكنه لم يصدق وطلب مني العودة لأن أمي تموت خوفا بسبب غيابي”.

المأساة نفسها عاشها عبد الله، 18 سنة، ابن مدينة تطوان، الذي أتى إلى إسبانيا مختبئا في جانب خلفي لإحدى الحافلات: “كنت أحاول منذ عام 2016 حتى نجحت المحاولة عام 2018؛ إذ واختبأت في حافلة انطلقت من تطوان حتى سيفيا”، مؤكدا أنه ظل مختبئا لعشر ساعات دون أدنى حركة إلى أن وصل إلى محطته الأخيرة ليظل مرميا بعدها في الشارع، قبل أن يتوجه إلى مركز أمن يطلب منه المساعدة وأخذه إلى مركز للقاصرين.

عبور للمجهول طوال سنوات، غادر أطفال صغار صوب إسبانيا وبلدان أوروبية متعددة؛ الفكرة أغرت أعدادا متزايدة على مر السنين، وكانت واحدة من الإشكالات الرئيسية التي قابلت كلا من المملكتين المغربية والإسبانية.

تختلف المحاولات لكن النتيجة واحدة، أطفال يجدون أنفسهم لوحدهم مرميين في شوارع بلد غريب عنهم، لا يفقهون حتى لغة مواطنيه، وكلهم أمل في أن يتم نقلهم إلى أحد تلك المراكز التي يسمعون عنها.

مراحل عديدة يجتازها الأطفال المغاربة ضمن مراكز الإيواء الإسبانية.

البداية بما تسمى مراكز الاستقبال بمدن تكون المحطات الأولى كسبتة أو مليلة.

قال عبد الله إنه حال وصوله إلى سيفيا بدأ يطرق أبواب الأمن، لكن عائق اللغة لم ييسر له الأمر بداية إلى أن قرر دخول مركز للشرطة عنوة لإعلامهم بأنه طفل قاصر غير مصحوب، ونقله حينها إلى ما يسمى “مركز الاستقبال”.

قال عبد الله: “أمضيت يومين في مركز الاستقبال، قدموا لي حينها كل العناية اللازمة، وبعدها تم نقلي إلى مركز آخر يسمى مركزا للإيواء، أمضيت هناك أربعة أشهر لكنهم لم يبدؤوا معي إجراءات إعداد الأوراق، واكتشفت أن هناك عددا من الأطفال يقطنون في ذلك المركز إلى حين بلوغهم سن 18 سنة دون ضمان وضعيتهم القانونية، وهو ما اضطرني للهرب والقدوم إلى مدريد”.

عبد الله أكد أنه أمضى سنتين في مركز للإيواء بمدريد، حيث “كنت لا أغادره إلا نهاية الأسبوع، إلى حين بلغت سن 18 سنة، حينها طلب منا مغادرة المركز إلى أحد المساكن التي توفرها الدولة، هناك أمضيت شهرين بعدها طلبوا مني المغادرة لأجد نفسي في الشارع دون أي مأوى”.

“نسرق لنأكل” لم يكن الحلم ورديا كما توقعوا، هنا بدأت مأساة ثانية، احتجاز وسجن، حتى بعض من يحالفهم الحظ بحجز أماكن لهم في مراكز الإيواء، يجدون أنفسهم مرميين في الشارع بمجرد بلوغ سن الثامنة عشرة.

حميد الذي أصيب بضربة سكين شوهت وجهه قبل شهرين من لقائنا به خلال عراك مع أقرانه، أكد أنه ما إن بلغ سن الثامنة عشرة حتى باتت حياته مأساوية جدا؛ إذ تم طرده من المركز ليجد نفسه في الشارع دون مأوى أو عمل أو أي ملاذ يلجأ إليه.

وخلال مدة بسيطة، دخل السجن أكثر من مرة، وحين سؤالنا حول سبب اعتقاله قال: “أسرق لآكل، ولهذا يقبض عليّ مرارا وتكرارا”.

وأضاف: “منذ أن أتممت 18 سنة وأنا أعيش في عذاب قاس جدا، الحياة مريرة هنا ولا وجود لأي عون أو سند”، موردا: “هنا أدمنت على المخدرات وصار لزاما عليّ أن أسرق لألبي حاجات إدماني أيضا، أسرق لأعيش”.

وأردف حميد وعينياه تدمعان: “المرة الأخيرة التي سجنت فيها كانت قاسية جدا، كنت أطلب منهم ترحيلي إلى المغرب من شدة ما قاسيت خلاله؛ إذ لا أجد لا مأكل ولا سجائر، وحتى ملابسي لا أستطيع تغييرها نظرا لعدم توفري على غيرها”، مؤكدا: “السجن هنا صعب جدا”.

