أول رمضان بعد التطوير.. «حياة كريمة» تنقذ «أولاد الشيخ» و«نجع التل»: الدنيا احلوت

وكأنها جسد ميت عادت إليه الحياة، أو أرض بور دخلتها الخُضرة، فالقرية التي كانت خاوية من الخدمات ومتأخرة لقرون التحقت الآن بالقرن الـ21 بعد أن دخلت مبادرة «حياة كريمة» قرية أولاد الشيخ بمحافظة المنيا في مرحلتها الأولى، وطوَّرت فيها بنيتها الأساسية بشكل أدخل السرور على أهالي القرية، الذين كانوا ينتظرون هذه الخدمات لسنوات طويلة، وباتوا الآن يتمتعون ببعض الخدمات الأساسية وينتظرون غيرها من الخدمات التي يتم الآن العمل عليها.

«رضا»: في الأول كنا فاكرينه كلام وخلاص.

.

ولما لقيناه حقيقة فرحنا جدا القرية كانت «معدومة الخدمات» قبل أن تدخل ضمن مبادرة «حياة كريمة»، فكانت المنازل بلا نور، وكانت شبكة المياه سيئة إلى أبعد مدى، إلا أن الوضع الآن تغير بشكل كبير، حسبما يقول رضا عبدالواحد محمود، أحد أبناء قرية أولاد الشيخ، في تصريحات خاصة لـ«الوطن»: «الناس هنا كانت تعبانة، والحمد لله دلوقتي الكهرباء تطورت واتحط 6 محولات كهرباء جديدة وشبكة كشافات كهرباء كويسة جدا، ونفس الكلام في شبكة المياه، كانت تعبانة جدا، وغيروها لنا كلها، ده غير تطوير البيوت، اللي وصلوا لحوالي 60 بيت ولسه في بيوت داخلة في مراحل تانية».

«حياة كريمة عملت لنا خير كتير والقرية اتحسنت الأمور فيها، وإحنا في الأول كنا فاكرينه كلام وخلاص، لكن لما لقيناه حقيقة فرحنا جدا»، بحسب قول «رضا»، موضحا أنهم في القرية لم يكونوا يتوقعون أن يتم التغيير بهذه السرعة بعد الإعلان عن المبادرة، فضلا عن عدم تصديقهم لها من الأساس، مؤكدا أن جميع المشاريع التي تمت في القرية كانت مهمة لهم بشكل كبير، وتأتي على رأس هذه المشروعات إنشاء المدارس وتطوير شبكتي المياه والكهرباء، مشيرًا إلى أنهم ما زالوا في احتياج إلى بعض المشروعات الأخرى مثل الصرف الصحي والغاز الطبيعي ومدرسة ثانوية عامة.

تدريب 45 فتاة على الخياطة بالإضافة إلى 45 شابا على السباكة و45 شابا على الكهرباء، كان أبرز وأهم ما قدمته «حياة كريمة» لأهالي قرية أولاد الشيخ، حسبما يقول طه سعيد إبراهيم، رئيس مجلس إدارة جمعية المجتمع المحلي في القرية، ويبلغ من العمر 52 عاما، موضحا أن هؤلاء المتدربين جميعهم مستعدون الآن للانخراط في سوق العمل، فقط ينتظرون الدعم لذلك، معبرًا بقوله: «الشباب دي فيه منها ناس اشتغلت في البلد، وبدل ما كان عندنا سباك واحد في البلد بقى عندنا 45 سباك، ونفس الكلام مع الكهربائيين، والفتايات جاهزين للشغل لكنهم محتاجين مشغل والمحافظ وعدهم بيه».

