قراءة متأنية في نتائج ومترتبات الحوارالستراتيجي العراقي الأمريكي

حامد شهابهناك جملة ملاحظات غاية في الأهمية يمكن أنتكون نقاطا محورية ، لما أسفر عنه الحوار الستراتيجي العراقي الأمريكي في جولتهالرابعة والأخيرة ، من نتائج مثيرة للإهتمام ، إيجابية وسلبية على مستقبل العراق، ندرجهاعلى الشكل التالي: حاولت الولايات المتحدة في كل جولات الحوار ، وبخاصة الرابعة والأخيرة ، أنتضمن لها شكلا من أشكال الوجود العسكري والسياسي والاقتصادي في العراق، كان التعبير عنه هذه المرة بطرق أخرى مغايرة ، أي من خلال عملية “تلاعب بالألفاظ والمصطلحات” من ” وجود عسكري دائم ” الى “دور إستشاري وتقديم الخدمة” ، على أن يتم تقليص الأعداد لحجم هذا التواجد من 2500 عسكري الى نصف هذا العدد أو أقل منه بكثير.

إن ما جرى من تخفيض لحجم التواجد العسكري الامريكي بشكل تدريجي في السنواتالمقبلة ، ليس مهما بالنسبة للولايات المتحدة، فالمهم أن تضمن الولايات المتحدةبقاء شكل من أشكال الوجود في هذا البلد ، الذي تنظر اليه على أنه سيبقى ساحة إنطلاقتهالمواجهة تحديات كل من روسيا والصين وايران وسعيها لأن يكون العراق مرتكزا يبعد شبح تمدد محور الشرق بإتجاه العراق ودول الخليج.

إن تخفيض عدد القوات العسكرية الأمريكية في العراق خفف عنها بالنتيجة بعض تبعات الإنفاق وتكاليفه الباهضة، التي هي بأمس الحاجة لتقليص حجمه في عموم دولالعالم، وليس في العراق فقط، بسبب مترتبات جائحة كورونا، وما واجهته أمريكا من خسائر إقتصادية كبيرة في مشاريعها الاستثمارية وفرصها الإقتصادية لشركاتها الاحتكارية التي راحت تفضل إستخدام مبدأ ” التأجير” بدل التواجد، وهو مايعود عليها بمنافع اقتصادية، وشركة بي.

بي البريطانية وإكسون موبيل”، و”أوكسيدنتال بتروليوم”، و”شل” الامريكية ، بدأ تفكر في الإنسحاب من العراق ، وإن شركة لوك أويل الروسية أرسلت إشعارا رسميا يفيد بأنهاتريد بيع حصتها في حقل غرب القرنة-2 لشركات صينية، كما أكد ذلك وزير النفط العراقي حسان عبد الجبار.

