البكاء: لماذا نذرفُ الدموع؟

متى بَكيتَ آخر مرّة؟ طرحتُ هذا السؤال على عددٍ من الشباب في لندن، وأطرحُه عليكَ اليوم، أيها القارئ.

"قبل شهر تقريباً"، تجيب ليلى من سوريا.

"لا أذكُر، كنت صغيراً"، يردّ محمّد من مصر.

بينما يخبرنا جوليان من لبنان أن آخر مرّة ذرف فيها الدموع كانت بسبب انفجار مرفأ بيروت، ولكن بعد ثلاثين يوماً على الفاجعة.

تتفاوت طريقة تعاملنا مع الحوادث والمشاعر التي تغمرنا، لكن البكاء وظيفة طبيعية ليست غريبة عن طرق تعبيرنا كبشر.

تختلف طريقة بكائنا أيضاً، ثمة من يشهق وينتحب بصوت عالٍ، وثمة مَن يبكي بصمت.

البكاء في النهاية التعبير الأول لأي إنسان يفتح عينيه على هذا العالم.

هناك ثلاثةُ أنواع من الدموع لدى الإنسان: -الدموع الأساسية: تفرزها العين باستمرار للحماية من الجفاف.

-الدموع الانعكاسية: تُفرز عند التأثر بعوامل خارجية، مثل تقطيع البصل أو الغبار.

-الدموع العاطفية: وهي نتيجة رد فعل على المشاعر المتنوّعة.

وقد وجد العلماء في هذه الدموع مواد كيميائية تعنى بالتوتر، وبالتالي هناك احتمال لربط هذه الدموع بالتخفيف من التوتر.

الدموع الانعكاسية والعاطفية تُنتجها الغدة الدمعية فوق العين، فتخرج الدموع من قناتين إمّا إلى الأنف، أو إلى الخارج، على الخدين.

الدراساتُ العلمية عن البكاء ضئيلة رغم الكتابات الشعرية والأغاني والأعمال الفنية الكثيرة عنه.

عالم النفس الإكلينيكي البروفيسور آد فينغرهوتس من القِلّة التي تخصّصت في هذا المجال، ولذلك أُطلق عليه لقبُ "بروفيسور البكاء".

سألناه إن كان ذرفُ الدموعِ مفيداً للصحة، فقال: "لا أعتقد أنه ينبغي البحث في وظيفة البكاء في المجال الصحي.

يجب في الواقع النظر في الموضوع من منطلق العلاقات بين الأفراد.

فالبكاء إشارة إلى الآخرين أنك في حاجة إليهم، وفي السياق هذا يُمكن أن يكون البكاء مفيداً للصحة".

تشدّد نهى من اليمن، على فكرة تطبيع البكاء، وتقول إن البكاء أكثر من اللزوم فكرة خاطئة.

وبالتالي تعتبر أن كل إنسان يجب أن يبكي حين يشعر بالحاجة إلى ذلك، "لأن للتعبير عن مشاعرنا أثراً إيجابيّاً في صحتنا النفسية".

أمّا لولا، من اليمن أيضاً، وأمٌّ لثلاثة أطفال، فتكشف في حديثها أنها في المرحلة الأولى من حَملها كانت تبكي أكثر من العادة، كذلك الأمر خلال فترات الدورة الشهرية.

وتضيف: "كلّما تقدّمت في العمر، باتت لدموعي قيمة أكبر.

" الواقع أن نسبة البكاء بين الناس تتفاوت: هناك مَن يبكي كثيراً، ومن لا يبكي أبداً، أو من يمنع نفسه عن البكاء.

هذا التفاوت تحدّده عوامل وراثية، الصدمات، الهُرمونات، عوامل ثقافية واجتماعية، استخدام موادّ وأدوية، وبعض الأمراض.

خلال لقاءاتنا والشباب في لندن، تكرّرت فكرة بكاء الرجل.

تخبرنا مريم من المغرب إنها معتادة سماع عبارات مثل "الرجل لا يبكي"، أو "كن رجلاً ولا تبكِ".

تذكر لولا العبارات نفسها أيضاً وتتذكر ضاحكةً أنها فرحت حين رأت للمرّة الأولى رجلاً يبكي، لإحساسها أن لديه مشاعر.

بحسب دراسات أجراها البروفيسور فينغرهوتس وآخرون، تبكي النساء أكثر من الرجال فعلاً.

ولا يعود السبب حصراً إلى ضغطٍ يمارسه المجتمع على الرجل كي لا يبكي، إنّما أيضاً إلى عنصر بَيولوجي، إذ يسهم الهرمون الجنسي الرئيسي لدى الذكور التستوستيرون في تقليل إفراز الدموع، بعكس هرمون البرولاكتين الذي ينتَج بكمية أكبر لدى النساء.

بناءً على ذلك يربط البروفيسور الهولندي ارتفاع نسبة البكاء لدى الرجال مع تقدّمهم في العمر، بتراجع نسبة هرمون التستوستيرون في أجسامهم.

ويلاحظ فينغرهوتس بناءً على نظرة إلى تاريخ الحضارات، أن الأبطال في الروايات والأساطير يبكون هم أيضاً، ومن دون أن يؤثر ذلك أبداً في صورتهم أو "رجولتهم".

ويشير إلى أن فكرة تقبّل بكاء الرجل تبدّلت عبر الزمن واقترنت بمكانة الشخص الاجتماعية، والتيارات الثقافية والشعرية والخلفيات الدينية أحياناً.

البروفيسور فينغرهوتس سأل خلال إحدى دراساته عن شعورِ المرء بعد البكاء، واكتشف أن 50% من المستطلَعين شعروا بتحسن بعد ذرف الدموع، وأنّ 40% لم يَلحظوا أي فرق، و 10% شعروا بأن وضعَهم قد تراجع.

دفعه ذلك إلى استنتاج أن شعور ما بعد البكاء تحدده ثلاثة عناصر أساسية: وضع الإنسان النفسي، سبب البكاء، وردُّ فعلِ البيئة حيال من يذرف الدموع.

وبحسب علم النفس، ليس مهماً فعلاً إن كنّا نبكي أو نكبت مشاعرنا، إلّا في حال كان انهمار الدموع أو غيابها يؤثر سلباً في حياتنا اليومية وصحتنا النفسية، لأن طرق تعاملنا مع الصدمات وأحداث الحياة تختلف كثيراً.

رغم ذلك، يقول فينغرهوتس: "من المهم أن نقدر على البكاء، لأن الدموعَ نوعٌ من التواصل بين البشر.

وقد يكون تأثيرها أقوى بكثير من الكلام.

" هذا المقال من سلسلة "لم لا؟" عبر بي بي سي عربي وهي مجموعة مقالات وفيديوهات تفسيرية تطرح موضوعات تثير فضول الشباب في مجالات التعليم والصحة النفسية والاستدامة.

© 2024 بي بي سي.

بي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية.

الوكالات      |      المصدر: بي بي سي    (منذ: 2 سنوات | 14 قراءة)
.