هل تشعل "هجرة الشركات" صراعا تجاريا بين دبي والرياض؟

هل تشعل "هجرة الشركات" صراعا تجاريا بين دبي والرياض؟

بدأت بوادر هجرة جماعية للشركات العالمية من الإمارات إلى السعودية تلوح في الأفق، بعد نقل 44 شركة عالمية مقارها الإقليمية إلى الرياض، في وقت يخوض فيه مسؤولون سعوديون محادثات مع 7000 شركة في كافة أنحاء العالم لفتح مقار إقليمية لها في المملكة.

  والأربعاء، سلمت السعودية، على هامش مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، تراخيص نهائية لـ44 شركة عالمية للانتقال إلى المملكة من بينها شركات مقرها الإقليمي في الإمارات، مثل بيبسيكو، وسامسونغ، وسيمنز، وهاليبرتون، وفيليبس، دايمينشن داتا، وبرايس ووتر هاوس.

   ونشر حساب الهيئة الملكية لمدينة الرياض على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قائمة بأسماء الشركات التي نقلت مقارها الإقليمية للرياض، قائلة إن "ذلك يأتي استجابة لمكانة العاصمة السعودية باعتبارها أكبر اقتصادات مدن المنطقة".

    — الهيئة الملكية لمدينة الرياض (@RiyadhDevelop)     وقالت الحكومة السعودية خلال المؤتمر، إنها تستهدف نقل 480 مقرا إقليميا إلى الرياض خلال 10 سنوات، فيما أكد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية أنهم يستهدفون استقطاب 400 أو 500 شركة على المدى القصير، مؤكدا أنه لا يوجد سقف لعدد الشركات المستهدف.

  وأضاف: "كلما زاد عدد الشركات استفادت هذه الشركات واستفادت المملكة من نقل التقنيات والمعرفة والفرص الاستثمارية".

  وفي السياق، قالت ، إن مسؤولين سعوديين دخلوا في محادثات مع 7000 شركة في كافة أنحاء العالم لفتح مقار إقليمية لها في المملكة، مقدمين إعفاءات ضريبية وحوافز متنوعة لتحويل عاصمتهم إلى مركز أعمال عالمي ينافس دبي.

  وقال الرئيس التنفيذي للهيئة، فهد بن عبد المحسن الرشيد، بحسب الوكالة، إن "المنطقة ببساطة لديها إمكانات غير مستغلة وأكبر إمكانات غير مستغلة هي المملكة ومدينة الرياض"، مؤكدا أن الفوائد المباشرة وغير المباشرة من تواجد الشركات (في السعودية) يصل إلى 170 مليار ريال (45 مليار دولار)".

  وقبل أيام، أعلنت استراتيجيتها الوطنية للاستثمار، والتي تهدف من خلالها إلى رفع صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 388 مليار ريال (103.

45 مليار دولار) سنويا، بالإضافة إلى زيادة نظيرتها المحلية إلى 1.

7 تريليون ريال سنويا (453.

6 مليار دولار) بحلول عام 2030.

وأضاف: "سنتأكد من أننا نأخذ حصتنا، والتي ستكون نصيب الأسد من الأعمال في المنطقة"، لافتا إلى أن المسؤولين يتحدثون مع الشركات الكبرى التي تبلغ عائداتها السنوية مليار دولار أو أكثر، بهدف إقناع 480 شركة منها بالتأسيس في السعودية بحلول عام 2030.

وفي شباط/ فبراير الماضي، أعلنت السعودية إيقاف التعاقدات الحكومية مع أي شركة أجنبية لها مقر إقليمي بالمنطقة في غير المملكة اعتبارا من مطلع 2024، معللة ذلك بأنه يأتي لضمان أن المنتجات والخدمات الرئيسية التي تشتريها الأجهزة الحكومية المختلفة، يتم تنفيذها على أرض المملكة وبمحتوى محلي مناسب.

  استياء إماراتي   وتعليقا على هذا القرار، استهجن المسؤول السابق بشركة أدنوك ، جمعة عبيد حمد المهيري، القرار حينها، قائلا عبر "تويتر": "هذا القرار مستغرب من حليف كالسعودية، وستكون نتائجة سلبية".

