فاعلون يحثون على وضع الفن والثقافة في قلب "النموذج التنموي الجديد"

دفاعا عن دور الإبداع والثقافة في مواجهة التطرف وخطاب الكراهية، اجتمع فنانون وباحثون وسياسيون، في ندوة نظمها مركز وعي للدراسات والوساطة والتفكير، بالمقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط.

وسجل مدخل هذا اللقاء ضرورة وضع “الفن والثقافة” في “قلب النموذج التنموي الجديد”؛ لأنه “لا استدامة للتنمية دون اهتمام بالإنسان، وهو ما يعني، بالضرورة، اهتماما بالأبعاد القيمية والثقافية والفكرية”.

مرض خبيث وسمى ياسين أحجام، مخرج ممثل وبرلماني سابق، التطرف بـ”المرض الخبيث الذي ينخر كل مجتمعات العالم”، مضيفا أن الخطير فيه “تجاوز شكله التقليدي من خلايا وتنظيمات متطرفة”، وانتقاله إلى “وعاء التواصل الاجتماعي، مشحونا بالحقد والتزمت والتعصب بالرأي الواحد”، علما أن التطرف “لا يرتدي الرداء الديني فقط، بل هناك تطرف بشتى الوسائل”.

#div-gpt-ad-1608049251753-0{display:flex; justify-content: center; align-items: center; align-content: center;} ومع استحضاره مكتسبات في مجال هيكلة الفنون بالمغرب، و”نماذج إيجابية” مثل “المكتب المغربي لحقوق المؤلفين واشتغال موظفيه العموميين ليل نهار”، نبه المخرج إلى “جانب التزمت الذي تواجه به الأعمال الفنية”، والحاجة إلى “تطوير النقد حتى لا يحاكم بمعايير أخلاقَوِيَّة غير فنية”، قبل أن يثير “إشكال الحديث عن التوبة عند الحديث في المجال الفني”، مضيفا: “تجد فنانين ساهموا في الحضارة المغربية، ثم يقول لك تبت وكأنه كان كافرا من قبل، وأناسا يظهرون بمظهر حداثي ويقولون “الله يعفو علينا من هذا إنه حرام”، وهذا خطير، ولكننا نمر عليه مرور الكرام”.

وفي السياق ذاته، استحضر ياسين أحجام أن كثيرا من كتاب سيناريوهات “الأعمال الدرامية” في المغرب “أناس لا مستوى لهم”، يشتغلون بدعم عمومي، دون أن تكون لكتاباتهم خلفية ولا عمق، وهو ما يتطلب “ورشات ليكتب الروائيون سيناريوهاتهم، لا أن يتركوها لمن لا تكوين فلسفيا ولا ثقافيا لهم”.

سياسة وطنية للثقافة أما محمد أمين الصبيحي، وزير ثقافة سابق، فقد شدد على أهمية دور الثقافة داخل المجتمع، لـ”تمثيلها الهوية واللحمة التي تمكن من التماسك القيمي والمجتمعي”، ونظرا، أيضا، لـ”ما يرتبط منها بالجانب المادي والاقتصادي المرتبط بالتنمية”، الذي يعبر عنه بـ”الصناعات الثقافية والإبداعية”.

وبعد التذكير بما تشمله الثقافة، في تعريفها الأنثروبولوجي، من كافة جوانب حياة الإنسان، وحصر “المفهوم العصري” لها في المُكتسَب من معارف وتربية وتهذيب للأذواق؛ خلال الانفتاح على إبداعات المبدعين الثقافية والفنية، قال الصبيحي إن السياسة الثقافية لكل بلاد تهتم بما يوضحه التعريف الأخير، من أجل أن يكون لـ”الثقافة والآداب والفنون دور أساسي من أجل مجتمع متوازن”.