مراكز القاصرين وفقا لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة، فإن عدد الأطفال المغاربة داخل تراب الجارة الشمالية يصل إلى تسعة آلاف، أي ما يعادل 68 في المائة من إجمالي القاصرين الذين يوجدون في أوروبا.

وبحسب تقرير سابق لمكتب المدعي العام الإسباني، فإن المملكة الإيبيرية استقبلت أزيد من اثني عشر ألف قاصر أجنبي سنة 2019، وتراجع الرقم إلى 9030 قاصرا أجنبيا عام 2020، 60 في المائة منهم أطفال مغاربة.

تؤكد إسبانيا أنها تتوفر على مراكز لإيواء الأطفال غير المصحوبين.

خلال تواجدنا بمدريد، حاولنا زيارة أحد هذه المراكز، لكن تم إعلامنا بأن المهمة شبه مستحيلة، وتتطلب تصريحا حكوميا الحصول عليه يستمر لأشهر طويلة، إلا أننا استقينا ردا شبه حكومي على الانتقادات الموجهة لهذه المراكز.

التقينا خوان مانويل مونيوس استيفان، الناطق الرسمي باسم الشبكة الإسبانية للهجرة ومساعدة اللاجئين المكلفة بإدارة هذه المراكز على مستوى مدريد، الذي قال إن منظمته انضمت إلى الاتفاقية الإطار الخاصة بتوزيع القاصرين الأجانب الخاضعين للوصاية.

وأضاف في حديث لهسبريس أن “هؤلاء القصر، في الغالب، يحملون الجنسية المغربية بسبب القرب الجغرافي بين إسبانيا والمغرب وتيارات الهجرة الموجودة حاليا”.

وأكد استيفان أنه حين وصول هؤلاء الأطفال، يتم إجراء أول استقبال لهم في أحد مراكز الإيواء الواقعة بمحافظة الأندلس أو بمناطق أخرى مجاورة، وقال: “معظمهم يريد الوصول إلى مدن كبيرة مثل مدريد أو برشلونة؛ إذ يعتقدون أن هناك المزيد من الفرص لتحقيق الاندماج الاجتماعي، لاسيما أنهم يأتون دائما بحثا عن مساعدة لأسرهم وعمل لأنفسهم قصد تحقيق الاستقرار في إسبانيا والتمكن من العيش بكرامة”.

وأشار المتحدث إلى أنه عند وصول هؤلاء القصر إلى مدريد يدخلون مركزا آخر، ويتم استقبالهم لاحقا من قبل هيئات خاصة.

وتابع: “نحن نقوم بعمل متكامل، لاسيما أنهم يأتون دون معرفة مسبقة باللغة الإسبانية ودون علم بالإجراءات القانونية التي يجب القيام بها.

نحاول منذ اللحظة الأولى معرفة ما إذا كانوا قد تلقوا تكوينا في بلدهم وما إذا كانوا قد درسوا وإلى أي مستوى.

ونعمل أيضا على وضع خطة عمل تهدف إلى الوقوف بجانبهم قصد تحقيق أهدافهم المستقبلية، لاسيما في ظل تأرجح اختياراتهم بين العمل في البناء واستكمال الدراسة في الجامعة والحصول على وظيفة سريعة لمساعدة أسرهم”.

وأشار المسؤول الإسباني إلى أنه من جانب آخر، يتم العمل على إقامة دورات تكوينية لصالح هؤلاء القصر بغرض إدماجهم في سوق الشغل، و”نقدم لهم أيضا الرعاية الصحية والنفسية في حالة ما تعرضوا لأي نوع من الصدمات أو المشاكل خلال رحلة الهجرة، بتعاون مع سلطات محافظة مدريد، ونوفر لهم الحد الأدنى من المتطلبات قصد عيش حياة كريمة، من خلال دفع مصروف الجيب لكل واحد منهم بشكل أسبوعي.

ونتكلف بأداء نفقات ممارسة الرياضة داخل قاعات مخصصة لهذا الغرض لفائدة الأطفال الراغبين في ذلك”.

انتقادات للمراكز رغم ما يقال، فحتى مراكز الاستقبال والإيواء تلقى نصيبها من الانتقاد.

أصوات مختلفة تنقد انتهاكات تحدث بها، ومطالب بتوفير حماية أكثر لأطفال صغار كانت الغربة نصيبهم ومأواهم.

