مبادرة حقوق الملكية الفكرية المتعثرة .. جهود 10 أشهر تصطدم بعطلة منظمة التجارة

هناك جهد عالمي عاجل جار في جنيف لإعادة التوازن إلى عدم المساواة بين الدول الغنية المحصنة والدول الفقيرة التي تنزلق أكثر فأكثر نحو بؤس وباء كوفيد - 19.

غير أن هذا الجهد يصطدم مع تقويم ثابت: العطلة الصيفية الأوروبية، وهي أيضا عطلة منظمة التجارة العالمية.

لمواجهة العطلة، التي لا يمكن تجنبها، أصدر المدافعون عن التنازل عن حقوق الملكية الفكرية نداءات يائسة على نحو متزايد، ودعوات حتى اللحظة الأخيرة قبل بدء عطلة منظمة التجارة العالمية "لاتخاذ إجراءات" بشأن المبادرة المتعثرة أو "فرض تنازل مؤقت" يتعلق بالأدوية واختبارات ولقاحات فيروس كورونا.

استمرت النداءات حتى عندما بدت المبادرة محكوما عليها في طريق مسدود طوال العطلة الصيفية.

الآن، يستعد مندوبو المنظمة، الوحيدة في العالم المسؤولة عن وضع القواعد والأنظمة التي تحكم التجارة العالمية، مغادرة جنيف الأسبوع المقبل لقضاء عطلة آب (آغسطس) وليتوقفوا عن نقاشهم حول اقتراح التنازل، المحتدم منذ نحو عشرة أشهر، حتى الأسبوع الثاني من أيلول (سبتمبر).

قبل افتتاح اجتماع المجلس العام لمنظمة التجارة أمس، الذي يستمر يومين، حثت منظمة أطباء بلا حدود الاتحاد الأوروبي والنرويج وبريطانيا على "التوقف عن تعطيل الاقتراح التاريخي للتنازل عن الملكية الفكرية لإنقاذ الأرواح"، وتوحيد الجهود مع أكثر من 100 دولة تدعم التنازل من خلال الانخراط بشكل علني في مفاوضات رسمية لتسريع الإجماع.

انتهى اجتماع أمس دون نتيجة، وبقيت قضايا شكلية ليوم غد.

لكن "الاقتصادية" علمت أنه قبل مغادرة السفراء إلى عطلتهم، سيتبنى المجلس العام تقريرا يصدر مساء اليوم يقر بأنهم قد "أحرزوا تقدما ضئيلا" في الاقتراح الذي يهدف إلى "إتاحة جرعات التطعيم ضد الوباء على نطاق أوسع".

هذا البيان، يراه تيدروس جيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، أنه أمر بالغ الأهمية لإنهاء ما سماه "فشلا أخلاقيا" قد يلحق المجتمع الدولي.

في الأسبوع الماضي، قال المسؤول الأول عن الصحة العالمية خلال قمة عبر الإنترنت، "مع وجود كثير من الأرواح على المحك، ينبغي أن تأتي الأرباح وبراءات الاختراع في المرتبة الثانية".

قبل ذلك قال، "العالم - ببساطة - يفتقر إلى الإرادة السياسية لإنهاء الوباء - على الرغم من أن لديه الوسائل".

الفجوة بين الأغنياء والفقراء كان لعدم المساواة في اللقاحات آثار كبيرة في معدلات الوفيات.

فحسب آخر بيانات تتعقب لقاح فيروس كورونا لجامعة جونز هوبكنز - تعود البيانات إلى 24 تموز (يوليو) الجاري -، فإن النسبة المئوية لسكان الاقتصادات النامية والاقتصادات المتقدمة التي تلقت تطعيما ضد كوفيد - 19 تبلغ 18 في المائة للأولى، مقابل بين 55 و60 في المائة للثانية.

لكن، حتى الآن، تم إعطاء 75 في المائة من اللقاحات في عشر دول فقط - مع حساب الرافضين لتلقي اللقاح - في حين تلقى 1.

5 في المائة فقط من الأشخاص في البلدان منخفضة الدخل جرعة واحدة على الأقل، وفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية.

في ضوء إلحاح الوباء، حثت، نجوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، السفراء على "تقصير" إجازتهم الصيفية المعتادة، ومدتها ستة أسابيع، للتركيز على القضايا الملحة، مثل التنازل بهدف التوصل إلى نوع من الاتفاق.

مع ذلك، لا يخطط الأعضاء للنظر في التنازل حتى الأسبوع الذي يبدأ في السادس أيلول (سبتمبر) على أقرب تقدير، وفقا لما علمته "الاقتصادية" من مسؤولين مطلعين على تخطيط اجتماعات المنظمة.

ووفقا لمسودة تقرير عن حالة المناقشات في منظمة التجارة، أعدها، داكفن سورلي، رئيس مجلس المنظمة المعني بجوانب حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة، أو تريبس، "لا يزال الخلاف قائما حول السؤال الأساسي: ما إذا كان التنازل عن حقوق الملكية الفكرية هو الطريقة المناسبة والأكثر فاعلية لمعالجة النقص في اللقاحات".

إذن الخلاف يمس جوهر الموضوع وليست حيثياته.

هذا الانقسام من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف آفاق التنازل الطموح عن حقوق اللقاح.

