دكتور نفساني

دكتور نفساني

هل تشعر أنك سريع الانفعال، لم تعد تتحمل الآخرين، متوتر، غير قادر على الاسترخاء، تأكل بشراهة أو لا ترغب في الطعام، حزين، ترغب في العزلة، زاهد في الحياة، قلق، تبكي بلا سبب، لا تحصل على قدر كافٍ من النوم؟! وهل تأكدت من عدم وجود أسباب عضوية لما تشعر به؟! ينصحك علماء النفس أن تتجه فورا للاستشارة النفسية، فقد يكون اضطرابا نفسيا.

أكاد أرى القارئ مبتسما ومرددا بسخرية: "لو كده يبقى مفيش حد سليم، كلنا مجانين"!!الحقيقة أن مفهوم الطب النفسي يتداخل مع علم النفس لدى عامة الناس، فالطب النفسي Psychiatry فرع من فروع الطب، يهتم بفهم وتقييم وتشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية والعصبية والعقلية، وتشمل المشاعر والسلوكيات والتصورات والإدراك والتفكير -ومخول للطبيب النفسي وصف العقاقير والأدوية- أما علم النفس Psychology فيهتم بالتفكير والشعور والسلوك والتفاعل مع الآخرين والدوافع، والقائم بهذا العمل يسمى عالم نفس، أخصائيا أو معالجا أو مرشدا نفسيا -يُلقَّب بالدكتور لحصوله على الدرجة العلمية وليس بوصفه طبيبا- ولا يكتب وصفات دوائية، وإنما يعتمد فقط على تحليل النفس والاختبارات النفسية والإرشاد والعلاج النفسي، وغالبا يعملان معا إكلينيكيا وسلوكيا لعلاج المريض، فالأول يشخص المرض ويصف العلاج الدوائي، والآخر يعالج الأنماط السلوكية، ويمتزج بهما مفهوم التحليل النفسي Psychoanalsis الذي وضع أساسه فرويد، ويختص بدراسة النفس البشرية والاضطرابات النفسية والسلوكية، ومعرفة دوافعها، وتقويمها، ويُستخدم من قِبل الأطباء وعلماء النفس على حد سواء، وتتباين الأمراض وتتدرج من البسيط مثل فقدان الأمل أو الفزع والقلق واضطراب النوم والهوس إلى المعقد مثل الوسواس القهري والهلاوس البصرية والسمعية، والضلالات والاكتئاب والبارانويا والرهاب والفوبيا والفصام والذهان والعصاب، أو الجنون.

لقد ارتبط العلاج النفسي في أذهاننا كمصريين بالتمدد على (الشيزلونج) و(الفضفضة)، كما اختلط مع التنويم المغناطيسي، نتيجة لما قدمه السينمائيون!! فبعض الأفلام تناولته كوميديا بالسخرية والتهكم مثل مطاردة غرامية للمهندس، وخلى بالك من عقلك لعادل إمام، لكن البعض تناوله بجدية -في حدود الثقافة السائدة وقتئذٍ- مثل فيلم المنزل رقم 13 (محمود المليجي، عماد حمدي، فاتن حمامة)، والليلة الأخيرة (فاتن، محمود مرسى، أحمد مظهر) حينما لجأت نادية برهان للطبيب النفسي في محاولة لفهم وتفسير ما تتعرض له، وبالطبع سعاد حسنى في بئر الحرمان مع المليجي، وأين عقلي مع محمود ياسين ورشدي أباظة، وفيلم أرجوك أعطنى هذا الدواء (نبيلة عبيد، الفيشاوي)، وزبيدة ثروت التي سيطر عليها محسن سرحان -الطبيب المريض نفسيا- في فيلم نصف عذراء، والدويتو الأشهر بين عبد الوهاب وراقية إبراهيم (ماتعرفيش إنى أقدر أقرا أفكارك، ومن عينيك أقدر أقولك كل أسرارك) وسؤالها له: (حكيم روحاني حضرتك؟ طيب اقرالى اللي في قلبي، واحكيلى عليه)، الذي جسد بوضوح وبساطة فكرة العامة عن الطب النفسي وانه قادر على سبر أغوار النفس وخفاياها.

تطور المجتمع وما زال التخوف من اللجوء للعلاج النفسي قائما، فصورته الذهنية لدى الأغلبية مرادفة للجنون، وبعض الطبقات الأقل ثقافة تراه وصمة عار.

إن المجتمع المعاصر يجعلنا أكثر احتياجا لمعالجة نفوسنا مما تتعرض له ويعلق بها من جرّاء ضغوط الحياة وصخبها وصراعاتها اللانهائية، فالنفس كالجسد تتعرض للمرض، فهل يخجل أحد من اللجوء للطبيب لعلاج مرض جسدي؟! فلماذا الاستحياء من طلب العلاج للنفس المثقلة بالهموم؟!

مصر      |      المصدر: بوابة الأسبوع    (منذ: 2 سنوات | 5 قراءة)
.