بين ديمقراطية طيّعة وأخرى لها مخالب..

بين ديمقراطية طيّعة وأخرى لها مخالب..

                                                                                                                                                                                                                                         شكرا على الإبلاغ!سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.

موافق بين ديمقراطية طيّعة وأخرى لها مخالب.

.

نشر في يوم 24 - 09 - 2021 تبقى الديمقراطية متميزة حتى في غرابة أطوارها، ويصعب في الكثير من الأحوال إخضاعها للتقييم الموضوعي المعياري وفق نظريات السياسة والحكم.

وآخر دليل على ذلك الطلاق البائن بين مؤسسات الحكم ورئيس الجمهورية المنتخب ذي الصلاحيات المحدودة في قراءة واضعي الدستور، والموسّعة عند بعض فقهاء القانون الدستوري وأوّلهم الرئيس نفسه الذي درّسه في الجامعة لأكثر من ثلاثين سنة.

وإذا أخذنا المسار التاريخي القصير للممارسة السياسية الديمقراطية في على مدى العشر سنوات الأخيرة التي جاءت على إيقاع ما سمّي بالربيع العربي والتي امتدّت أنغامها على الكثير من البلدان العربية فإذا هي نشاز في نشاز، فإن المفارقة الكبرى تتمثل في العثرات المستمرة في دولاب الديمقراطية بل والمتزايدة بعكس منطق النضج السياسي المفترض في ثقافة الحكم الديمقراطي.

فخلال الفصول التشريعية الثلاثة في الحياة الدستورية نجد أنها كلّها تقريبا فشلت في أداء ما هو منوط بعهدتها ، فالمجلس التأسيسي الذي انتخب لعام واحد لإقرار دستور جديد حوّله الحكّام الجدد القادمين من وراء البحار إلى غنيمة حكم وأداة تمكين من مفاصل الدولة، وأكمل مهامّه قسرا بعد ثلاث سنوات شهدت البلاد خلالها ثلاث عمليات اغتيال سياسي وموجة من الإرهاب الديني ذهب ضحيّتها العشرات من أبناء المؤسستين العسكرية والأمنية، خرج لنا بعدها بدستور مفخخ محكم الإغلاق يمنع كل جهد إصلاحي ويوزّع السلطات بين رؤوس ثلاثة تتصارع فيما بينها صراع الديكة.

ثم جاء أول مجلس نوّاب منتخب تحت غطاء التوافق المغشوش ليفشل فشلا ذريعا في مهمّته الأصلية وهي تركيز الهيئات والمؤسسات الدستورية التي نصّ عليها الدستور وأولها دون منازع المحكمة الدستورية المعطّل بعثها إلى اليوم.

وشاهدنا خلال أعماله أفعالا وممارسات مقرفة زادت من حالة ترهّل الدولة وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتوازنات المالية العمومية.

ولم تكد تغمض أعيننا على تعاسة ما عشناه من مآسي ونكبات متلاحقة طيلة تلك السنوات الخمس ، حتى أفقنا في أقل من سنتين على هول الفاجعة والكارثة التي أصابتنا مع انتخاب مجلس النواب الجديد ، الذي ضمّ في صفوفه سقط متاع المتجمع من فاسدين ومهرّبين ومجرمين وسماسرة إلاّ بعض الشرفاء الذين لا يُحسب لأصواتهم ومواقفهم .

شمل فشل منظومة الحكم الجديدة هذه في ترتيب العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية جميعَ الاحتمالات الممكنة ، فلا حكومة "إصلاحية" تستطيع العمل مع مجلس "فاسد"، ولا حكومة "فاسدة" قادرة على مجاراة مجلس "فاسد"، بل ولا حكومة "إصلاحية" نجحت في التعايش مع مجلس "فاسد"، وأخيرا لا مجال لتعاون حكومة ورئيس "إصلاحي" في التعريف السياسي لهذه المصطلحات!! ومن الواضح خلال التجربة السياسية برمتها أن مثل هذه النتيجة التي جنيناها ، وهي تجميد أعمال مجلس النواب إلى تاريخ غير مسمّى ، وما تبعته من قرارات رئاسية جديدة ، سوف تتكرر بالتأكيد ، إن وقع الحفاظ على المرجعية الدستورية الحالية للحكم وتنظيم السلطات، لسبب بسيط وغاية في الأهمية في نفس الوقت، وهو وجود قوى دافعة مازالت فعّالة وضعت السياسة برمتها بين السندان والمطرقة : سندان العمل على إلغاء الديمقراطية برمتها، ومطرقة فرض ديمقراطية طيّعة وشكلية ومنزوعة الأسنان.

وما هذه العثرات التي تواجهنا على مدى العشر سنوات الأخيرة، إلاّ صراع مستمر بين نهجين متناقضين، ومن الواضح أن كلا منها صاحب نفس طويل وإصرار على موقفه، وحتى يُهزم الطرف المقاوم للديمقراطية وهذا هو بالتأكيد الأمل الوحيد والأرجح وفق التجارب التاريخية والمد الديمقراطي الجارف عالميا، يبقى البلد يدفع ثمن هذا الصراع على أكثر من صعيد المنظور العام للممارسة السياسية .

فهشاشة الديمقراطية وعثراتها المتكررة من جانب ، ومحاولات تطويعها وتسخيرها لخدمة أهداف ومآرب تستهدف أصلَها وبقاءَها وتطبيقَيها الحقيقي من جانب آخر، حرمت بلدا مثل ورغم إمكانياتها الهائلة وذكاء شعبها المفعم بالإرادة، من بناء مؤسساته الدستورية بناء تكامليا أكثر تطورا ونضجا، وأضاعت فيه هيبة القانون وسيادة النظام لصالح الترهل في الخدمات العامة وتفشي المحسوبية والتحريض على كل أنواع الفساد، وأخفقت في صهر مكوناته البشرية في بوتقة اللحمة الوطنية الحقيقية.

رغما عن كل ذلك سوف نعود جميعا إلى نقطة الصفر من جديد لننتظر اليوم الموعود لنحاول وضع لبنة أخرى في صرح الديمقراطية التي نغنّي على أوتارها ألحان الوطنية… لعل وعسى!!.

انقر لقراءة الخبر من مصدره.

مواضيع ذات صلة لدينا 83560549 خبرا ومقالا مفهرسا.

تونس      |      المصدر: تورس    (منذ: 3 سنوات | 27 قراءة)
.