وقبل الاسترسال في استعراض المرجعيات التي يفترض أن تستند إليها الدولة في سياستها الثقافية، قال الصبيحي إنه “يصعب أن نتحدث عن سياسة وطنية للثقافة، في غياب منظور إستراتيجي متوافَق عليه، ولو أن لدينا في المغرب دستورا متقدما، يخصص جزءا مهما للقضايا الثقافية والفنية، يمكن القول إنه يشكل أرضية متوافقا عليها، لكن البعض وافق على مضض عليه، وهناك من وافق عليه بحماس لكن لم يكن له نفس الحماس عند تنزيل المقتضيات الدستورية، فهناك مواقف متعددة من الدستور وتنزيله”.

ويضيف وزير الثقافة سابقا: “الأساسي في تسطير السياسة الثقافية هو دور الفاعلين السياسيين أنفسهم”، وهو ما دفعه إلى استعراض “مبادئ أساسية”، انطلاقا “من مرجعية الحزب الذي ينتمي إليه”؛ أولها: “حرية التعبير”، التي تمثل “النقطة المحورية في أي نموذج ثقافي وطني، لأنها ما يسمح للمبدعين والمثقفين بأن ينتجوا بكل حرية واستقلالية”، ومع حرية الإبداع “يسمح باحترام التعدد الفكري والثقافي، في إطار وحدة الهوية”.

ويزيد المتحدث: “حرية التعبير والإبداع أمر أساسي ومحوري في أي نموذج ثقافي؛ لأن عليه يبنى النموذج الديمقراطي المغربي، عكس الأنظمة الشمولية أو الإقطاعية التي تشتغل على ثقافة الدولة، ومثقَّف الدولة، ومطرب الدولة… وهو ما نحن بعيدون عنه منذ الاستقلال ونضال الحركية الثقافية المغربية من أجل استقلال الفكر والإبداع في بلادنا”.

كما يستحضر الصبيحي أهمية “مبدأ تدخل الدولة في المجال الثقافي لضمان الشروط الأساسية للممارسة الثقافية”، داعيا إلى عدم التوقف عند “ويل للمصلين”؛ لأن هذا التدخل أساسي نظرا لحاجة المجال الثقافي إلى الشروط الأساسية حتى يشتغل، “عكس الدول الليبرالية التي تعتبر ذلك قضية “السوق”، وأن ليس للدولة دخل إلا في استثناءات مثل التحفيزات الجبائية، بينما يجعل المغرب للدولة دورا أساسيا لتكون الشروط الثقافية مضمونة، على صعيد الحماية القانونية ودعم الإنتاج الثقافي والفني”.

ومن بين هذه المبادئ، أيضا، حسب المتدخل: “الحق في الثقافة”، الذي “يشير إليه الدستور بكيفية واضحة”، وهو “الحق في الولوج إلى الثقافة من أجل العدالة الثقافية، وهو ما يؤكد أيضا دور الدولة من أجل توفير البنيات الثقافية، وتوسيع العرض، وتعزيز التعليم الفني، وهو من الأدوار الأساسية للدولة في النموذج المغربي الذي نطمح إليه”.

كما يسجل الصبيحي أهمية “مبدأ الشراكة والالتقائية”؛ لأن “الثقافة مجال تتداخل فيه قطاعات عديدة حكومية وغير حكومية، من وزارة للثقافة، ووزارة الداخلية كوزارة وصية على الجماعات المحلية، والوزارة المكلفة بسياسة المدينة، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارة التربية الوطنية”، مما يتطلب “التقائية وشراكة مع الجماعات الترابية، ومع القطاع الخصوصي الذي له دور أساسي في تفعيل الصناعات الثقافية والإبداعية، وتوسيع العرض الثقافي بالبلاد”.

