عبد العزيز الدباغ .. قطب صوفي ما يزال حيَّ الأثر في المغرب وعبر العالم

بربوة الأولياء بفاس، يرقد علَم من أعلام التصوف بالمغرب والعالم الإسلامي، ما يزال تأثيره حاضرا إلى اليوم، خاصة ببريطانيا؛ هو الشيخ الصوفي عبد العزيز الدباغ الذي رحل عن دنيا الناس في منتصف القرن الثامن عشر.

وبعدد من لغات العالم، يمكن قراءة كلام الشيخ عبد العزيز الدباغ في “كتاب الإبريز”، الذي دوّنه مريده الفقيه السجلماسي اللمطي، الذي بلغ في معرفته مرتبة الاجتهاد.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} ويعد كتاب “الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز” من دلائل “العلم اللدني”، حيث دون تلميذ هذا القطب الصوفي أجوبة شيخه الدقيقة وغير المسبوقة حول معارف ونصوص ومسائل حديثية، رغم أنه كان لا يعرف القراءة والكتابة.

ومما يقرأ في الإبريز من شهادة السجلماسي اللمطي على شيخه، قوله: “فكل من سمعه يتعجب منه ويقول: ما سمعنا مثل هذه المعارف، ويزيدهم تعجبا كون صاحبها رضي الله عنه أميا لم يتعاط العلم (…) فما سمع أحد كلامه إلا ويبادر إليه بالقبول التام (…) واعلم وفقك الله أن جميع ما قيدت إنما هو قطرات من بحر زخار لا قعر له ولا ساحل، تلاطمت أمواجه فتطايرت علينا منها قطرات نفعنا الله بها، فتلك القطرات هي التي لو قيدتها لزادت على مائتي كراس.

وأما العلوم التي في صدر الشيخ رضي الله عنه فلا يحصيها إلا ربه تعالى الذي خصه بها”.

وتعد “الطريقة المحمدية” استمرارية لطريقة الشيخ عبد العزيز الدباغ، الحاضرة بشكل أكبر في بريطانيا، وفي مناطق أخرى من أنحاء العالم، دون أن ينقطع أثره عن المغرب الذي يوجد به محبون له ومتبعون لطريقته في السلوك إلى الله، عن طريق عزيز الكبيطي إدريسي الحسني.

وإلى اليوم، ما تزال الزيارات متواصلة إلى قبر هذا القطب الصوفي، من داخل المغرب وخارجه.

وفي زيارة مهرجان فاس للثقافة الصوفية إلى ضريح هذا العلم الصوفي، قال عبد العزيز الدباغ، أحد أحفاد الشيخ رئيس معهد ابن عاشر للدراسات الصوفية والأعمال الخيرية بالولايات المتحدة الأمريكية، إن “تأثير هذا القطب الصوفي على العالم وعلى الناس ما زال حاضرا، رغم أنه لم يعد معنا في هذا العالم”.

وزاد الدباغ، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “كتاب الإبريز يعرفه علماء الشريعة والعلوم الإنسانية في العالم بأكمله، وكنتُ في القدس عند صديق هو خطيب المسجد الأقصى، ووجدته يعرف الإبريز، وقد درسه، وزرت ذات يوم هذا الضريح مع الشيخ الأمريكي حمزة يوسف”.

وتابع قائلا: “سيدي عبد العزيز الدباغ معروف في العالم بأكمله من طرف العلماء الذي يعرفون حقّه، ومن طرف الناس العاديين الذين يعرفون بركته، وفي أمريكا سبق أن جاء عندي أخ كبير في السن متقاعد من باكستان، (…) ولما رأى الاسم طلب مني الدعاء له في فاس عند الزيارة، وطلب مني ترجمة بالإنجليزية للإبريز، لأنه تركَ نسخته إلى الأردية بباكستان”.

وواصل الدباغ: “منذ ذلك الوقت، عاهدت نفسي على ترجمة الإبريز إلى الإنجليزية، وخلال المجهودات التي كنت أقوم بها، جاءت الترجمة بنفسها، وهي ترجمة قام بها نرويجي وألماني، إلى الإنجليزية التي ليست لغتَهما الأولى، وتفحصت ودرست هذه الترجمة بعمق كبير، ووجدتها، سبحان الله، بدقة وأمانة لا تتصور، فاقتنعت بأن لسيدي عبد العزيز يدا فيها”.

بدوره، قال فوزي الصقلي، رئيس مهرجان فاس للثقافة الصوفية، إن المكان الذي يوجد به ضريح الشيخ عبد العزيز الدباغ، يعرف وجود مجموعة من الأولياء والعلماء الكبار، مثل أبي المحاسن الفاسي، وسيدي عبد الرحمان الفاسي، وسيدي علي بن حرزهم، الذي دفن معه السلطان مولاي رشيد في القبة نفسها.

وأضاف الصقلي في تصريح لهسبريس: “نحن في زيارة للشيخ سيدي عبد العزيز الدباغ، أحد الأولياء الكبار المتأخرين، حيث كان في القرن 11 الهجري، 18 الميلادي، ويعطي انطباعا خاصا، وله هالة كبيرة، تأتي من كتاب هو مشهور به، وهو (الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز) الذي كتبه أحد العلماء الكبار، الذي كان قيدوم وشيخ جماعة علماء القرويين، وهو سيدي أحمد بن مبارك اللمطي، الذي كان يحاوره، ومن خلال حواراته تكون هذا الكتاب الذي له مكانة خاصة في التصوف”.

وتابع بأن “الإبريز ليس كتابا عاديا، بل يكشف عن مجموعة من الأسرار والمقامات والكرامات التي كان يختص بها سيدي عبد العزيز وطالبه سيدي أحمد بن مبارك اللمطي”.

وواصل قائلا: “سيدي عبد العزيز الدباغ كان أميا، لم يقرأ ولم يكتب، ومع ذلك كان يأتي عنده سيدي أحمد بن مبارك، وكان يقرأ مثلا (فصوص الحكم) لابن عربي ويجد فيها صعوبات كبيرة وأشياء مبهمة جدا، وكان يطرح على سيدي عبد العزيز الدباغ هذه الإشكاليات فيشرحها شروحا دقيقة لم توجد في كتب أخرى، وكذلك في علم الحديث، والفرق بين الحديث والحديث القدسي، وفي تصحيح الأحاديث (…) وهذا دليل على أن التصوف علم مختلف، فهو ليس علم الأوراق بل علم الأذواق”.

وحتى بعد موته، أورد الباحث أن “سيدي عبد العزيز الدباغ كان ينص على وجوب ألا يكون هناك خلط بين عبادة الله سبحانه وتعالى والتوحيد، والتعلق بالأولياء، ويعطي لكل مكانه ويقول إن الأولياء وسائل، وليسوا مقاصد في حد ذاتهم”.

وأجمل فوزي الصقلي في ختام تصريحه لهسبريس بأن “الولاية بمفهومها العميق في أحضان التصوف، تتجلى بشكل خاص في سيرة هذا القطب الكبير”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 2 سنوات | 13 قراءة)
.