وأضاف: "معروف أن الإمارات وخاصة دبي تستضيف معظم المكاتب الرئيسية العالمية والإقليمية في المنطقة، الشغلة ليست بالتهديد والترهيب بل بتقديم امتيازات تجذب تلك الشركات لتنقل مقارها الإقليمية للمملكة"، مستطردا: "المفروض نكمل بعضا ولا نكسر بعضا".

  وتعبيرا عن الاستياء الإماراتي من القرار السعودي، انتقد نائب رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان، بشكل غير مباشر القرار، قائلا إن "دبي -موقعا- لم تعد إقليميا على خارطة التجارة، لكنها موقع دولي، 75 بالمئة من واردات دبي يعاد تصديرها إلى دول العالم، وإعادة التصدير تحتاج إلى سلسلة إجراءات هيأت لها دبي وذللت كل الصعاب".

وتابع بأن "دبي تعد موقعا استراتيجيا لمنتجات أكثر من مليارين ونصف، الهند والصين وما جاورهما، وأسواق دبي تراها في أفريقيا وآسيا، أكثر القارات احتياجا للسلع في العالم"، مضيفا أن قرار إلزام بفتح مكاتب لها في المملكة أو مقاطعتها، "قد يضر بدول خليجية أخرى أضعف اقتصاديا بكثير من الإمارات".

فيما قال الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، إن "الشركات والمصارف العابرة للقارات التي تتخذ دبي مقرا منذ 30 سنة لتدير عملياتها وفروعها في 50 دولة من الهند إلى المغرب ومن تركيا إلى نيجيريا، اختارت دبي دون غيرها بسبب نوعية الحياة والميزات التنافسية وبيئة تشريعية واجتماعية وبنية تحتية فريدة ولن تتركها، رغم ذلك مليون أهلا بالمنافسة".

وأوضحت "بلومبيرغ" أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يريد تحويل العاصمة السعودية إلى مركز دولي للأعمال والمواهب؛ وهي دفعة تشكل تحديا متزايدا لدولة الإمارات المجاورة، باعتبار أن دبي كانت القاعدة الإقليمية الرئيسية للشركات العالمية.

  "صراع تجاري"   وحول احتدام الصراع التجاري والمنافسة بين دبي والرياض على استقطاب المقار الإقليمية للشركات العالمية، قلل من أهمية فكرة المنافسة، لافتا إلى أن العديد من الشركات التي يريدون استقدامها ليس لديهم أي قاعدة في المنطقة حتى الآن.

  وأضاف: "الأمر لا يتعلق بدبي.

.

الأمر يتعلق بما نحتاجه هنا، وأنا آسف، إذا كنت ستبرم صفقات بمليارات الدولارات في السعودية، فعليك تدريب موظفينا".

وتتمثل إحدى الحوافز التي تغازل بها السلطات السعودية الشركات العالمية في الاتجاه نحو تحويل مركز الملك عبد الله المالي في الرياض إلى منطقة خاصة ذات وضع خارجي (أوفشور) وحوافز مخصصة لقطاعات مختلفة، إلى جانب تسهيل إجراءات التأشيرات والكفالة للأجانب وعائلاتهم، بحسب "بلومبيرغ".

  ووفقا لوثيقة سعودية، فستمنح الرياض للشركات الأجنبية فرض ضريبة شركات بقيمة صفر بالمئة لخمسين عاما، وإعفاء مدته عشر سنوات من سياسة سعودة العمل لتوظيف سعوديين، ومعاملة تفضيلية في العقود الحكومية.

  وتضع السلطات السعودية حاليا اللمسات الأخيرة قبل إطلاق مركز الملك عبد الله المالي في قلب الرياض، وهو مشروع ضخم يضم عدة ناطحات سحاب بلغت قيمته مليارات الدولارات وتم الإعلان عنه في 2006.

فيما يرى خبراء أن السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، منخرطة بالفعل في منافسة اقتصادية محتدمة مع دبي، بحسب "الفرنسية".

