الحوار والانقسامات في السودان

الحوار والانقسامات في السودان

تواجه عملية الحوار السوداني التي تقودها الآلية الثلاثية الدولية عقبات كثيرة جدًّا على رأسها حدة الانقسامات بين مكونات المجتمع السوداني من ناحية والأحزاب والتيارات السياسية من ناحية أخرى.

وعلى الرغم من نجاح وساطة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيجاد في الحوار التمهيدي بلقاء معظم ممثلي القوى السياسية والحزبية في السودان إلا أنها فشلت في توحيد هذه القوى خلف أجندة سياسية محددة تخرج البلاد من أزمتها.

ويبدو أن الآلية الدولية توصلت إلى قناعة بأن توحيد هذه القوى بات مستحيلاً، ومن ثم بدأت الحوار على الرغم من وجود خلافات هائلة حوله، وكما تضرب الجائحة البلاد من أقصاها إلى أقصاها تضرب السودان الآن حالة من الانقسامات التي لم تترك فصيلاً واحدًا إلا وأدخلت عليه التشظي والتنافر، وكأن الجميع يتسابق لإظهار استقلاله عن الآخر، فالحركة التي قامت بإشعال الثورة ضد البشير، وهي قوى الحرية والتغيير انقسمت إلى الحرية والتغيير المركزي، والحرية والتغيير الميثاق.

وانسلخ عن المركزي الحزب الشيوعي الذي يعمل بمفرده وتجمع المهنيين ولجان المقاومة.

كما يحاول حزب الأمة القومي أن يكون داخل الحرية والتغيير المركزي، وفي نفس الوقت على علاقة بالمكون العسكري، وعمليًّا لم يتبق إلا حزب المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي وحزب البعث وبعض تنسيقيات الثورة في قوى الحرية والتغيير المركزي.

والغريب أن حزب الأمة نفسه منقسم بين رئيسه ناصر برمه الذي يقدم مبادرة للحل مع المكون العسكري، وابنَي الصادق المهدي (مريم والصديق) اللذين ينحازان إلى رفض أي حوار مع المكون العسكري.

وفي الاتجاه الآخر تتباين الرؤى، وتظهر الانقسامات داخل التحالف الذي يعمل حول المكون العسكري، فبينما تقترب حركتا دارفور العدل والمساواة وجيش تحرير السودان من التطابق مع المكون العسكري، تحاول الجبهة الثورية بقيادة الطاهر حجر ومالك عقار الاقتراب من لجان المقاومة وتنسيقيات الثورة مع الاحتفاظ بمواقعها داخل السلطة.

ووباء الانقسام في السودان لم يترك حتى المكون العسكري والأمني حيث تظهر للجميع الخلافات بين الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حمدتي.

كما أن الحركات المسلحة في دارفور والتي وقَّعت سلام جوبا، وتشارك في الحكم الآن ظهرت لها في دارفور حركات مسلحة جديدة تعارضها وتتمرد على الجيش السوداني، وليس خافيًا أيضًا على المتابع للمشهد السوداني هذا الخلاف بين مالك عقار رئيس الحركة الشعبية قطاع شمال وأمينها العام ياسر عرمان، وهما من انشقا عن حركة تحرير السودان شمال قطاع عبد العزيز الحلو.

ولم يسلم الشرق أيضًا من الانقسامات بين الناظر إبراهيم ترك ومجموعات تنسيقيات الشباب، وقد انعكست هذه الانقسامات على عملية الحوار السياسي حيث قدمت المكونات السياسية السودانية أكثر من 40 مبادرة للحل، وهو ما يعني أن هناك على الأقل 40 وجهة نظر مختلفة لإخراج السودان من أزمته.

ولأن حالة الانقسام هي فيروس يضرب السودان الآن فإن الحركة الإسلامية أيضًا منقسمة على نفسها حيث يعتبر المؤتمر الشعبي أن ما قام به البرهان هو انقلاب قادته عناصر من المؤتمر الوطني (حزب البشير) ويجب إسقاطه وكل ذلك يضاف إلى عودة النزاعات المسلحة بين القبائل العربية والإفريقية في دارفور وفي الجنوب.

الأمر الذي يعني أن أي حوار يجري في الوقت الحالي سيكون مصيره الفشل، حتى ولو كان بإشراف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد.

ومن المعروف أن أي حوار يستلزم الاتفاق على أجندة محددة وعلى أسس إجماع وطني واستراتيجي تقوم بالأساس على فكرة الوطن وتحديد هويته ومهدداته ومواجهة تلك التحديات.

ويبدو أن فيروس الانقسام السوداني قد انتقل إلى الآلية الدولية للوساطة والحوار، وأصابها بالعدوى، حيث دب الخلاف بين ممثلي الأمم المتحدة في الآلية، وممثلي الاتحاد الإفريقي والإيجاد.

إذن هناك تحدٍ كبير بين الحالة السودانية وقواعد الحوار المتعارف عليها عالميًّا.

مصر      |      المصدر: بوابة الأسبوع    (منذ: 2 سنوات | 4 قراءة)
.