"معرض الأمل" يفتح الباب أمام إبداعات شابة في متحف محمد السادس

تعريف بالساحة الإبداعية المغربية الشابة واعتراف رسميّ بها يشهده متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، الذي يعرض لوحات وأعمالا فنية لأسماء قد يشكل عدد منها “الخلف”، بعد عمليات اقتناء من طرف وزارة الثقافة والشباب والرياضة والمؤسسة الوطنية للمتاحف، كان مقصدها “دعم الساحة الفنية”.

وفضلا عن القاعة التي وشحت باسم التشكيلي البارز الراحل محمد المليحي، واستقبلت أولى معارضها بعد هذا التعميد، يستقبل باقي أعمال المعرض المتحف الوطني للتصوير بالرباط، الذي يختص بعرض الأعمال الفوتوغرافية المقتناة، وأروقة ثلاثة هي: رواق باب الرواح الذي استقبل أعمالا اختيرت في الإطار نفسه لكنها تخص أسماء مكرّسة في الساحة الإبداعية، ورواقا باب الكبير (الأوداية) ومحمد الفاسي (مبنى وزارة الثقافة قرب شارع محمد الخامس بالرباط).

“معرض الأمل” هذا المعرض الأول من نوعه الذي يخصص معظمه للساحة الفنية الشابة جعل مهدي قطبي، رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف، يصفه بـ”معرض الأمل”، في حديثه مع الصحافة في لقاء افتتاح المعرض، الذي حدت من عدد حاضرِيه التدابير الاحترازية التي أقرتها الحكومة، ابتداء من الجمعة 23 يوليوز الجاري.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} وتحدث قطبي بـ”فخر كبير” عن “هذه الساحة الفنية”، قائلا: “شباب مذهل مبتكر مليء بالأفكار والأمل”، يأتي عرضه “من أجل المغاربة (…) كما أراد ذلك الملك محمد السادس”، قبل أن يجمل بالقول: “مازال هناك أمل”.

وبحضور مدير الفنون بوزارة الثقافة والشباب والرياضة، شكر قطبي “وطنية وزير الثقافة” الذي “اختار العمل لا الحسابات”، كما شكر عمل مدير متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر وفريقه “الذين لولاهم لما رأى المعرض النور”.

بدوره تحدث محمد بنيعقوب، مدير الفنون بوزارة الثقافة، عن “التعاون” الذي أخرج هذا المعرض للوجود، بعد شراكة وقّعت بين الوزارة الوصية على قطاع الثقافة والمؤسسة الوطنية للمتاحف، ومكّنت من دعم اقتناء الأعمال الفنية، بما في ذلك أعمال فنانين مغاربة شباب.

وعبر بنيعقوب عن اعتزازه بوجود جمهور مغربي وفي للمعارض الفنية، ويؤدي مقابلا لزيارتها، وهو “ما لم يكن قبل تأسيس المؤسسة الوطنية للمتاحف”، وقدم مثالا في هذا السياق بمعرض سابق على تأسيسها استقبل أعمال الفنان المغربي البارز فريد بلكاهية، ثم “باستثناء يوم الافتتاح، لم يكن يزوره برواق باب الرواح إلا شخصان أو ثلاثة في اليوم”.

من جهته أكبر مدير متحف محمد السادس عبد العزيز الإدريسي هذا المعرض الذي “سيمكن المغاربة من التعرف على الساحة الشابة المعاصرة” بالبلاد.

وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، حول “المشهد الفني الشاب” المعروض، قال الإدريسي: “في متحف محمد الخامس شق بالطابق الأول مخصص للفنانين التشكيليين المغاربة.

وكي لا يكون هناك تكرار، ارتأينا تقديم تجارب جديدة، لفنانين بدؤوا في شق طريقهم، منهم فنانون تخرجوا من مدرسة الفنون الجميلة بتطوان، وتخرجوا من مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، وفنانون عصاميون تخرجوا من العمل الفطري مثل فناني الصويرة”.

وحول سيرورة الانتقاء، ذكر المصرح بأنه من إجراء “فريق علمي انتقى الأعمال بعناية، بعد دراسة الملفات”، وزاد: “حاول اقتناء أكبر عدد ممكن مما قُدِّمَ لنا السنة الماضية؛ وهي أعمال فيها تفاوت محدود، رهين مرحلة وظرف ‘كوفيد-19’، ولم تقتصر على الصباغة وفنانين رواد، بل على فنانين آخرين اشتغلوا على الصورة”.

مشهد فني شاب مفعم حياة احتضنت قاعة محمد المليحي بمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر أعمال فنانين مغاربة ومغربيات شباب من مختلف التعبيرات الإبداعية، تشكيلا وتصميما وتركيبا وخطّا.

ومن بين اللوحات الحاضرة في المعرض عمل للفنان المغربي الراحل حديثا كريم عطار، تظهر فيه شخوصه الإنسانية، سابقا، التي مسخ خارجها، بعدما مسخت دواخلها، وتحضر فيها، طبعا، “زرواطة” لعبة الورق المغربية (الهراوة) التي تمثل “القمع” و”القهر” والتّغلّب.

.

