المقاطعة الإعلانية وحدها لا تكفي لكبح عمالقة التكنولوجيا

هل تؤدي العدالة الاجتماعية إلى العدالة الاقتصادية؟ إنه سؤال أثارته حركة "حياة السود مهمة"، التي سلطت الضوء على العنصرية الممنهجة في الولايات المتحدة، وعدم المساواة الاقتصادية المصاحبة لها.

لكنه أيضا سؤال لعالم الشركات على نطاق أوسع، وبشكل خاص لشركات التكنولوجيا الكبرى.

شركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل، فيسبوك، سناب شات، وتويتر تخسر دولارات الإعلانات الآتية من الشركات الكبيرة، التي تشعر بالقلق من ارتباطها بالمحتوى التحريضي المنشور على هذه المنصات.

الأمر يتطلب أكثر بكثير من المقاطعة الإعلانية، بسبب خطاب الكراهية، للحد من القوة الاقتصادية لشركات التكنولوجيا الكبرى.

مبدئيا، قد تكون المقاطعة مجرد طريقة انتهازية للتلويح بعمل نبيل، عندما تكون ميزانيات التسويق منخفضة بالفعل.

يراهن مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، على ذلك، ويقال، إنه قال لموظفيه: "أعتقد أن جميع هؤلاء المعلنين سيعودون إلى المنصة قريبا".

سواء كان على حق أم لا، فإن المقاطعين بما في ذلك "ستاربكس"، "كوكاكولا"، و"يونيليفر" يشكلون حصة صغيرة من إجمالي عائدات إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي.

أكثر من 70 في المائة من عائدات الإعلان البالغة 70 مليار دولار على "فيسبوك" تأتي من الشركات الصغيرة.

لقد فتكت بها الجائحة.

لكن، عندما تعود، من المرجح أنها ستنفق أي ميزانيات تسويقية متبقية على الإعلانات الرقمية، فهي أرخص وأكثر كفاءة من طرق الإعلان الأخرى.

نعم، لقد تضرر الإعلان عبر الإنترنت.

لكن قابلية نموذج الأعمال الرأسمالية للمراقبة ـ سمي بذلك لأنه يستخدم البيانات الشخصية سلعة لتحقيق الأرباح ـ لم تتغير.

من المحتمل جدا أن أكبر جامعي بيانات المستهلكين - بما في ذلك "جوجل"، "أمازون"، و"فيسبوك" - سيظهرون أكبر وأكثر قوة بعد الجائحة.

إن وزن قطاع التكنولوجيا في مؤشر ستاندرد آند بورز 500، الذي تدعمه مجموعة من الشركات الكبيرة، يقترب من 30 في المائة، وهو أعلى مستوى في 20 عاما.

ومع أن المقاطعة تجذب الانتباه إلى قضايا مثل، المحتوى السام، الخصوصية، والحريات المدنية، إلا أن المشاركة العادلة للثروة الرقمية تتطلب أشياء أخرى.

أهمها، مزيد من الشفافية.

مثل المؤسسات المالية الكبيرة، شركات التكنولوجيا الاستهلاكية الكبيرة تتاجر بالمعلومات، فهي كمن يجلس في منتصف ساعة رملية، ترى جميع المعاملات التي تتم بوضوح تام، لكن هذه الرؤية غير متاحة للمستهلكين، أو المنافسين، أو المنظمين.

هذا التباين في المعلومات يمنحها ميزة إشكالية.

كما قال آدم سميث، لكي تكون الأسواق عادلة وفاعلة، تحتاج الأطراف على جانبي المعاملة، إلى وصول متساو إلى المعلومات وفهم مشترك لما يتم تبادله.

ليست هذه هي الطريقة التي تعمل بها رأسمالية المراقبة اليوم.

غموض المعاملات عبر الإنترنت والقوة، التي يمنحها لشركات التكنولوجيا الكبرى هي السبب الرئيس وراء رغبة المنظمين في أوروبا والولايات المتحدة في فتح صناديقها السوداء الخوارزمية.

