التفاؤل يسود التطلعات الاقتصادية

بعد عام يعده كثيرون الأصعب على الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، تسود حاليا نظرة تفاؤلية حول التطورات الاقتصادية من قبل المؤسسات ودور الأبحاث العالمية المتخصصة وقطاعات الأعمال.

ويتصدر صندوق النقد الدولي عادة قائمة المؤسسات المعنية بالتطورات الاقتصادية العالمية.

وصدرت في نيسان (أبريل) الحالي آخر تحديثات تطلعات الصندوق للاقتصاد العالمي وتقديرات النمو التاريخية.

وتضمنت التحديثات تخفيفا لتقديرات تراجع الاقتصاد العالمي في 2020 إلى 3.

3، بتحسن يزيد على نقطة مئوية على توقعاته قبل ستة أشهر.

إضافة إلى ذلك، يتطلع الصندوق إلى أن تتعزز معدلات النمو الاقتصادي العالمي هذا العام والعام المقبل، حيث ستصل إلى نحو 6 في 2021؛ 4.

4 العام المقبل.

ورفع الصندوق تقديراته للنمو الاقتصادي العالمي بسبب زيادة وتيرة التحفيز في بعض الاقتصادات الكبيرة، وخصوصا الولايات المتحدة، كما رفع توقعات معدل النمو الهندي إلى 12.

5 هذا العام.

ويستشرف الصندوق أن يتسارع النمو الاقتصادي العالمي في النصف الثاني من 2021، الذي ستدعمه زيادة تغطية اللقاحات لسكان عديد من الدول القوية اقتصاديا.

خففت سياسات الاستجابة الاستثنائية التي اتخذتها دول العالم وطأة الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها جائحة كورونا، وسرعت في الوقت نفسه التعافي منها.

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أن سياسات الاستجابة للأزمة نجحت في خفض معدلات التراجع الاقتصادي في 2020، إلى نحو ثلث مستوى تركها من دون تدخل.

من جهة أخرى، تؤكد معظم المؤسسات المتخصصة ضرورة الاستمرار في سياسات التحفيز المالي والنقدي والتعامل مع آثار الجائحة السلبية، وذلك من أجل إعادة الاقتصاد العالمي إلى مسيرته المعتادة وخفض آثار الجائحة السلبية.

وتأتي انحرافات وتباين معدلات النمو الاقتصادي بين دول العالم، وتراجع عدالة توزيع الدخل داخل المجتمعات على رأس الآثار السلبية التي نتجت عن الجائحة.

جاءت استجابة السياسات المالية والنقدية قوية من قبل الدول الكبرى اقتصاديا، ما ساعد على سرعة التعافي وإعادة دفة الاقتصاد العالمي نحو مسار النمو.

أما على الأمد المتوسط، فمن المتوقع أن تبلغ معدلات النمو الاقتصادي العالمي في حدود 3.

3، لكن اقتصادات الدول الصاعدة ومنخفضة الدخل ستعاني آثار أزمة كورونا بشكل أكبر من الدول المتقدمة، وذلك بسبب تراجع قدراتها على التحفيز المالي، واعتماد عديد منها على قطاعات تضررت بشكل هيكلي من الجائحة؛ كالسياحة وصادرات المواد الأولية.

وهذا سيقود إلى تراجع معدل نمو اقتصاد الدول الصاعدة ومنخفضة الدخل بوجه عام مقارنة بالمعدلات العالمية؛ ما سيزيد الفجوات الاقتصادية بين دول العالم.

وستعاني بوجه خاص الدول الأقل قدرة على التحفيز المالي وتوفير الموارد اللازمة للرعاية الطبية واللقاحات أكثر من غيرها.

ستواجه دول العالم داخليا إشكالات تراجع عدالة توزيع الدخل والثروة بين الشرائح السكانية، وارتفاع معدلات البطالة الناتج عن الجائحة والتغيرات الهيكلية التي أحدثتها.

وتظهر بيانات التوظيف في معظم الدول ارتفاع معدلات البطالة في شرائح سكانية معينة، وخصوصا في شرائح الشباب والنساء وعاملي القطاعات غير المنظمة.

ويحاول كثير من الدول التعامل مع هذه الإشكالية من خلال زيادة تغطية شبكات الحماية الاجتماعية وسياسات التحفيز الاقتصادي، لكن عديدا منها لا يملك الإمكانات والمقدرة المالية لتوفير الحد الأدنى من الحماية؛ ما يهدد بزيادة معدلات الفقر وتراجع عدالة توزيع الدخل والثروة في كثير من مجتمعات العالم.

ويبدو أن الجائحة - وبغير قصد - عملت لمصلحة كبار المستثمرين وذوي المهارات المرتفعة، حيث شهدت أسواق المال تعافيا قويا ونموا في ثروات أغنى الشرائح، بينما تراجعت دخول الشرائح السكانية منخفضة المهارة والدخل بسبب ارتفاع البطالة.

ترتب على الجائحة عديد من الخسائر المجتمعية، من أبرزها تراجع فعالية التعليم بسبب الإغلاقات والاعتماد المتزايد على التعليم عن بعد.

ويعتقد البعض أن الشرائح السكانية الأقل دخلا خسرت أكثر في التحصيل العلمي لمحدودية إمكانات هذه الشرائح التقنية وانخفاض مستويات التعليم أساسا لدى أسرها، واضطرار أعضائها للعمل والمخالطة بشكل أكبر.

كما تعرضت الشرائح السكانية الأقل دخلا والأقليات لأضرار صحية ونفسية أكبر من الشرائح السكانية الأخرى، نظرا لانخفاض قدراتها على مواجهة الأزمات.

تظل التطلعات الاقتصادية عرضة للخطأ والصواب، وستتعرض للتعديلات مع مرور الوقت وتغير الأحداث، لكن التفاؤل المستقبلي حول التطورات يحفز النشاطات الاقتصادية بشكل أفضل، حيث يزيد الثقة والطمأنينة لدى المستهلكين والمستثمرين؛ ما يحفز الإنفاق في المجالات كافة.

وبغض النظر عن التطلعات الاقتصادية، فإن على الدول تبني السياسات الرشيدة للخروج من الأزمات وتحفيز النمو المستدام.

ويتطلب التعامل الأصوب مع نتائج الأزمة الأخيرة ضرورة توسيع تغطية شبكات الحماية الاجتماعية لتشمل أكبر جزء ممكن من العاطلين عن العمل، وإدخال القطاعات غير المنظمة تحت مظلة شبكات الحماية الاجتماعية، وذلك للحد من الآثار السلبية في توزيع الدخل ومستويات الفقر.

كما ينبغي الاستمرار في سياسات التحفيز المالي والنقدي حتى يعود زخم النمو للاقتصاد العالمي؛ ما سيسهل من التعامل مع التحديات المستقبلية التي من أبرزها الارتفاع الكبير في مستويات الديون.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 3 سنوات | 18 قراءة)
.