باحثون دوليون يقترحون وصفة للتعايش الفعال مع جائحة "كوفيد-19"

على الرغم من تراجع انتشار فيروس “كورونا” وسط البشر فإن وضع الجائحة لا يزال يشكل خطرا على الصحة العامة؛ وذلك في ظل عدم العدالة في توزيع اللقاحات بين دول العالم، بل وحتى في الدول التي تمكنت من توفير عدد كاف من اللقاحات لمواطنيها، هناك عزوف وتخوف من شريحة كبيرة من المواطنين حيال تلقي اللقاح.

ويقف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، في تحليله لمقال بحثي منشور في مجلة الشئون الخارجية Affairs Foreign، عند سبل مواكبة البشرية للتطور المستمر لفيروس “كورونا”، حيث يقدم ستة باحثين وعلماء متخصصين في مجال مكافحة الأوبئة دراسة استشرافية للمستقبل في التعاطي مع الفيروس.

وقد انطلق المقال، وفقا لما نقله مركز المستقبل، من فرضية مهمة مفادها أن مكافحة الجائحة حاليا ومستقبلا لا تعتمد على تخصيص الموارد المالية والبشرية فحسب؛ بل لا بد من وضع أطر للسياسات والإستراتيجيات اللازمة لمكافحة الأوبئة.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} النزعة الشعبوية وتفاقم الجائحة يحاجج كاتبو المقال بأن وجود قادة شعبويين، مثل دونالد ترامب في الولايات المتحدة وتشي جين بينغ في الصين، قد أدى إلى الاستخفاف بالأزمة في بدايتها والتقليل من أهمية التعاون بين دول العالم لاحتواء الفيروس؛ مما أدى إلى مضاعفة أعداد المصابين والوفيات.

ويضيف المقال، الذي نقل مضامينه مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن الصين لم تتمتع بالشفافية الكاملة لكي تعلن عن حجم انتشار الوباء في بداية الأزمة، فضلا عن أنها لم تعط الاهتمام الكافي للتقارير الداخلية التي تشير إلى وجود مرض غامض في ووهان، وسمحت بكين بحرية تنقل المواطنين لقضاء احتفالات رأس السنة القمرية؛ وهو ما أدى إلى انتشار الفيروس خارج حدود الصين.

أما الولايات المتحدة، فقد قامت إدارة ترامب بالتقليل من خطورة الجائحة؛ مما أدى إلى بطء اتخاذ قرار الإغلاق الكامل للبلاد.

كما انتقد المقال فشل تنسيق الاستجابات بين الأنظمة الصحية في الولايات المختلفة، ناهيك عن صراع ترامب مع العلماء المسؤولين عن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) وتكذيبه لتصريحاتهم ونصائحهم للشعب الأمريكي والعالم.

فيروس لن يختفي بعد مرور أكثر من عام ونصف العام على انتشار الوباء، أصبح من الواضح أن احتواء الفيروس ما هو إلا ماراثون طويل.

فحتى وإن حصل كافة البشر على اللقاح فمن المستبعد أن يختفي فيروس “كورونا” المستجد؛ وذلك لأن الفيروس يعيش في عدد كبير من الحيوانات، بما في ذلك القرود والقطط والغزلان، مما يعزز إمكانية انتقاله من الحيوانات إلى البشر وتحوره، أو حتى انتقاله من البشر إلى الحيوانات وتحوره وانتقاله مرة أخرى إلى البشر.

فضلا عن أن تحقيق مناعة القطيع أصبح شيئا مستحيلا بسبب ظهور سلالات جديدة من الفيروس، حيث تشير الدراسات إلى أن اللقاحات الثلاثة المصرح بها في الولايات المتحدة (فايزر، مودرينا، جونسون) فعالة ضد السلالات الجديدة من الفيروس؛ ولكن بطء عمليات التطعيم قد يتسبب في ظهور سلالات جديدة، وقد تكون اللقاحات المتاحة غير فعالة معها، مما يضع البشرية أمام تحد لوجيستي ضخم من خلال إعطاء مزيد من جرعات اللقاحات المتاحة أو من خلال الحاجة إلى تطوير لقاحات جديدة فعالة ضد الطفرات الجديدة، وفي كلتا الحالتين سيتطلب ذلك جهودا علمية ومادية ضخمة.

إستراتيجيات التعايش يشير كاتبو المقال إلى أنه لا مفر من التعايش مع الفيروس، كما تعايشت البشرية مع وباء الأنفلونزا والحصبة وغيرها من الأمراض.

وقد تم استعراض أربع إستراتيجيات للتعايش الفعال مع فيروس “كورونا”، وهي: 1ـ التوزيع العادل للقاحات: بعد التوصل إلى عدد من اللقاحات التي ثبتت فعاليتها للوقاية من الفيروس، ظهرت المشكلة الكبرى وهي تحول اللقاح إلى سلعة يتكالب عليها الجميع.

وفي ظل غياب التنسيق العالمي لشراء اللقاحات وتوزيعها، أبرمت الحكومات الأمريكية والأوروبية صفقات ثنائية لشراء جرعات أكبر من احتياجاتها، تاركة البلدان الأخرى لتحظى بلقاحات أقل فعالية.

فعلى سبيل المثال، صدرت الصين أكثر من 200 مليون جرعة من أربعة لقاحات صينية، وهو معدل أكبر من أي بلد آخر.

ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك حول مدى فعالية هذه اللقاحات.

ومما زاد الوضع سوءا هو فرض بعض البلدان لوائح تصدير تقييدية حالت دون تصنيع اللقاحات وتوزيعها على نطاق أوسع.