وفي إطار استعراضه مبادئ “سياسة ثقافية وطنية”، تحدث الصبيحي عن “مبدأ حماية الحقوق المادية والمعنوية للمبدعين”، من خلال “قوانين تحمي حقوقهم، وتنظم العلاقات الشغلية بين الفنانين والمشغِلين”؛ وهو ما قال إن المغرب “متقدم شيئا ما فيه، مقارنة مع دول أخرى، من خلال مؤسسة حماية حقوق المؤلف التي عرفت تطورا ملحوظا في السنوات الماضية، والترسانة القانونية التي تحتاج تفعيلا”.

وشدد وزير الثقافة السابق، عن حزب التقدم والاشتراكية، على ضرورة هذه المبادئ من أجل “بناء مجتمع متزن”؛ وهو ما يتطلب “رؤية وطنية متفقا عليها، بإمكانيات، وانخراط مختلف الفعاليات، الحكومية وغير الحكومية”، في سبيل “حرية الإبداع وحرية الفكر، وجعل الثقافة ذات موقع حقيقي داخل المجتمع، وداخل البنية المؤسساتية للبلاد”، مما يقتضي “التقائية بين كل الفعاليات التي تؤمن بأن للمغرب طاقات واسعة قادرة على بناء مجتمع معتدل، وبأن للثقافة أدوارا أساسية في هذا المجال”.

دور الثقافة في محاربة التطرف من جهته، تحدث محمد عبد الوهاب رفيقي، باحث في الإسلاميات رئيس مجموعة وعي للدراسات والوساطة والتفكير، عن دور “الثقافة عموما والفن خصوصا” في “محاربة خطاب الكراهية والتطرف، ودورهما الأساسي في تنوير العقول، والحد من الأحكام الإطلاقية، والعقليات المنغلقة التي تؤدي بكثير من الشباب إلى الوقوع في براثن التطرف”.

واستحضر الباحث وجود أعمال سينمائية “لا تغوص في عمق عقل المتطرفين ومعيشهم”، وتكون لها نتائج عكسيا بسبب ما تنتجه من “صور كاريكاتورية”، مما يجعل لها أثرا عكسيا؛ فبدل إنقاذ الشباب المتطرف تجيشهم لأنها تجعل مجيِّشيهِم يقولون “انظر كيف يشوهنا أعداء الله” فيثقون فيهم أكثر.

علما “ألا حاجة حتى إلى الخيال، في هذا المجال، لأن هناك مآس وقعت، ومادة خاما وفيرة لمن تورطوا في الإرهاب من قاصرين ونساء وغيرهم”.

.

بينما تطرق عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، إلى الإبداع الروائي العربي، بوصفه جزءا من الإبداع الإنساني، وإسهامه “بشكل كبير في رصد ظاهرة العنف والكراهية والتزمت والتطرف، واستيحاء وتمثل ثقافة التسامح والسلام والحوار، وإشاعته”.

قائلا إن “أعظم ما يخشاه المتطرفون الثقافة”، ومنبها إلى أن “في بلادنا، وغير بلادنا، لم تعد تجدي المقاربة الأمنية وحدها، ولا بد من مقاربة الظواهر والحالات الشاذة من عنف تطرف مقاربة ثقافية”.

وتحدث عليا الإدريسي، شاعرة، عن الحاجة إلى “عقل يفكر ويبدع”، وعن الحاجة بعد “مواجهة التطرف أمنيا” إلى الحرص على اضمحلاله تماما عبر “المواجهة الفكرية”؛ علما أن “الإبداع هو الذي يحصن الشباب المرشحين للتطرف” مما يتطلب تنظيم “ورشات في المناطق المهمشة، والتفكيك، عبر مشاريع فنية، لتحويل البيئة الحاضنة للعنف والتطرف إلى بيئة طاردة له”، مع حوار بين الأديان والحضارات، و”فك للعزلة عن عقول المتطرفين الساعين إلى طمس كل جمال”، في ثورة إبداعية حقيقية؛ في إطار “مصالحة مع الذات والمجتمع والنص الديني”.

المغرب      |      المصدر: هسبرس    (منذ: 3 سنوات | 12 قراءة)
.