يعد ” مكسب “الكاظمي الوحيد أنه قد نجح في إستدراج أوتغفيل عقول القوى الرافضة للوجود الأمريكي، بإنه تعهد لها بحدوث عمليات “إنسحاب أمريكية” من العراق بحلول كانوناول المقبل، وتحويل المهمة من تواجد عسكري و”مهام قتالية” الى مهام “إستشاريةوتدريب”، وعدت كثير من تلك القوى أن الحصول على ” مكسب” كهذا يقللعليها ضغوط ” الفصائل المسلحة” التي تدعمها هي أو تدعمها إيران من وراءظهرها، وهي تجد في هذا” الإنسحاب ” المزعوم نصرا لها، خلصها من ورطة أمامتلك الفصائل بأنها غير قادرة على مواجهة الخروج عن شرنقتها، وراحت بعض تلك الفصائلتتحكم في القرار ” الشيعي” بطريقة أربكت قواهم ، وأشعرتهم بخطر داهم، إنبقيت توجهات تلك الفصائل خارج إرادتها، وهي أصبحت تاخذ من جرفها خسارات أكثر مماتحقق لها من وسائل دعم، لهذا فأن جميع القوى السياسية ” الشيعية” أبدتترحيبها بالإتفاق ، على طريقة ” جفيان شر ملا عليوي” للخلاص من تبعاتتأييدها المستمر لتوجهات تلك الفصائل التي راحت تخرج عن عبائتها وتريد أن تكون هي” البديل” عنها!!إن إيران شعرت أن تحريك قضية الأحواز ، وبهذا الشكل الدعائي المثير منالتهييج والرفض الجماهيري والخروج بتظاهرات تندد بسياسات خامنئي وأجهزته الأمنية ،والاهتمام بتظاهرات الإيرانيين داخل ايران وفي مدن مهمة ومنها طهران، أظهرها أمامالعالم بأنها أصبحت مهددة وضعيفة، وليس بمقدورها تحقيق مكاسب مهمة في الإتفاقالنووي مع الغرب والولايات المتحدة في مفاوضات فيينا، وسعت ايران لإمتصاص الغضبالجماهيري بأية طريقة، فقد تسبب لها بإحراج كبير أمام دول الجوار وبخاصة العراقودول الخليج التي تجد في تأجيج تلك الاضطرابات فرصتها للإنتقام من إيران ، وأظهار أنهمبمقدورهم تحرك أوضاعها الداخلية إن بقيت مصدر تهديد دائم لدول وشعوب منطقة الخليج، وهو ما خفض من مستوى دعمها للفصائل لكي تنصحها باتجاهات التهدئة مرة وفي التصعيدمرة أخرى حسب حاجة ايران لأن تهديء أو تصعد!!إن الفصائل المسلحة التي ترفع شعار ” المقاومة” شعرت هي الأخرى أنها أمام ” تهديد ” لوجودها إن تخلت إيران عنها فعلا في أي اتفاق نووي قادم مع الغرب، كما أن دعوة مقتدى الصدرلإلقاء سلاحها شكل لها عنصر تهديد، ولهذا أرادت أن تثبت وجودها بأنها “مقاومة عراقية” ، تدعي أنها خرجت طوعا عن توجهات طهران، وهي ليس رغبة منها ،ولكن لأن المشهد يبدو أمامها ” مأساويا” والمستقبل في علاقاتها مع طهران لن يكون ” مضمونا” في كل الأحوال!!هناك فقرة مهمة أدرجتها الولايات المتحدة لصالحها في الإتفاق الستراتيجي وضمن لها ” مكاسب مستقبلية” كبيرة، وهي أن أي ” تهديد” يأتيهامن الفصائل المسلحة سترد عليه مباشرة ودون إشعار للحكومة العراقية، لأنه لم يعدهناك وجود لـ ” قوات إحتلال امريكي، بعد الاتفاق وتحول دورها الى “”إستشاري” وليس ” قتاليا” ، ما منح الأمريكان ” مكاسبإضافية” أن بمقدرهم تصفية تلك الفصائل متى شاءوا إن هددوا أمنها في العراق،وشكل هذا الامر مصدر قلق للفصائل المسلحة ، بأنها اصبحت ” كبش فداء” للإستهداف في أية لحظة!! ربما يكون الإتفاق قد منح الكاظمي نجاحات بولاية ثانية من خلال إعلانه عنتلك ” المكاسب” المزعومة، أو على الأقل أصبحت الكتل السياسية في موقفالداعم له، بدلا من أن تناصب بعضها العداء له، وتوجه له الإتهامات متى شاءت، وهويريد التخلص من شرورها بأية طريقة!!ان “المكون السني” ، وان تنفس الصعداء من خلال الإتفاق الأخير،لكنه لم يحقق له ” مكاسب ” ذات معنى، تشعرهم أن بإمكانهم أن يكون لهم “وجودمؤثر” كما يتمنونه، أما الأكراد فهم المستفيد الأكبر من هذا الإتفاق، وضمنوادعما امريكيا لهم بلا حدود، وقللوا من خطر هجمات الفصائل ضد أقليمهم ، بعد أنكانوا يعانون الأمرين من ضربات توجه لهم قرب أربيل والقاعدة العسكرية الأمريكية ،وقد شعروا اليوم بأنهم ربما أصبحوا أكثر أمانا!!ويبقى الموقف العراقي في كل الأحوال”متشككا” بنتائج هذا الحوار، ويشعر كل من ساسة الشيعة والسنة ، أنهم خسرواكثيرا من مكانتهم ودورهم، ولم يبق لوجودهم دور فاعل، كما كان في الماضي القريب،والدور الآن الذي يشجعه الغرب هو في توجهات لجيل جديد من الشباب، يمكن أن يكون لهمستقبل في زمن منظور، ليدير دفة المشهد السياسي، وإن الولايات المتحدة ستتفاعل معهذا الدور الشبابي الجديد بجدية، بعد إن شعرت ان أغلب الزعامات السياسية العراقية قد إحترقت أوراقها، ولم يعد لديها هذاالثقل المؤثر في ساحة عملها السياسي، حتى أنها راحت تبحث عن تبديل أثوابها، بكسبشباب جدد، ليكونوا هم واجهتها في مستقبل قريب، لكن ” سطوتها” لم يعد لهاوجود في هذا البلد!!قد تجرى إنتخابات في الشهر العاشر، وقد تتأجل، وهو الإحتمال المرجح، لكنها لن تكون ذا تأثير كبير على مستقبل العراق ، في كلالأحوال، وسيبقى الدور العراقي مشلولا ويعاني من عقبات وتحديات داخلية وخارجية ،تحول دون عودة مؤثرة لمستقبله المنشود، لسنوات مقبلة !!مرتبط نسخ الرابط تم نسخ الرابط

العراق      |      المصدر: وكالة الصحافة المستقلة    (منذ: 3 سنوات | 29 قراءة)
.