يقول مؤيدو التنازل إن لديهم أكثر من 100 مؤيد لاقتراحهم، غير أن معظم قرارات منظمة التجارة يجب أن تتخذ على أساس الإجماع - ما يعني أن أيا من الأعضاء الـ64 المتبقين يمكنه نقض اتفاقية نهائية لأي سبب من الأسباب.

كيث روكويل المتحدث باسم منظمة التجارة، قال في مقابلة عبر الهاتف، إن رد منظمة التجارة على كوفيد هو القضية الأكثر أهمية أمام منظمتنا في الوقت الحالي.

لقد مات الملايين والأرواح معرضة للخطر.

العثور على نتيجة عملية بحلول كانون الأول (ديسمبر) أمر ضروري.

أما أنصار التنازل فقد كانوا يأملون اختتام مفاوضاتهم بحلول نهاية تموز (يوليو) الجاري وينتقدون الآن الاتحاد الأوروبي والدول المتقدمة الأخرى لما يسمونه "إخماد" المحادثات.

الاتحاد الأوروبي "غير مهتم" اقترحت المفوضية الأوروبية، المعارض العنيد للتنازل عن اتفاقية "تريبس"، سلسلة من الإجراءات، تقول إنها ستوجد قدرا أكبر من اليقين القانوني للدول للاستفادة من أدوات التجارة الحالية من أجل توسيع قدراتها الإنتاجية.

روجت الدول الأوروبية لزيادة التعاون الدوائي - بما في ذلك إنشاء مركز لإنتاج اللقاح في جنوب إفريقيا كمثال تبرهن فيه على أن الإجراءات الطوعية ستكون أكثر فاعلية من التنازل الشامل.

تقول الدول النامية، "الاتحاد الأوروبي غير مهتم.

.

الاقتراح المقدم من بروكسل هو إلهاء لإبعاد التركيز عن اقتراح التنازل المقدم من الهند وجنوب إفريقيا ولمنع الأعضاء من الانخراط في مفاوضات أكثر تفصيلا.

.

والتبرعات وغيرها من الإجراءات الطوعية لم تنجح .

.

والنرويج وبريطانيا لا تشاركان .

.

والدول المتقدمة لا تريد التنازل بإعلانها صراحة أن التنازل لن ينجح.

.

ليست هناك نية للمشاركة في دعم التنازل".

بدوره، قال، لوري والاش، مؤسس منظمة جلوبال سيتيزنس تريد ووتش غير الحكومية، إن الاتحاد الأوروبي قدم ورقة تتعارض بشكل أساسي مع المفاوضات النصية عندما قال "لا نريد تنازلا".

رفض متحدث باسم بعثة الاتحاد الأوروبي في جنيف التعليق.

في غضون ذلك، احتلت الولايات المتحدة مقعدا خلفيا في العملية، وبدأ الحماس بشأن مشاركة واشنطن هذه القضية في التلاشي في الأشهر الثلاثة التي أعقبت إعلان الممثلة التجارية، كاثرين تاي، الدعم الأمريكي للتنازل.

أما المتحدث باسم الممثل التجاري الأمريكي، آدم هودج، فقد قال إن "دعمنا التنازل عن حماية الملكية الفكرية للقاحات كوفيد - 19 قدم زخما مهما لعملية منظمة التجارة.

.

ما زلنا منخرطين بعمق في المناقشات من أجل التوصل إلى توافق في الآراء بينما تواصل واشنطن تكثيف الجهود للتبرع بالجرعات وتوسيع التصنيع والتوزيع العادل للقاحات في جميع أنحاء العالم".

عيوب التنازل تعارض معظم الدول المنتجة للقاحات تنازلا شاملا عن قواعد الملكية الفكرية لمنظمة التجارة، قائلين إن ذلك سيضر بالابتكار، ولا يفعل الكثير لتوسيع الوصول إلى اللقاحات، وقد يأتي بنتائج عكسية.

يؤكدون على وجه التحديد، أن التنازل سيوجد مزيجا فوضويا من القوانين، ويفكك الشراكات الصناعية القائمة، ويؤدي إلى أزمة في الإمداد لمدخلات اللقاح النادرة، ويضخ مزيدا من عدم اليقين في الترتيبات المعقدة بالفعل، وستظهر إمكانية إنتاج أدوية مزيفة ومتدنية الجودة، ما قد يزيد من تردد الناس في أخذ اللقاحات المنتشر بالفعل حتى في أغنى دول العالم.

يقول هؤلاء "يعلم الجميع أن الملكية الفكرية ليست هي المشكلة، ولا يوجد حل سريع لتطعيم العالم بأحدث التقنيات.

.

معظم الحكومات التي تعارض التنازل تعرف هذا، لكن بسبب الحساسيات السياسية لن يقولوا ذلك علنا".

في الواقع، يعد الجدل في جنيف حول "التنازل"، المستمر بعد عشرة أشهر من انتشار الوباء في العالم، من القضايا المتفجرة سياسيا للدول ذات معدلات التطعيم المرتفعة، لأنها لا تريد أن ينظر إليها على أنها تقف في طريق إيصال الأدوية المنقذة للحياة إلى الدول الفقيرة التي يعاني مواطنوها معدلات غير متناسبة مع الدول الغنية.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 3 سنوات | 71 قراءة)
.