وبجانب إجراءات تحفيز الشركات العالمية على إنشاء مقرات إقليمية في الرياض، غيرت السعودية، في تموز/ يوليو، قواعد الاستيراد من بقية بلدان دول مجلس التعاون الخليجي، لاستبعاد سلع منتجة في مناطق حرة أو تستخدم مكونات إسرائيلية من الامتيازات الجمركية التفضيلية، في خطوة اعتُبرت تحديا لمكانة الإمارات كمركز إقليمي للتجارة والأعمال، وفقا لرويترز.

وتستبعد القواعد التجارية السعودية الجديدة من الاتفاق الجمركي لمجلس التعاون الخليجي، سلع الشركات التي تقل نسبة العاملين المحليين فيها عن 25% من قوة العمل، الأمر الذي يعد مشكلة لبلد مثل الإمارات، حيث إن معظم السكان من الأجانب.

وتنص القواعد الجديدة أيضا على أن كافة السلع المنتجة في المناطق الحرة بالمنطقة لن تعتبر محلية الصنع، وهو ما يمثّل ضربة للإمارات التي تعد المناطق الحرة من المحركات الرئيسية لاقتصادها.

    "إنذار نهائي"   وفي تصريحات سابقة لـ"عربي21"، قال الخبير الاقتصادي، عمرو السيد، إن قدرة السعودية على انتزاع تاج العاصمة الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط يتوقف على المقومات والمتطلبات التي ستوفرها الرياض لإقناع الشركات الدولية في نقل مقراتها الإقليمية، سواء على صعيد الحوافز والمزايا التي ستقدمها للشركات أو على صعيد البنية التحتية والقوانين والأنظمة وسهولة الأعمال والشفافية، التي تخلق بيئة استثمارية جاذبة.

ولفت السيد إلى أن عوامل جذب الشركات العالمية لنقل مقراتها الإقليمية للرياض لا تتعلق فقط بالبيئة الاستثمارية، بل أيضا بالبيئة الاجتماعية ونمط الحياة الذي يتلاءم مع المدراء التنفيذيين وكبار الموظفين الأجانب بالمقرات الإقليمية لهذه الشركات.

وأضاف: "دبي تقدم نمط حياة اجتماعيا وترفيهيا، يتناسب مع هؤلاء من حانات ونوادٍ ليلية وخلافه.

.

فهل ستقدم الرياض تنازلات في كسر نمط الحياة المحافظ في سبيل استقطاب المقرات الإقليمية للشركات الدولية؟".

وأكد الخبير الاقتصادي، أن القرار السعودي يشكل بلا شك تحديا كبيرا للإمارات، مرجحا أن تسعى دبي بكل قوة، في سبيل الحفاظ على تاجها، إلى إجهاض هذا القرار أو الحيلولة دون نجاحه بالقدر الذي تطمح الرياض في تحقيقه، سواء بتقديم مزايا وحوافز أكبر، أو باستخدام أسلوب الضغط على هذه الشركات كما فعلت السعودية.

ويتوقع السيد أن "تسعى الشركات الدولية لاستغلال هذه المنافسة لصالحها في الحصول على امتيازات أكثر من الطرفين، وقد يتم التوصل في النهاية إلى حل وسط يرضي الطرفين، كأن يتم نقل المقرات الإقليمية للرياض بشكل صوري، أو يتم تقسيم الشركات حسب نوعية نشاط الشركة، وخاصة الشركات التي لها ارتباطات تعاقدية مع الحكومة السعودية".

ووفقا لسي أن بي سي الإنجليزية، فقد قدمت السعودية نفسها في السنوات الأخيرة كموقع لمكاتب المقر الرئيسي في حملتها لخلق وظائف في القطاع الخاص وتنويع اقتصادها كجزء من رؤية 2030.

لكن ما بدأ كمقدمة للمكاتب الرئيسية العالمية، أصبح الآن إنذارا نهائيا للبعض: إما نقل مقرك الرئيسي إلى المملكة، أو خسارة العقود الحكومية المربحة.

    

منوعات      |      المصدر: عربي 21    (منذ: 2 سنوات | 119 قراءة)
.