المحكمة الدستورية تتفادى "شيكا على بياض" بشأن سجال القاسم الانتخابي

في السابع من أبريل 2021 أصدرت المحكمة الدستورية قرارا استأثر باهتمام كل الفاعلين السياسيين لارتباطه بجانب مهم من الممارسة الديمقراطية، وخاصة طريقة توزيع المقاعد على مستوى مجلس النواب.

لا يخفى على أحد أن المادة 84 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب غيرت بشكل جذري التشريع المعمول به حتى الآن بالنمط الانتخابي، باعتمادها قاسما انتخابيا يحتسب ليس على أساس الأصوات الصحيحة المعبر عنها، وإنما على أساس عدد المقيدين في اللوائح الانتخابية.

وجدير بالملاحظة أن هذا التغيير لن ينعكس فحسب على تركيبة مجلس النواب، بل أيضا وأساسا على تركيبة وتشكيل الحكومة، حيث ينص الفصل 47 من الدستور بهذا الخصوص على أن الملك يعين “رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها”.

وفي هذا الصدد، فإن تغيير طريقة توزيع المقاعد بمجلس النواب سيكون له لا محالة تأثير كبير على نتائج الانتخابات، وبالتالي على تشكيل الحكومة.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} بغض النطر عن هذه المعطيات، لا يجب أن ننسى أن هذا التعديل جاء نتيجة تعبير عن إرادة المشرع، ولم يتمكن معارضوه من ترجيح رأيهم على رأي الأغلبية، كانوا، كما يقال، على خطأ من الناحية القانونية لكونهم أقلية من الناحية السياسية، أليس هذا الأمر من قواعد الممارسة الديمقراطية؟ في هذا الصدد بالضبط يأتي دور القاضي الدستوري ليقول قوله في دستورية قانون مشروط بموافقته قبل الأمر بتنفيذه من لدن جلالة الملك.

في إحدى حيثيات قرارها، اعتبرت المحكمة الدستورية أن أحكام المادة 84 حددت أساس احتساب القاسم الانتخابي من خلال اعتماد قاعدة “عدد الناخبين” المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية؛ وأضافت أنه بما أن الدستور لا يتضمن أي قاعدة صريحة تتعلق بطريقة احتساب القاسم الانتخابي، فإن هذا الأمر من المواضيع التي ينفرد المشرع بتحديدها؛ وهو الموضوع الذي لا يمكن للمحكمة الدستورية التعقيب عليه – وهنا يكمن الخلل – طالما لم يخالف أحكام الدستور.

من خلال قراءة أولية للقرار نلاحظ أن المحكمة الدستورية لم تمارس سوى الوظيفة المخولة لها بمقتضى الدستور، والمتمثلة في التصريح بدستورية أو عدم دستورية القانون التنظيمي المعروض عليها، فهل قامت بواجبها بما يرضي؟ ليس في نيتنا القول إن كانت على صواب أم لا، ذلك أن قراراتها لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية، إلا أنه، رغم ذلك، فهذا لا يمنع من التساؤل عن مدى ممارسة المحكمة الدستورية لكامل واجبها بخصوص هذه النازلة.

وفي هذا المضمار، نعتبر، بكل صدق وتواضع، أن المحكمة الدستورية لما اعتبرت نفسها غير مختصة في تقييم السلطة التقديرية للمشرع فيما يخص القاسم الانتخابي، فإنها تكون قد استقالت من وظيفتها المتمثلة في عملية الضبط المخولة للقاضي الدستوري، كما تكون قد أدارت ظهرها وغيبت مراقبة النسبية الواجب عليها فحصها تفاديا لكل غلو أو شطط في استعمال السلطة التشريعية.