هسبريس التقت ساندرا كاياردو، الناطقة باسم مرصد حقوق الإنسان في الهجرة، التي أكدت أن “هناك شكاوى يتقدم بها المهاجرون على خلفية الاعتداءات التي تطالهم داخل مراكز الإقامة المؤقتة”.

وقالت: “في بعض الحالات، يتعرض المهاجرون لعقوبات شبه سجنية داخل مقرات الإيواء، ويمكن القول إنها مراكز للاعتقال حيث تنهك حقوق الإنسان والبروتكولات التي ينص عليها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، كما تنهج سياسات لا تأخذ بعين الاعتبار ثقافة الآخر.

المؤسف في الأمر هو أن السلطات القضائية بإسبانية نادرا ما تستحضر هذا كله”.

من جانبه، قال بيبي ميخيا، صحافي مختص في قضايا الهجرة: “في مراكز القاصرين تسجل حالات اعتداءات جنسية، وهناك أيضا عمال أمن خاص متعاقدون مع الإدارة الإسبانية هم في أغلب الأحوال ليسوا مؤهلين ويفتقرون إلى أساليب التعامل مع القاصرين في ظروف خاصة”.

وأضاف ميخيا في حديث لهسبريس أن “عمال الأمن الخاص يعيشون ظروفا هشة ويتقاضون رواتب هزيلة، لكنهم ملزمون بتلقي دورات تكوينية وتدريبات في الشقين النفسي والتربوي لفهم كيفية التعامل مع القاصرين غير المصحوبين”.

وتابع: “هناك جانب آخر يجب الانتباه إليه، هو أن مراكز الإيواء التي يتواجد فيها هؤلاء القصر تقع غالبا وسط أحياء سكنية.

وبالتالي، فهي ليست كيانات معزولة، بل أماكن عامة ذات بيئة اجتماعية.

لكن الملاحظ هو أنه لا توجد خطط ولا يوجد عمل داخل هذه البيئة الاجتماعية، كما يغيب التنسيق مع مجالس المدن أو مع منظمات المجتمع المدني أو الجمعيات التي تعنى بقضايا المهاجرين القادمين سواء من المغرب أو أمريكا اللاتينية”.

نقلنا هذه الاتهامات إلى استيفان، الذي رد عليها بالقول: “منظمتنا تصر على إعمال حقوق الإنسان منذ تاريخ شروعها في العمل سنة 2018.

خلال هذا العام عانت إسبانيا موجة نزوح القاصرين، الأمر الذي أدى إلى حدوث اكتظاظ داخل مراكز الإيواء بمختلف المحافظات المتواجدة داخل التراب الإسباني.

مثل هذه الوقائع لا نريدها أن تتكرر، خاصة ظاهرة الاكتظاظ التي تشهدها المقرات التي تتولى مهمة رعاية القاصرين”.

وأضاف: “أمام هذا الوضع، عملت محافظتي الأندلس ومدريد على استثمار المزيد من الأموال العامة قصد حل هذه المشكلة.

واعتبارا من عام 2018، لم نعد نرى مشكلات من هذا النوع.

وفي مركزنا يتم الامتثال للقوانين المعمول بها، واليوم لا وجود لحالات انتهاكات لحقوق الإنسان.

بالعكس، هناك استجابة شاملة لاحتياجات الأطفال القاصرين ضمن خطة عمل مشتركة”.

وأردف: “هنا في محافظة مدريد نقوم بعمل جيد للغاية نظرا لوجود ثروة اقتصادية كافية تسمح بتوفير ما يلزم من الموارد، ولست على دراية بما يحدث في باقي المحافظات.

الحقيقة هي أنه يمكننا اليوم أن نقول إن هناك تزايدا ملموسا في أعداد القاصرين الذين يصلون إلى إسبانيا، ولكن في الوقت نفسه يتم توفير الاحتياجات اللازمة للجميع.

نراهن دائما على العمل في إطار ديناميكيات المجموعات الصغيرة”.

وواصل بالقول: “نحن نؤمن بفكرة أن الأطفال يجب أن يعيشوا داخل منازل مخصصة لعشرة أشخاص على الأكثر ولا نؤيد النزل الكبيرة حيث يعيش 40 أو 50 طفلا.