«الشايب»: وشوش أهلنا في القرى بعد المبادرة زاد فيها الرضا قرية أولاد الشيخ كانت في صدارة مبادرة حياة كريمة، بحسب قول عماد الشايب، رئيس الوحدة المحلية لمجلس قروي ميانة بمركز مغاغة، وأنه تمت دراسة احتياجاتها وأولوياتها بعناية شديدة بالاشتراك مع أهالي القرية، وبالفعل تم حل كل مشاكل البنى التحتية في القرية، فتم عمل مستشفى على أعلى مستوى والتوسع في قطاع التعليم بشكل يجعله مستقر من حيث الكثافة حتى عام 2060، والآن يتم بناء مدرسة ثانوية عامة بالقرية، كما تم تحديث وتطوير شبكة الكهرباء.

ويضيف «الشايب»: «مقاصد المبادرة تحققت ورأيناها بأعيننا في أهم مسارات المبادرة وهو مسار مهنتك مستقبلك تحت رعاية وزارة القوى العامة من خلال تدريب شباب وفتيات القرية على مهنة الكهرباء والسباكة والخياطة، وأنا أعتبر هذا المسار من أهم المسارات التي شعرنا بأثرها بشكل سريع».

قطار التطوير لم يتوقف في قرى المنيا عند هذا الحد، بحسب «الشايب»: «في المرحلة الثانية من مبادرة حياة كريمة سيتم تغطية كل قرى الوحدة المحلية لمجلس قروي ميانة دون استثناء وبعض التوابع»، مشيرًا إلى أن ردود الفعل على مبادرة حياة كريمة في قرية أولاد الشيخ وغيرها من القرى كانت إيجابية بشكل كبير، معبرًا عن ذلك بقوله: «وشوش أهلنا في القرى بعد المبادرة زاد فيها الرضا لدرجة إننا دلوقتي إحنا اللي بنبحث عن مواطن عنده مشكلة نحلها له».

مشروع تبطين الترع هو الآخر من أكثر الأمور التي انتظرها مواطنو قرية أولاد الشيخ، وذلك للأضرار البالغة التي عانى منها السكان بسبب وجود الترع داخل الكتل السكانية.

  مميزات عديدة لمشروع تبطين الترع لأهالي قرية أولاد الشيخ، من أكثرها أن هذا المشروع سيساهم بشكل كبير في توفير المياه، إلى جانب تقليل مخاطرها على الأطفال: «شكلها كان مزعج، والروايح فيها كانت مش حلوة، وبقالنا سنين بنطالب بتبطين الترع، ومكنش حد بيسمع شكوتنا».

«مشروع قومي عظيم، ولازم يكون فيه اهتمام أكتر من الأهالي بالحفاظ عليه، لأنه يستحق فعلا إن الكل يحافظ عليه»، كانت هذه كلمات المهندس حازم حسن، مشرف عملية تطوير الترع، للإشادة بمشروع تبطين الترع، الذي يعد من أهم المشروعات القومية التي تتبناها الدولة في الآونة الحالية، وذلك لأن هذا المشروع سيوفر المياه، حيث يهدف المشروع إلى تعظيم الاستفادة من المياه، إلى جانب المساهمة في توصيل المياه لعدد أكبر من الأراضي الزراعية، وهنا يمكن زيادة الرقعة الزراعية.

«مصورة»: «عشنا سنين في الضلمة.

.

دلوقتي بقى لينا بيت يلمني أنا وأحفادي» بعد سنوات عديدة قضتها مصورة عبدالظاهر في ظلام دامس، نظرا لعدم توافر إمكانيات مادية لديها كي تقوم بتوصيل الكهرباء إليها، لأن ذلك الأمر لم يكن بالهين نظرا للتكلفة المادية المرتفعة لعدم وجود محولات كهرباء في المنطقة، ما كان يتطلب آلاف الجنيهات كي تصل الكهرباء إليها، وهي التي لا تقوى على نفقات أسرتها وأحفادها: «عشنا سنين في ضلمة، عذاب ومكنش حد حاسس بينا، لحد ما في يوم المطر وقع سقف البيت علينا وبقيت محتارة أنا وأحفادي، هنروح فين وهنعمل إيه».