أما مبادرة COVAX التي تهدف إلى توفير ما يقرب من مليار جرعة لـ92 دولة غير قادرة على دفع ثمن اللقاحات، فيبدو أنها تواجه تحديات تمويلية تجعل من الصعوبة بمكان تحقيق هدفها خلال العام الحالي.

وقد استدل المقال على عدم العدالة في توزيع اللقاحات من خلال تصريح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في مايو الماضي بأن 75 في المائة من جرعات اللقاح ذهبت إلى عشر دول فقط؛ وهو ما يعد “ظلما فاضحا يؤدي إلى استمرار الوباء”.

2ـ قيادة الولايات المتحدة للمعركة العالمية ضد الوباء: يرى كاتبو المقال أن الولايات المتحدة بصفتها دولة غنية وقوية ومتقدمة علميا، فإنها في وضع مثالي لقيادة المعركة الطويلة ضد فيروس “كورونا”؛ ولكن لكي تضطلع واشنطن بهذا الدور، فإنه يستلزم أن يتميز الداخل الأمريكي بسمتين رئيسيتين؛ السمة الأولى هي عدم تسجيل إصابات بالمرض في الولايات المتحدة، وهو ما سيتزامن مع استمرار عمليات التطعيم، وتعقب الحالات المرضية بشكل حازم لمنع انتشار الفيروس، وكذلك مضاعفة الجهود لتطعيم الفئات الأكثر عرضة للمرض.

أما السمة الثانية فهي معالجة إدارة بايدن للانقسامات الداخلية، وحشد بقية العالم للانضمام إليها في أكبر تجربة للتعاون الصحي العالمي.

ومن خلال تحقيق هاتين السمتين، تصبح الولايات المتحدة قوية من الداخل، ويمكنها الانطلاق لقيادة المعركة ضد الفيروس في الخارج.

وأشار المقال إلى أنه يجب على الولايات المتحدة بالتعاون مع الدول الغنية والمتقدمة أن يركزوا استثماراتهم على تطوير جيل جديد من اللقاحات لتكون مناسبة أكثر للدول النامية، أي إن تكلفة تصنيع اللقاحات تكون أقل من التكلفة الحالية، ولا تتطلب اللقاحات درجات تبريد عالية، ويمكن إعطاؤها في جرعة واحدة فقط.

كما يمكن العمل على تطوير لقاحات في صورة رذاذ للأنف أو قطرات فموية، أو من خلال وضع لاصقة على الجلد.

وبفضل هذه الابتكارات، يمكن للولايات المتحدة قيادة العالم للسيطرة على الجائحة.

3ـ بناء نظام أقوى لمراقبة الأمراض: يتعين على كافة الدول أن تعمل على إضافة المزيد من الطرق المبتكرة لاكتشاف تفشي المرض في وقت مبكر.

ويعمل حاليا علماء الأوبئة في جميع أنحاء العالم على تمشيط البيانات الخاصة بمشتريات الصيدليات، والبحث في وسائل التواصل الاجتماعي عن أدلة على حالات تفشي جديدة للفيروس.

وقد أشار كاتبو المقال إلى ضرورة قيام علماء الأوبئة بمراقبة مياه الصرف الصحي بحثا عن وجود الفيروسات، وذلك للكشف عن الحالات المرضية التي لم يتم الإبلاغ عنها.

بالإضافة إلى أن المملكة المتحدة وأيرلندا قد شرعتا في تطبيق نظام جديد يقضي بإخطار الأشخاص المخالطين للشخص المريض بالفيروس من خلال رسالة نصية على هواتفهم المحمولة، والتأكيد على ضرورة قيامهم بعزل أنفسهم أو الخضوع لاختبار الكشف عن المرض، مما يقلل إمكانية الانتشار السريع للمرض.

4ـ إصلاح المنظمات الدولية المعنية بالصحة العامة: فقد كشفت الأزمة الحالية عن أن المؤسسات الدولية المعنية بالمجال الصحي تعاني من نقص خطير في التمويل، فضلا عن كونها عرضة للتدخل السياسي والنزاعات بين الدول.

وفي وقت تتصاعد فيه النزعة القومية، تحتاج البلدان إلى إيجاد طريقة للعمل والتنسيق معا؛ وذلك من أجل تمكين الهيئات الدولية للقيام بواجبتها بشكل أسرع، مما سيعزز من جهود السيطرة على الجائحة.

كما ينبغي أن يكون الهدف النهائي للنظام الصحي العالمي هو خلق شبكة استخبارات صحية عالمية من شأنها تشجيع تبادل البيانات حول الأمراض الناشئة بين البلدان المجاورة؛ وهو ما سيكون بمثابة إنذار مبكر للكشف عن الأمراض المعدية وتنسيق الاستجابات لها، فضلا عن حث العلماء من الدول الغنية والنامية على التعاون لتطوير الاختبارات التشخيصية والأدوية واللقاحات.

لذا، يتبنى المقال مقترحا تم إطلاقه من جانب لجنة مستقلة برئاسة رئيسي ليبريا ونيوزيلاندا السابقين، ويقضي هذا المقترح بإنشاء “مجلس تهديدات الصحة العالمية”؛ وهو مجلس منفصل عن منظمة الصحة العالمية، بقيادة رؤساء الدول.

ختاما، يؤكد المقال أن جائحة فيروس “كورونا” المستجد ليست الجائحة الأسوأ في تاريخ البشرية، إلا أنه لا يجب الانتظار لكي تحدث كارثة وبائية جديدة لكي يتم إصلاح النظام الصحي على المستويات الداخلية والإقليمية والعالمية.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 سنوات | 30 قراءة)
.