محمد الحجري .. محكوم سابق بالإعدام يحوّل منزل أسرته إلى ورشة إبداع

بعد أن تمكن محمد الحجري من تحويل حياته داخل السجن، الذي قبع فيه 24 سنة وستة أشهر، منها 22 سنة بعنبر الإعدام، إلى فسحة للإبداع في الرسم والموسيقى والمسرح، واصل هذا السجين السابق ممارسة هواياته بعد معانقته، مؤخرا، للحرية ضمن فوج السجناء الذين أفرج عنهم إثر تفشي جائحة “كورونا”، محولا بيت والديه بدوار باب محرز بجماعة ازريزر في إقليم تاونات إلى ورشة للإبداع.

قبل حوالي 25 سنة، دخل محمد الحجري السجن على خلفية تورطه في قضية جنائية، وهو ابن 25 ربيعا من العمر، ليدان، سنة 1996، بالإعدام؛ لكن ابن دوار باب محرز لم يقيد مصيره بغياهب السجن، فأطلق العنان لهواياته مستغلا وقته الطويل في صقل موهبته في الرسم والموسيقى والمسرح، ما جعله مثالا للسجين المنضبط والمبدع، فكان ثمار ذلك تحويل عقوبته من الإعدام إلى المؤبد سنة 2016، ثم السجن المحدد سنة 2017.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} الإلهام داخل عنبر الإعدام “جميع الناس يولدون موهوبين؛ غير أن هناك من يجد الفرصة لصقل موهبته، وهناك من يفقدها.

وبحكم أن السجن يشكل مكانا للفراغ، والفراغ كما يقولون يقتل الطبيعة، حاولت قتل الفراغ بالإبداع”، يقول محمد الحجري، مبرزا أن الحكم عليه بالإعدام، على الرغم من قساوته، لم ينل من عزيمته في مزاولة مواهبه.

وأوضح السجين السابق، في مقابلة مع هسبريس بمسقط رأسه بإقليم تاونات، أنه وجد من ساعده داخل السجن في الحصول على الأصباغ، مشيرا إلى أنه بدأ في ممارسة موهبته العصامية في الرسم على أوراق صغيرة، فنالت لوحاته إعجاب السجناء وإدارة سجن مدينة القنيطرة الذي كان يقبع فيه.

“أصبحت أعرض لوحاتي داخل مؤسستي السجنية، ثم في معارض جهوية مخصصة لإبداعات السجناء، كان آخرها مشاركتي في معرض متحف بنك المغرب بالرباط سنة 2020.

وإلى جانب ذلك، أصبحت أساهم في تأطير زملائي السجناء في فن الرسم”، يورد محمد الحجري الذي أفاد بأنه كانت له موهبتان أخريان لا تقلان أهمية عن فن الرسم، وهما الموسيقى والمسرح.

وأفاد محمد، في هذا الصدد، بأنه تمكن بفضل أغنية من إبداعه من نيل الجائزة الأولى على الصعيد الوطني سنة 2017 في مسابقة إبداعات السجناء؛ وهي الأغنية التي كان له شرف تأديتها رفقة الفنان الحاج يونس على مسرح محمد الخامس بالرباط، فضلا عن مشاركته، سنة 2018، في تشخيص مسرحية “امبارك ومسعود” التي أبدعها السجناء وتم عرضها على خشبة 8 مسارح ودور للثقافة خارج أسوار السجن.

“الإبداع، بالنسبة إلي، كان بمثابة نافذة أطل من خلالها على الحرية من داخل السجن”، يقول محمد، مؤكدا أن الحرية كانت دائما تلوح أمام عينيه على الرغم من أنه كان محكوما عليه بالإعدام؛ فالرسم، كما يؤكد ذلك السجين السابق ذاته، كان يغمره بالطمأنينة وينسيه ظلمات السجن وهول حكم الإعدام.

وإلى جانب ذلك، أبرز متحدث الجريدة أنه تمكن داخل المؤسسة السجنية من إتمام دراسته الابتدائية والإعدادية والحصول على شهادة البكالوريا قبل أن يسجل نفسه بشعبة الحقوق بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، لينقطع عن متابعة دراسته الجامعية بعد الإفراج عنه وعودته إلى مسقط رأسه بتاونات.

غربة الحرية واغتراب الإبداع “المجتمع لا يرحم؛ لأن بصمة سجين تطارد السجناء السابقين على الدوام، على الرغم من أن الكثير منهم هم ضحية لجريمة الصدفة”، يقول محمد، مشددا على ضرورة دعم هذه الفئة من المجتمع لكي تستطيع الاندماج وتتجنب العودة إلى السجن.

وأوضح متحدث الجريدة أنه، عكس تجربته الإبداعية داخل السجن، لا تجد اللوحات التي يرسمها داخل منزل أسرته الاهتمام من طرف ساكنة البادية، وعلى الرغم من ذلك، يؤكد محمد أنه يواصل استغلال وقت فراغه في الرسم وكتابة الزجل وتلحينه عزفا على آلة “الوتار” التي أهدتها له أم أحد السجناء عندما كان وراء القضبان، مروجا لأعماله على وسائط التواصل الاجتماعي.

وأوضح السجين السابق نفسه أنه يميل في لوحاته كثيرا إلى رسم المناظر الطبيعية، بسبب ما قال حرمانه من الاستمتاع بالطبيعة لمدة طويلة، مضيفا أنه عندما كان داخل أسوار السجن كانت لوحاته الفنية المجسدة للمناظر الخلابة تجعله يعيش إحساس الحرية داخل زنزانته.

ويرى محمد الحجري أن الإبداع وليد المعاناة، وأن الفضل في معانقته للحرية سالما وعدم إقدامه على الانتحار، كما يفعل ذلك الكثير من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام أو بمدد طويلة، يعود بالأساس إلى عشقه للفن وتمسكه بالحياة.

وأضاف متحدث الجريدة أن علاقته جيدة مع ساكنة قريته، لأنه كان يتمتع بصدى طيب قبل دخوله السجن، موردا أنه عندما عاد إلى مسقط رأسه لم يتمكن من التعرف على أغلب ساكنته، وانتابه إحساس عميق بالغربة، فاقمها عدم توفره على مصدر للدخل وكبر سنه وحاجته إلى شريكة حياة.

ويتطلع محمد الحجري إلى الحصول على فرصة شغل، حيث اتصل، لأجل ذلك، بمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء معززا طلبه بشواهد التكوين المهني التي حصل عليها داخل السجن، مبرزا أنه ينتظر، كذلك، تسليمه حوالي 60 لوحة فنية رسمها داخل أسوار السجن، والتي تحكي تجربته الإبداعية لما كان محكوما عليه بالإعدام.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 سنوات | 12 قراءة)
.