في رد فعل على قسوة العالَم الذي يعيش فيه البشر، بنفس الحدّة، وبـ”جمال” يرفض الانصياع للتمثلات الكلاسيكية لما هو “جميل” وما هو “قبيح”، ولا للجمال الذي تُووطئ على تسويقه في الثقافة التجارية العالمية.

أما رجل شفيق الزكاغي (السمكة) فتحضر في لوحته لعبة قيود، ينظر فيها من يحيى داخل حدود “القيد الأكبر” نظرة استصغار لمن يحيى داخل القيد الأكثر محدودية.

.

رجل نسيٌّ (ذاكرة سمكة؟) ينسى وضعه، وأصله، وحدوده، ولا يتذكر تراكمات مسار سابق، ينظر من علٍ لكائن هُوَ هوْ.

هذا الكائن الذي نسي محدوديته، يبدو مقتعدا كرسي الهيمنة على باقي الكائنات، يوجه أصبع الاتهام، أو الأمر، لآخَره، الكائن الحي الأكثر محدودية والأقل قدرة على المقاومة، ولو كانا، في آخر المطاف، ابني ظرف لم يختاراه، وتقسيمات أدوار لم يكن لرأيهما فيها أثر.

حكم محدود واهم ولو أن الكل محاصر، يهيم في عالم لم يسطر حدوده، ولا يعلم دواخله، ولا قدرة له على الانفكاك، فعلا، من أقطاره، المنظورة والمحسوسة.

ومن هذا العالم، إلى عالم عبد العزيز أوصالح، في “عالمه السائل” الذي يبدو أقرب إلى ذكرى منفلتة من وهم الضبط والتعقل، ووهم العيش.

يصير العالم الذي كان يوما ما موجودا فعلا حلما منفلتا بعد تنبّه، تختلط معالمه، تحضر الألوان فيه لمحات لا تراعي الإطار، ويكاد ينصهر إنسانها ونباتها وإسمنتها… إلا من بضع محددات لم يجبرها الفنان على السكون، بل تركها تنساب على اللوحة، عاكسة ذكرى، وعوالم لا ندري، أفِعلا توجد خارج تجاربنا الفردية؟ وهل تعكس (ولم لا؟) عالما سائلا تفلّت ممّا حكم سابقَهُ من مركزية الإنسان، ومعنى سعيه الجماعي، وعيشه.

و”قبل الخروج إلى الكون” تعيد إنصاف سلاسي الإنسان إلى ضُعفه الأول، في سلسلة تركيبية، تظهر الإنسان في تكوّنه الجنيني، واستمرارُه مرتبط بنفس أخرى، بعدما ارتبط وجوده بما لا دخل له فيه.

يسبح في عالم خلق له، ويسيّر فيه ليتمّ مراحل القاعدة، ليخرج إلى الكون بعد ذلك، ويرى (بفطرته!) أنه سيد الكون المالك لقراره… ويشدُّ الناظرَ في المعرض عمل لعزيز بنجا، يستعيض عن الشرح بلوحة واحدة من شقين، يقولان كل شيء عن: ضعف الإنسان، وألمه، والقهر، ولحظة اللاعود في التسلّط الإنساني؛ ويقولان الشيء الكثير عن الإنسان، ذاك المظلوم مقهورا وقاهرا! (ألا يظلم الإنسان إنسانيته، وتجربة العيش المشترك المتحضر التعاقدي، ونفسَه، بظلم أخيه الإنسان، الذي هوَ هُو بشكل آخر؟).

ومن عوالم الشغب والصخب (الشبابيين) تمتح لوحة لمحمد الدبدوبي محاولة امتلائها من حروف وأرقام بينة المعالم، وخربشات تحاول فك عُقَد ذهن الفرد في محاولة إدراكه محيطه، وإنتاج معنى، خاص، حوله.

ويهيم ما قيل وما لَم يقل، ما صدح به وما أُسِرّ، في عمل مخطوط لـ محي شفيق الإدريسي، تحيط فيه كلماتٌ، تكاد تغطي الكلمات.

هل هي إرادات التعبير عن شيء لا ندركه حقا، كما في مكونات هذا العمل، بألسن منفكة عن أصلها، حمّلها الإنسان قدرة الإفصاح والكشف، كما حمّلها قدرة الإضمار والتَّورِيَة؟.

وعن الإنسان المعولم المحصورِ تعبيره بالتواطؤات المصوغة قواعد، يدندن عمل هشام متيني.

في حين يظهر سعيد راجي، بتقنية مختلطة، الإنسان الذي أجبر على تناسي الطفل فيه، دون أن يسطَع ذلك فعلا؛ ليبقى ذاك الطفل، الذي كانه والذي مازال قاطنا مضغته، لون حياته الوحيد في عالم من الارتباطات، والتقلبات، والتنميط.

وتحضر في المعرضِ الأمُّ، الحضن الذي لا يخطئه القلب، يضم بين ذراعيه الطفولة، وإنسانية الإنسان.

.

الأم التي يغذّي حنوّها حنوّه، أو هكذا يرى ناظر لوحة مولاي يوسف الكهفاعي.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 سنوات | 70 قراءة)
.