تاريخ جراحات التكيف الهيكلي العميقة

بعد حرب 1973 بين مصر (العرب) وإسرائيل ارتفعت أسعار البترول في السوق العالمي أربعة أضعاف وعرف ذلك بصدمة البترول الاولي.

تسببت تلك الصدمة في أو عمقت تحديات اقتصادية عميقة حول العالم وبالذات في الدول الأضعف.

في افريقيا أحدثت الصدمة اختلالا هائلا في ميزان المدفوعات لأن ارتفاع أسعار البترول ضاعف من فاتورة الواردات ورفع من تكلفة إنتاج وترحيل كل السلع وألقى بظلاله على الموازنات العامة لكل الدول.

وصاحب ذلك تفاقم مشاكل الديون وخدمتها في ظروف ازدادت صعوبة مع صدمة البترول.

وتحت ضغط الواقع المتردي، وللحصول على تمويل من الخارج، اضطرت الدول الافريقية، منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، لتطبيق برامج التكيف التي أملاها البنك الدولي وصندوق النقد وهي في جوهرها نفس البرامج التي يجري تطبيقها الان في السودان.

اجرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا – في 1990, بقيادة أمينها العام حينها، الاقتصادي النيجيري الشهير، أديبايو اديديجي- جرد حساب لتقييم حصاد سياسات التكيف الهيكلي تم نشرها في دراسة رسمية معروفة بعنوان “البديل الافريقي لبرامج التكيف الهيكلي – من اجل التعافي الاجتماعي الاقتصادي والتحول”.

قسمت الدراسة الدول الافريقية الي ثلاث مجموعات: – المجموعة الأولى التي تعاطت جرعة قوية من برامج التكيف الهيكلي – أي الدول التي أجرت جراحة عميقة بلغة وزراء مالية ما بعد البشير الثلاثة.

– المجموعة الثانية التي تعاطت جرعة مخففة من البرامج.

-المجموعة الثالثة التي رفضت تطبيق البرامج.

خلصت الدراسة الي أنه في الفترة من 1980 الى 1987: + كان معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي (الدخل القومي) في المجموعة الأولى (جرعة قوية/جراحة عميقة) سالب 1.

5%.

وهذا يعني ان سياسات التكيف فشلت فشلا ذريعا وعمقت الفقر والأزمة بما ان انكماش الاقتصاد مع الزيادة الطبيعية في عدد السكان يعني تراجع كبير لنصيب الفرد في الدخل القومي.

+ المجموعة التي تعاطت جرعة مخففة من البرامج حققت نسبة نمو موجبة بلغت 1.

2% وهي نسبة ضعيفة واقل من نسبة زيادة السكان وهذا يعني ان نصيب الفرد في الدخل القومي قد انخفض.

+ المجموعة الثالثة التي رفضت تطبيق البرامج حققت نسبة نمو في الناتج المحلي الاجمالي بلغ 3.

1%.

وأشارت دراسة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا أيضا الي تقييم أجراه البنك الدولي في عام 1988 خلص الي ان الدول الإفريقية جنوب الصحراء التي طبقت برامج التكييف الهيكلي شهدت تراجع في معدلات النمو الاقتصادي وفي معدلات الاستثمار وارتفاع في عجز الموازنة وارتفاع في نسبة خدمة الديون مقارنة بعائد الصادرات.

لتحديد العلاقة بدقة بين النمو وبرامج التكيف الهيكلي أوصت الدراسة بأخذ عوامل أخرى في الحسبان مثل المناخ والديون والمساعدات الخارجية وتقلبات أسعار السلع الأساسية في السوق العالمية بما ان هذه العوامل أيضا تؤثر على النمو.

ولكن بما ان الدراسة غطت مجموعة كبيرة من الدول في فترة زمنية ممتدة فأنها تكون قد أثبتت ان حجم الفشل يتناسب طرديا مع حجم جرعة سياسة التكيف الهيكلي.

نلاحظ ان خطاب الحكومة لتسويق جراحته الاقتصادية يعتم تعتيما كاملا على نتائج تطبيق نفس هذه السياسات في افريقيا كما هو أنسب بما ان اقتصاداتها عظيمة الشبه بواقع الاقتصاد السوداني.

ويفضل الخطاب استدعاء تجارب حدثت في دول تحت نظم شيوعية لا علاقة لتجربتها بوصفة التكيف الهيكلي التي يخضع لها السودان مرة اخري.

وبما ان الدراسة غطت ثمانية سنوات وهي فترة طويلة نسبيا فأنها تدحض حديث السيد وزير المالية السودانية – معية كامل الطاقم الاقتصادي – وتدحض مناشدته للشعب بان لا يستعجل نتائج الجراحة العميقة التي يشرف عليها بلا بنج وهي مناشدة ضمنيا تتهم شعب منهك بالشفقة وضيق الأفق والاستعجال.

وعلى ضوء الدراسة تصير وعود الحكومة بان الفرج قادم لا معنى لها ولا تدعمها وقائع التاريخ لمن اطلع عليه.

قيل ان الذين لا يعون التاريخ محكوم عليهم بتكراره.

ولكن تكمن المأساة في ان فاتورة تجريب المجرب لن يدفعها من صممها وطبقها من رجال أو نساء بل سيدفعها شعب لم تعد به مزعة من سنام.

معتصم أقرع                                      

السودان      |      المصدر: النيلين    (منذ: 3 سنوات | 41 قراءة)
.