وبالتالي نعتقد أن المحكمة الدستورية، ومن أجل تفادي تقديم شيك على بياض للمشرع من أجل اختيار ما يرغب فيه دون قيود، كان عليها أن تلزم نفسها بتعليل وتبيان الأساس القانوني لاختيار قاسم انتخابي يحتسب على أساس قاعدة عدد المقيدين في اللوائح الانتخابية، وبعد ذلك التصريح بكون هذا الاختيار يمكن قبوله إعمالا لروح الدستور مادام لا يشوبه خطأ بين في التقدير، وهي تقنية مألوفة في الرقابة القضائية، سواء في مجال القانون الإداري أو القانون الدستوري، تسمح لمستعملها بالتذكير بحضوره لكي لا يكون هناك تجاوز لا يستساغ مستقبلا.

طبعا هناك فصول الدستور، لكن هناك أيضا روح الدستور، وبالتالي لا يجوز مراقبة نص قانوني فقط على ضوء ما هو منصوص عليه صراحة، وإنما أيضا مع استحضار عملية التقدير المفروض استعمالها من طرف القاضي الدستوري، ذلك أن الرقابة على الدستورية لا تسمح بتخلي ممارسيها عن صلاحياتهم، وإنما توجب عليهم دائما إبراز حضورهم من خلال مراقبة السلطة التقديرية للمشرع وتحديد حدوده الدستورية.

وعلاقة بهذا، فإن المنهجية المعتمدة في هذا الموضوع، والتي تغيبت فيه المحكمة الدستورية، من شأنها أن تفتح المجال أمام المشرع لاعتماد أي قاسم انتخابي آخر، اعتماد، ولم لا، عدد سكان الدائرة الانتخابية المعنية وليس فقط عدد المسجلين! قد يبدو هذا تصورا مستحيلا وفي منتهى الغرابة، إلا أنه، مع الأسف، بفضل تعليل المحكمة الدستورية الوارد في قرارها، يمكن تصوره وقبوله ! لنتصور ما هو ممكن! كلنا نعلم أن التسجيل في الوقت الحاضر في اللوائح الانتخابية عمل إرادي، ويمكن في المستقبل أن يصير مفروضا وتلقائيا بالنسبة لكل شخص يبلغ سن الرشد القانوني، أي أن الإدارة نفسها هي التي ستتولى تسجيل الراشدين دون رغبة منهم.

وفي هذه الحالة، فإن تعليل المحكمة الدستورية سيصبح غير قابل للتطبيق لأنه لم يتحرّ في ذلك الدقة اللازمة المفروضة في كل منهج قانوني سليم: لا يجب تجاهل المستقبل! حيث إن غياب رقابة المحكمة سيسمح للمشرع مستقبلا باستعمال الشطط في ممارسة سلطته التقديرية، التي ستصبح محصنة من أي رقابة؛ لقد صرح القاضي الدستوري بأن لا رقابة له على السلطة التقديرية للمشرع، ولم يعبد البتة الطريق بالإشارة إلى أنه لم يقبل النمط إلا لكونه غير مشوب بخطأ بين في التقدير.

والغريب في الأمر أن المحكمة الدستورية، وقبل أسبوع فقط عن صدور قرارها هذا، اعتمدت في قرارها الصادر في 31 مارس 2021 في موضوع القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، نفس الاجتهاد المتبع من قبل المجلس الدستوري، وذلك بعدم توقيع شيك على بياض لفائدة المشرع، حيث صرحت بخصوص تعديل هذا القانون التنظيمي بأنه ليس من صلاحياتها التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع لتحديد لائحة المؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية من غيرها، ما لم يكن هناك خطأ بين في التقدير، مما يجعل عملية المراقبة قائمة بشكل دائم.

وباختصار، لئن كان على كل المغاربة الانحناء لحجية الشيء المقضي به لقرار المحكمة الدستورية فيما يخص القاسم الانتخابي، فإننا في نفس الآن نتأسف لهذا القرار الذي خول للمشرع حق إقرار أي مقتضى على هواه، بعيدا عن تقنيات المراقبة المعتمدة عالميا، فليس هناك أسوأ من أن يتخلى المراقب عن مهمته الرقابية.

*أستاذ بكلية الحقوق بالرباط- أكدال

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 سنوات | 19 قراءة)
.