نعتقد أنه على المدى المتوسط​​ ستعمل باقي المراكز على استيعاب هذه الديناميكية؛ لأن الأعداد الصغيرة من القاصرين تساعد على خلق جو عائلي، فعندما تعمل مع 40 أو 50 طفلا في ملجأ، فإن العلاقات الإنسانية تضيع ويشعر الأطفال كما لو أنهم في بيئة تتبدد فيها كل مكونات الشخصية.

لذا، فمنظمتنا دائما تؤيد العمل مع مجموعات صغيرة لتجنب المواقف غير المواتية”.

قوانين صارمة توصف القوانين الإسبانية في التعامل مع المهاجرين بالصارمة.

وحسب تأكيدات نشطاء هنا، فالقاصرون يعتبرون إسبانيا مجرد نقطة عبور إلى بلدان أوروبية توفر حماية أكثر.

التقينا إل بابلو ساينز، محام مختص في قضايا الهجرة، الذي أكد أن “القوانين الإسبانية المتعلقة بالهجرة هي في الأساس عقابية ولا تساعد على اندماج الأفراد المهاجرين، لاسيما أنها تلقي باللوم على الأشخاص الذين اختاروا إسبانيا بلدا للإقامة وتجرمهم.

وفيما يخص ملف الأطفال القاصرين، فالأمر يعد أكثر خطورة؛ إذ يعاملون كما لو أنهم أشخاص بالغين ويتم إدخالهم إلى مراكز للإيواء لا تستوفي الشروط الإنسانية”.

وقال ساينز إن “بعض هؤلاء الأطفال يغادرون دور الإيواء بدون وثائق تثبت هويتهم، ويلجؤون إلى ممارسة أفعال إجرامية والعيش في الشارع.

عناصر الأمن تقوم باعتقال البالغين منهم بغرض ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، وقد جرى تسجيل حالات لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بهذا الخصوص”.

وشدد المحامي ذاته على أن “القوانين المتعلقة بالأجانب تسعى إلى تجريم ومطاردة المهاجرين غير النظاميين عوض السهر على ضمان حقوقهم الأساسية أسوة بباقي المواطنين وتمكينهم من إيجاد عمل يساهمون من خلاله في بناء المجتمع المستضيف”.

السياسيات العمومية مطالب عديدة بتغيير السياسات العمومية الموجهة إلى هؤلاء الأطفال.

فرغم أن إسبانيا تعلن أن كل الجهود تبذل من أجل صون حقوقهم، إلا أن الانتقادات تتعالى وتزداد يوما عن يوم.

وقال ساينز إن “الحل مرتبط بتمكين المهاجرين من حقوقهم الأساسية كالتعليم والصحة والعمل والتجول بحرية.

حين يتم تمتيع المهاجرين بهذه الحقوق، ستمضي الأمور بشكل أفضل في المجتمع”.

وتابع بأن “أساليب المطاردة والتجريم تولد فقط الاستياء والحقد في صفوف الأطفال القاصرين الذين لم يبق لهم سوى اللجوء للعيش في الشارع (…) أنا شخصيا عانيت من هذا الأمر لمدة خمس سنوات كنت لا أتوفر فيها على أوراق ثبوتية.

حين تجد نفسك في الشارع، فإنك تلجأ إلى أفعال لا إنسانية من أجل البقاء.

وعندما لا يجد المهاجر عملا يقوم به، فإنه يقبل بممارسة أنشطة غير قانونية، أحيانا لا يعشقها، بأقل الأثمان”.

إعادة إلى المغرب بتنسيق مع المغرب، بدأت إسبانيا عملية إعادة القاصرين غير المصحوبين المتواجدين على أراضيها، وتطالب الرباط المصالح المركزية الإسبانية بالعمل على إيفاد الأطفال القاصرين عبر مجموعات، كل مجموعة تضم 15 فردا.

في هذا الإطار، قال محمد المرابط، فاعل جمعوي بإسبانيا: “نحن بصدد ظاهرة جديدة يعيشها المجتمع المغرب، والمفروض أن تتجند جميع الفعاليات والمؤسسات لإيجاد حل لموضوع القاصرين.

بالنسبة للمغرب، الإنجازات الكبرى التي يفتخر بها يجب أن تكون في القضايا الاجتماعية والتربوية، وليس البحث عنها في السياسات والشراكات الأمنية مع الدول الغربية”.

وشدد المرابط على أن “هجرة القاصرين هي ظاهرة ينفرد بها المغرب عالميا، وهي وصمة سوداء سواء للدولة المغربية أو حتى للمجتمع”، مؤكدا أنها “عرت وكشفت عورة المغرب عالميا، ويظهر أن المجتمع المغربي هو مجتمع ممزق ومفكك”.

