رؤية تكاملية لتنمية استراتيجية

تنطلق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، من عدة مرتكزات طبقا لما تتمتع به السعودية من موقع جغرافي مميز، وما يوفره هذا الموقع الفريد من فرص ربط التجارة العالمية، وبناء طرق تجارية جديدة، وتشكيل همـزة وصل بين قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا، فالسـاحل الشـرقي يمتد بنحو 560 كيلومتر ا، وفي الجانب الغربي من البلاد يمتد السـاحل علـى البحـر الأحمـر نحو 1760 كيلومترا.

جغرافية السعودية لا تمنحها ميزة الموقع الاستراتيجي فحسب، بل هناك الطبوغرافية، والسمات الطبيعية الخاصة، والنوعية في الوقت نفسه، ولهذا فإن برامج الرؤية تسعى إلى تحقيق رفاهية للإنسان من خلال بناء اقتصاد مزدهر، ولا تتجاهل المزايا النسبية لكل منطقة، وتنظر إلى هذه الوقائع نظرة شمولية تراعي فيها التفاصيل والفروق البنيوية.

وإذا كانت خطط التنمية الخمسية السابقة قد عملت على تقليل الفجوات التنموية بين المناطق، فإن رؤية المملكة 2030 ركزت على مسألة المزايا النسبية، والقدرة التنافسية التي تملكها كل منطقة على حدة، وسعت إلى تعزيز هذه المزايا، وتحقيق التنمية الشمولية لجميع المناطق والمحافظات، والتكاملية الاقتصادية بينها.

ووفق هذا التصور صدر الأمر الملكي الكريم بإنشاء هيئة لتطوير مدن الساحل الغربي: ينبع، وأملج، والوجه، وضباء، ويكون لها مجلس إدارة برئاسة الأمير محمد بن سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء بأمر من رئيس مجلس الوزراء.

ويعد تشكيل مجلس إدارة الهيئة عند هذا المستوى الرفيع جدا من القيادة دليلا على ما يوليه خادم الحرمين الشريفين من اهتمام بالغ لهذه المنطقة الغالية، ولا شك أنها تستحق ذلك، فمدنها تعد نقاط الربط الأساسية مع إفريقيا ومصر، وهي ذات موقع اقتصادي لوجستي مهم، وستدعم تحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية.

وفي هذا السياق حققت رؤية المملكة 2030 عددا من الإنجازات، من بينها تدشـين خـط ملاحـي يربـط بيـن موانـئ سـاحل البحـر الأحمر مـع الموانـئ المطلـة علـى خليجـي العقبة، والسويس، وذلـك بهـدف زيـادة قـوة ربـط موانـئ السعودية مـع الموانـئ العالمية، وجـذب كبـرى شركات الخطـوط الملاحيـة الدولية، وتنشيط، وزيادة حركة التجارة في هذه الممرات البحرية الاستراتيجية.

كما تم دشـين خـط ملاحي جديد، لربـط ميناء الملـك فهـد الصناعـي في مدينة ينبـع الصناعيـة بـدول شـرق إفريقيا.

وإذا كانت ينبع ذات تاريخ مشرق في تنمية الصناعة الوطنية، وأسهمت في دعم خريطة الاقتصاد السعودي من خلال مدينتها الصناعية الشهيرة، التي تشرف عليها الهيئة الملكية للجبيل وينبع، فإن الأمر الملكي بشمول اختصاص الهيئة الجديدة لمدينة ينبع جنبا إلى جنب مع مدن الساحل أملج والوجه وضباء، سيؤسس لمستقبل مشرق لهذه المدن من الجوانب غير الصناعية التي هي محور التنمية المنشودة.

وهنا يبزر بوضوح البعد الآخر للأمر الملكي من حيث الأهمية السياحية لهذه المدن، التي تتربع على سواحل بكر ممتدة وخصبة، بطبيعتها الخلابة، وبمواقع مميزة جغرافيا، ذات رمال ذهبية ناعمة، وشواطئ ساحرة، تجعلها محط أنظار عشاق الغوص للاستمتاع بألوان وتشكيلات الشعب المرجانية.

ونستذكر هنا الحوار التلفزيوني الذي أجراه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل عدة أشهر، والذي رسم من خلاله التوجه الاستراتيجي خلال المرحلة الثانية من مراحل تنفيذ الرؤية، حيث أشار إلى مشاريع البحر الأحمر السياحية، وعزم السعودية تقديم تجربة جديدة للعالم، وخدمات تجذب السياح للاطلاع على الثقافات المختلفة والمتنوعة في منطقة البحر الأحمر، وأن المشاريع هناك قدمت على طراز مبتكر يترجم شكل البحر الأحمر وطبيعته الجغرافية البحرية، إلى جانب إنشاء وجهة سياحية بالغة الفخامة، قائمة على الابتكار، تسهم في إرساء معايير جديدة، للتميز في مسيرة تحقيق التنمية المستدامة، وإدارة المنتجعات.

ومن خلال قراءة هذه الاتجاهات في جميع مساراتها الاقتصادية، والسياحية، والتنموية، والصناعية، واللوجستية، فإن هذه المدن الساحلية ستكون على موعد مع نهضة شاملة لم تشهدها في تاريخها الضارب في القدم، وستسير بنفس الروح والإلهام الذي تشهده جميع مدن ومناطق السعودية.

وإذا نظرت بعين ثاقبة للتكامل بين الخطط والاستراتيجيات، سترى كامل جغرافية المناطق الغربية في السعودية من شمالها إلى جنوبها في نهضة اقتصادية عملاقة، ستجعل السعودية محط الأنظار، وقبلة سياحية منافسة عالميا.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 2 سنوات | 44 قراءة)
.