هذه قصة اكتشاف مسجد أندلسي داخل مزرعة في ضواحي مالقة

قالت سميرة فخر الدين، باحثة في علوم اللغة تخصص مفاوضات بلغات، إن “من أكثر الأشياء إثارة للدهشة في إسبانيا هو أننا لا نتوقف أبدًا عن اكتشاف آثار أندلسية جديدة في كل حين”، موضحة أن “الأمر يتعلق هذه المرة بمكان ما زال لم يحظ بدعاية كافية في عالمنا العربي، بل قلة قليلة من تعرفه حتى في أرض الاكتشاف، حيث تم في إسبانيا، في مقاطعة مالقة، العثور على مسجد غابر بين جدران إحدى المزارع”.

وأضافت المتحدثة، في مقال لها بعنوان “مسجد أندلسي مُكتَشف داخل مزرعة في مالقة”، أن “الأمر يتعلق بأكبر مسجد ريفي في إسبانيا، شَيَّدَهُ الخليفة عبد الرحمن الثالث، أمير المؤمنين أبو المُطرف عبد الرحمن الناصر لدين الله (891 م/ 961 م)، وتم تأريخ بناء هذا المسجد على مرحلتين، واحدة في نهاية القرن التاسع وأخرى في العقد الثالث من القرن العاشر”، مشيرة إلى أنه “يتمركز على وجه التحديد في قلب المحيط الريفي الفاصل بين بلديتي أنتقيرة وكامبيوس، في منطقة فلاحية ذات كثافة سكانية منخفضة نظرا لطابعها الريفي، فظلت آثاره آفلة مُتوارية عن العيون لعدة قرون”.

وهذا نص المقال: إن من أكثر الأشياء إثارة للدهشة في إسبانيا هو أننا لا نتوقف أبدًا عن اكتشاف آثار أندلسية جديدة في كل حين، ولا نتوقف عن الافتتان بالزوايا المُكتَشَفَة حديثا، واستشفاف أهميتها كإطارات مرجعية تأريخية تنجلي يوما بعد يوم لتُزيل الغطاء عن حلقة أندلسية مفقودة.

يتعلق الأمر هذه المرة بمكان ما زال لم يحظ بدعاية كافية في عالمنا العربي، بل قلة قليلة من تعرفه حتى في أرض الاكتشاف، إسبانيا.

في مقاطعة مالقة، تم العثور على مسجد غابر بين جدران إحدى المزارع وهذه قصته.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} يتعلق الأمر بأكبر مسجد ريفي في إسبانيا.

شَيَّدَهُ الخليفة عبد الرحمن الثالث، أمير المؤمنين أبو المُطرف عبد الرحمن الناصر لدين الله (891م/ 961م).

تم تأريخ بناء هذا المسجد على مرحلتين، واحدة في نهاية القرن التاسع وأخرى في العقد الثالث من القرن العاشر.

منذ عام 1552 تم دمج بقايا المسجد ضمن هيكل بنائي مُستحدَث ليُصبِحَ جزءاً لا يتجزأ من مزرعة ريفية.

اختفى أثره السالف وطُمِسَت ملامحه المعمارية الجوهرية المتأصلة ضمن الهندسة المعمارية للبناية المُستَجدة المخصصة آنذاك كمزرعة.

مثيرة للانتباه التسمية الإسبانية التي أُطلِقَت على هذه الأخيرة منذ ذلك الحين ألا وهي “كورتيخو دي لاس مسكيتاس”، وتعني “مزرعة المساجد”، وهي إحالة واضحة على ماضي المكان وعلى الدور الذي لعبه في العصر الأندلسي كفضاء عبادة إسلامي.

خلال القرنين التاسع عشر والعشرين تم توسيع المزرعة وتشييد ملحقات متعددة: فناء جديد وإسطبلات ومساكن إلى أن هُجِرَت بشكل نهائي في عام 1984.

يقع المسجد في مقاطعة مالقة.

يتمركز على وجه التحديد في قلب المحيط الريفي الفاصل بين بلديتي أنتقيرة وكامبيوس، في منطقة فلاحية ذات كثافة سكانية منخفضة نظرا لطابعها الريفي.

للسبب ذاته، ظلت آثاره آفلة مُتوارية عن العيون لعدة قرون.

معلمة ذات أهمية ثقافية اكتُشِفَ المسجد سنة 2006 على يد المؤرخ كارلوس غوثالبيس كرابيوتو عندما لاحظ وجود أقواس على هيئة حذوة حصان أندلسية الطراز داخل المزرعة التي يملكها خوسي ماريا ألكالدي.