واعتبر المرابط أن “معالجة الظاهرة هي في ترحيل هؤلاء الأطفال من جديد إلى المغرب”، مشددا على أن “الترحيل لا يمكن أن يكون قسريا، بل في إطار خطة بيداغوجية اجتماعية وسيكولوجية والقيام بمصالحة مع المجتمع من جديد”.

ونبه الفاعل الجمعوي ذاته إلى أنه “لا مستقبل للقاصرين في أوروبا.

هم مهمشون ويتجهون دائما نحو الجريمة والانحراف؛ إذ بحسب إحصائيات الاتحاد الأوروبي، فإن أغلبية نزلاء السجون الساحقة في أوروبا هم مغاربة، وهذا له معنى في الموضوع”، متابعا بأن “المغرب أصبح يصدر مشاكله الاجتماعية إلى أوروبا، وقد آن الوقت لنقول كفى”.

نماذج للنجاح رغم ما يحمله الملف من مأساة كبرى، استطاعت هسبريس التعرف على نماذج قدموا إلى إسبانيا أطفالا قاصرين وتمكنوا من اجتياز مرحلة مراكز الإيواء بنجاح، واليوم يجاهدون لتحقيق أحلام كانت إلى وقت قريب غير ممكنة التحقق.

من هؤلاء، عادل الشعرة، الذي قدم إلى إسبانيا عام 2020 سباحة من الفنيدق إلى سبتة، ثلاث ساعات في البحر قبل أن يبلغ بر الأمان وتنطلق رحلته في مراكز الإيواء.

اليوم، الشعرة استفاد من حوالي خمس دورات تكوينية في مهن مختلفة، وحصل على عمل، ناهيك عن التدريب في مجال كرة القدم واللعب مع فريق معروف بالمدينة.

استقبلنا الشعرة بشقته التي منحتها له حكومة مدريد عقب نهاية مرحلة المراكز وإتمام سن 18 سنة، وقال في لقائه مع هسبريس: “تمكنت من تحقيق حلمي باللعب في فريق لكرة القدم واستطعت العمل وضمان قوت يومي وكلي آمال اليوم بإتمام مساري التكويني ومساعدة أسرتي”.

من هؤلاء القاصرين اليوم من اجتاز المرحلة وبات يد عون لقاصرين آخرين.

جمعية اكسمينورس أسسها من بلغوا الحلم وباتوا سندا لغيرهم.

أسامة مزري، الذي قدم هو الآخر مهاجرا بطريقة غير نظامية في سن صغيرة، هو اليوم عضو في الجمعية التي تقدم يد العون للمهاجرين “الحراكة”، وخاصة الشباب الذين بلغوا 18 سنة فما فوق.

قال مزري: “نحاول أن نساعد هؤلاء الأشخاص حتى لا تعترضهم الصعوبات نفسها التي واجهتنا نحن، وأن نسهل عليهم طريقة الحصول على أوراق رسمية للإقامة”.

أمان واحدة لهم الأماني نفسها: الهروب من الفقر والظروف غير الإنسانية للعيش بكرامة، ولقاء آبائهم وأمهاتهم على قيد الحياة.

لخص عمر أحلام كل الأطفال الذين قابلتهم هسبريس بالقول: “أمنيتي الوحيدة هي أن أنقذ نفسي وعائلتي من مستنقعات الفقر المدقع، وأن أعود إلى بلدي وأجد أمي على قيد الحياة حتى وإن لم أتمكن من تحقيق ذاتي فعلى الأقل أن تظل هي حية”.

وتابع والدموع تنهار على وجهه: “كل يوم أسمع نبأ وفاة أم أو أب أحد أصدقائي، أموت خوفا وأهرع لمحادثي والديّ والاطمئنان أنهما لا يزالان على قيد الحياة”، مؤكدا أن “الغربة صعبة جدا لا يحتملها الجميع، هناك من فقد عقله هنا وآخرون لا يعيشون إلا بالمخدرات، فلا يحتمل هذه الآلام إلا من له قلب شديد”.

ركب أمواج الهجرة فاعلون متعددون، وكثر الحديث عن فضاء الإنسانية حيث لا تفاضل ولا تمييز إلا بالعقل.

أما واقع الحال فيقول إن صرخة القصر المغاربة مازالت مدوية تنادي بالكرامة والحرية والعيش الكريم.

والبحث عمن يستحق الإصغاء مازال قائما لا يعرف للنهاية طريقا.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 سنوات | 23 قراءة)
.