ذيل التضخم واهتزاز أركان السياسات «1 من 2»

مع ارتفاع الأسعار في عديد من الاقتصادات المتقدمة، تنهال الانتقادات الشديدة على البنوك المركزية بسبب "تخلفها عن المنحنى" في التعامل مع التضخم.

لكن هذا غير صحيح.

فقد قيدت السياسات الحكومية والاعتبارات الجيوسياسية القائمين على البنوك المركزية ومنعتهم من تطبيع سياساتهم النقدية إلى أن أصبح التضخم أمرا واقعا.

كما اصطدمت ارتباكات سلاسل التوريد الصينية والروسية بالطلب الاصطناعي الذي أنشأته وزارة الخزانة الأمريكية بإرسال أموال مجانية عبر البريد إلى المستهلكين الأمريكيين.

الآن، أصبح المجال المتاح لإحكام السياسة النقدية دون تعطيل الاقتصاد "الذي بدأ يترنح بالفعل تحت وطأة الظروف المالية المحكمة" ضئيلا للغاية.

لكن من المؤكد أن الحيز اللازم لمزيد من إحكام السياسة النقدية كان مفقودا بسبب القرارات التي اتخذها القادة السياسيون.

وهم من يجب أن يتحملوا المسؤولية عن علاج هذه المشكلة، مع الأخذ في الحسبان أن البيئة الاقتصادية في الأمد الأبعد لا تزال تتسم بثلاثة عناصر مؤثرة: الديون المتزايدة، والشيخوخة السكانية، والتكنولوجيات المعطلة المزيحة للعمالة والطلب.

في ظل هذه الظروف، تصبح محاولات إبطاء التضخم المتواصلة أشد خطورة من التضخم العرضي.

بالنظر إلى أحداث الماضي، يتضح لنا أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنوكا مركزية أخرى، أجبرتها القيادات السياسية على تأجيل تطبيع السياسة النقدية "وهو شرط أساسي للاستجابة بفعالية للأزمة التالية" عندما كان الاقتصاد قويا في 2018.

وعندما اندلعت الجائحة، تملك الذعر إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، والكونجرس الأمريكي، فأصدرا التوجيهات إلى وزارة الخزانة لاقتراض تريليونات الدولارات لتمويل "مدفوعات الأثر الاقتصادي" لتحفيز الطلب الاستهلاكي.

ثم في 2021، كررت إدارة جو بايدن الجديدة العملية ذاتها.

اشترى بنك الاحتياطي الفيدرالي سندات الخزانة القصيرة الأجل المصدرة حديثا، وبهذا ارتفعت ميزانيته العمومية إلى أكثر من الضعف على مدار العامين الأخيرين، الأمر الذي أدى إلى زيادة أرصدته من أربعة تريليونات دولار إلى تسعة تريليونات دولار "تسع مرات أعلى من المستوى الذي كانت عليه في منتصف 2008 الذي كان أقل من تريليون دولار".

وكانت العواقب متوقعة.

كما زعم رجل الاقتصاد ميلتون فريدمان، الحائز على جائزة نوبل، فإن التضخم "دائما ظاهرة نقدية وفي كل مكان.

ولا تنتج هذه الظاهرة إلا عن طريق زيادة كمية النقود بسرعة أكبر من زيادة الناتج".

أي أن مزيدا من الأموال التي تطارد القدر ذاته من الناتج والسلع والخدمات يعني ارتفاع الأسعار.

عادة، يستطيع الاحتياطي الفيدرالي أن يرفع أسعار الفائدة، ما يؤدي إلى تهدئة الطلب لفترة كافية للسماح للعرض باللحاق به.

لكن هذه المرة، أدى تقاطع الاعتبارات الجيوسياسية وديناميكيات التعافي من الجائحة إلى ارتفاع الطلب وتأخر العرض.

لحسن الحظ، يشير أحدث البيانات إلى أن التضخم بلغ ذروته مع إنفاق المستهلكين شيكاتهم التحفيزية.

ويجب أن يزداد تراجعا مع قيام الشركات الخاصة بإصلاح سلاسل توريد المنتجات دون انتظار الحكومة.

لكن الآن بعد تكييف السوق أخيرا مع ارتفاع أسعار الفائدة، يتمثل الخطر الأكثر مباشرة في الإفراط في إحكام الأوضاع المالية.

قد يصبح التضخم في طي النسيان قريبا مع سعي البنوك المركزية إلى الإحكام الكمي - بيع الحيازات التي جمعتها بعد 15 عاما من شراء السندات.

من جانبه، يستهدف الاحتياطي الفيدرالي خفضا بمقدار تريليون دولار "أو 11 في المائة" في حيازات الخزانة على مدار العام المقبل.

.

.

يتبع.

خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 2 سنوات | 28 قراءة)
.