في العام نفسه، وعلى إثر نشر أول مقال تعريفي بالمكان، قامت مؤسسة مجلس إقليم أندلوسيا بتسجيله كمعلمة ذات أهمية ثقافية في 30 ديسمبر 2008.

تتولى مؤسسة “فاكنا” المعمارية الإسبانية مسؤولية الحفاظ على المسجد، وتعمل حاليًا على البحث عن الوسائل اللازمة لإعادة تأهيل هذه البناية العتيقة بشكل يناسب ماضيها الأندلسي.

كما نظمت عدة هيئات ثقافية ندوات علمية لبعث المسجد المُكتَشَف من ميراثه الدفين والتعريف بتاريخه، ورفع مستوى الوعي بقيمته الثقافية والتراثية؛ كان آخرها ندوة علمية في شهر أكتوبر الماضي ببلدية كامبيوس بحضور علماء آثار ومتخصصين في الدراسات المعمارية.

عمارة المسجد المُكتَشَف على الرغم من أن المسجد المُكتَشَف لا يزال إلى يومنا هذا قيد الدراسة والتقصي والبحث، فإن المعاينات الأولية والتقارير الصحفية والبحثية الابتدائية تَكشِفُ أننا أمام مسجد يَستَجيب بشكل مُتكامل لأركان وشروط عمارة المساجد الأندلسية.

يتكون هيكل البناية من جزأين متساويين متمايزين بشكل واضح: قاعة صلاة مغطاة، وفناء أو صحن مكشوف رباعي الزوايا يبلغ طول ضلعه حوالي ثلاثين مترًا، وسور وثيق طوق قديما المحيط بأكمله، مما يشير إلى الأهمية التي كان من الممكن أن يتمتع بها هذا الفضاء الديني في العصر الأندلسي.

تنتظم قاعة الصلاة في ثلاثة أروقة موازية لجدار المحراب وثمانية أروقة متعامدة معه.

تتسع مساحتها لاستيعاب حوالي سبعمائة وأربعين مصليا.

كثيرة هي الفرضيات التي تَحوم حول ظروف تشييد المَسجِد بالمنطقة.

يعزو البعض نشأته في عين المكان إلى رغبة عبد الرحمن الثالث تأسيس مدينة جديدة جنوب قرطبة، مشروع لم يتم تنفيذه في النهاية.

على الصعيد الفني، تتزين المَعلَمَة المُكتَشَفَة بعدد كبير من أقواس “حذوة الحصان”، المعروفة أيضا باسم أقواس “ثقب المفتاح”.

وهو نمط أقواس يمكن رؤيته على نطاق واسع في المسجد الكبير في قرطبة.

انتشر هذا النمط من قوس حذوة الحصان في جميع أنحاء الخلافة.

وتم اعتماده لاحقا في عصر ملوك الطوائف، فهو يُجَمِّلُ، على سبيل المثال، المدخَل المُؤدي إلى مسجد قصر الجعفرية في سرقسطة وكذلك أحد أبواب “الصالون الذهبي”.

كما تم تبنيه من قبل الدولة المرابطية، والدولة الموحدية، ومملكة غرناطة.

واعتمد المستعربون هذا النمط من الأقواس في هندستهم وفي المخطوطات المذهبة.

الأهمية الإثنولوجية بالإضافة إلى قيمة المكان التأريخية، يعكس المسجد أيضا قيمة إثنولوجية إذ يُسلط الضوء على المتغيرات المورفولوجية التي يُمكن أن تحدث على مستوى البنايات الأندلسية وكيف تم تطويعها وإعادة توزيعها وتأهيلها لتوافق مصالح تفاوتت وتناقضت على مر الأزمنة، خاصة أن المزرعة التي تضم المسجد تحتوي على آثار متعددة تستحق أن تكون محل دراسة تحليلية مقارنة.

تتألف هذه الأخيرة من مناطق سكنية وتوابع أخرى خاصة بالاستغلال الزراعي لمنطقة محيطة واسعة.

وجود هذه البناية الأثرية يشكل أحد أوضح الأمثلة النموذجية وأكثرها تعليميًا لتكوين مثال حي لإدارة الأرض بشكل مُختلف متفاوت بين هويات ثقافية مُتباينة عاشت بالمكان واستجابت بطريقتها الخاصة لظروف سياسية واقتصادية ودينية متغايرة.

يُفصِحُ المسجد المُكتشف عن تقلب تاريخي لمكان طاف في دوامة الأزمنة ليعود في النهاية إلى أصله، وينبعث حيا من جديد من رماده.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 سنوات | 26 قراءة)
.