بعد تلك السنوات التي عانت خلالها الخمسينية، علمت «مصورة» أن مبادرة حياة كريمة قيد التنفيذ وأن منزلها ستشمله المبادرة، هنا أحست السيدة بأنها جزء من نسيج الوطن وأن لها حق العيش بشكل يليق بها: «جم عملوا السقف وجهزوا البيت، وبعد ما كنت في الشارع، بقى لينا بيت يلمني أنا وأحفادي».

سعادة بالغة تعيشها «مصورة» والتي ظلت لسنوات تمني الناس من أن تستيقظ يوما لتجد هناك مياه داخل بيتها بدلا من أن تسير مسافة كبيرة كي تصل إلى «ترمبة» المياه: «كان نفسي ألاقي مياه عندي أول ما أصحى من النوم، مكنتش مضطرة أروح آخر الدنيا علشان أجيب مياه، وتخلص على طول وأفضل رايحة جاية، كل المسافة دي، وأنا شايله على رأسي، لكن دلوقتي الموضوع اختلف بقى عندنا مياه، وصرف صحي وخدمات مكناش نحلم بيها وكل ده بفضل حياة كريمة اللي فعلا حسينا من خلالها إننا بني آدمين».

  يحل شهر رمضان هذا العام لأول مرة على الأسرة وهي تمتلك مقومات الحياة بشكل كامل، الأمر الذي يشعرهم بسعادة بالغة: «ده أول رمضان ييجي علينا وإحنا عندنا مياه ونور وصرف صحي، مش قادرة أصدق نفسي لحد دلوقتي إن بقى عندنا كل حاجة ومش هنحتاج لحد بعد كده».

  «حياة كريمة» تنقذ أهالي «نجع التل» من مياه الشرب الملوثة مع تدشين مبادرة حياة كريمة، تغير الحال وتبدلت الأوضاع كثيرا لدى أهالي قرية نجع التل بالمنيا، الذين عانوا لعقود طال أمدها من عدم وجود صرف صحي، الأمر الذي دفعهم إلى بناء «طرنشات» لتصريف المخلفات، تشبه الغرف الكبيرة، يتم بناؤها تحت الأرض، وهنا تكمن الخطورة، لأن أبناء القرية كانوا يشربون من المياه الجوفية، التي ربما تختلط بمياه تلك الغرف الملوثة، وهذا يفسر بوضوح سبب تفشي فيروس سي بين أولاد القرية، لم يكن الأهالي لديهم أملا في العيش بشكل كريم، وذلك لانعزال القرية عن أعمال التطوير التي كانت تطال المركز بين الحين والآخر، حتى تشكل لدى البعض يقين بأن تلك القرية ستظل هكذا دون خدمات، حتى جاءت مبادرة حياة كريمة وبددت ذلك الاعتقاد وأشعرتهم بأنهم جزء مهم من الدولة.

بعدما علم خليل إبراهيم، أحد أهالي القرية، بأن مبادرة «حياة كريمة» تبنت مشروع إنشاء محطة صرف صحي، إلى جانب تركيب مواسير صرف صحي داخل القرية، أحس بسعادة بالغة لم يشعر بمثلها يوما، وذلك لأنه طيلة سنوات عمره لم يرَ يوما مياه الشرب تدخل المنازل، الأمر الذي دفع البعض إلى حفر الآبار في باطن الأرض من أجل الحصول على مياه عذبة، صالحة للشرب: «مكنش عندنا مياه، وكنا بنعتمد على الآبار، وطبعا مفيش إمكانيات كبيرة علشان نحفر ونوصل لعمق كبير يضمن لينا نقاء المياه، فكنا بنزل في العمق لحد ما نلاقي مياه وخلاص، على الرغم من إن القرية عايمة على مياه صرف صحي، لأن معندناش برضه صرف، لحد ما جات حياة كريمة ونضفت كل ده، وخلتنا نعيش ونحس بوجودنا».

مصر      |      المصدر: الوطن نيوز    (منذ: 3 سنوات | 16 قراءة)
.