شيرود براون، وهو من أبرز الأعضاء في لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للشؤون المصرفية والإسكان والشؤون الحضرية - مناضل من أجل مزيد من الشفافية ومن أجل ضوابط مالية أكثر صرامة بعد أزمة 2008 - اقترح تشريعا من شأنه أن يغير ديناميكيات جمع البيانات.

يهدف التشريع، إلى نقل عبء المسؤولية من المستهلكين، الذين يتعين عليهم قراءة سياسات الخصوصية المكونة من أربعة آلاف كلمة، والنقر على "أوافق".

إضافة إلى حظر تكنولوجيا التعرف على الوجه، فهو أيضا يحصر تحقيق الدخل باستخدام البيانات في المعاملات الفردية، بدلا من السماح للشركات بجمع بيانات المستهلك لاستخدامات عدة، ولمدة غير محدودة.

ربما يتطلب تطبيق هذه القواعد تدقيقا خوارزميا.

الاهتمام بهذا الأمر زاد بسبب زيادة في استخدام الذكاء الاصطناعي والأتمتة في مجالات تشمل إدارة أهلية الائتمان، وطلب الحصول على القروض، وقرارات التوظيف وما شابه ذلك، وهي زيادة أملاها وباء كوفيد - 19.

تجنب "الخوارزميات" قد يبدو متعلقا بالعدالة الاجتماعية، لكنه متعلق أيضا بالمنافسة.

تشكو الشركات من أنه إذا أجبرها المنظمون على فتح صناديقها السوداء الخوارزمية وتغيير نماذج أعمالها، ستنخفض سهولة خدماتها وفائدتها.

حل السيناتور براون هو: "يجب أن يستجيب وادي السيليكون من خلال فعل ما يجيد فعله دائما، الابتكار".

مشبها ذلك بالكوارث البيئية في الستينيات، التي أدت إلى قانون الهواء النظيف ووكالة حماية البيئة والمركبات ذات الانبعاثات المنخفضة، وهو اتجاه وصل إلى ذروته أخيرا عندما أصبحت "تيسلا" شركة السيارات الأكثر قيمة في العالم.

إضافة إلى الغموض والتعتيم، تعتمد شركات التكنولوجيا الكبرى على النطاق والامتداد العالمي لتحقيق أرباح غير متناسبة.

لكن تفكيك العولمة والمشهد التكنولوجي المجزأ في العالم، سيحدان من قدرة الشركات على النمو عبر الحدود.

مثال على ذلك، حظر الهند لشركة التواصل الاجتماعي الصينية "تيك توك".

في الولايات المتحدة، سيجتمع رؤساء "أبل"، "فيسبوك"، "جوجل"، و"أمازون" نهاية تموز (يوليو) الجاري في واشنطن العاصمة، لجلسات استماع حول مكافحة الاحتكار، وهو أول نقاش كبير حول سياسة المنافسة الأمريكية خلال نصف قرن.

الرياح الخلفية الأخيرة، التي تدعم القوة الاقتصادية لشركات التكنولوجيا الكبرى، هي السياسة الضريبية.

لن تؤدي أي من مقترحات المرشح الديمقراطي المفترض، جو بايدن، إلى زيادة الضرائب على قطاع التكنولوجيا على وجه التحديد، حسبما أشارت المملكة المتحدة وبعض الدول الأوروبية.

بفضل معدلات الضرائب المنخفضة نسبيا، تحافظ شركات التكنولوجيا الكبرى على جزء كبير من أرباح الشركات.

إذا أردنا عدالة اقتصادية حقيقية، أعتقد أننا نحتاج إلى ضريبة أرباح رقمية أيضا.

مقاطعة الشركات تدل على موقف سياسي.

يتطلب الأمر أكثر من ذلك ليكون له تأثير في صافي أرباح وادي السيليكون.

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 4 سنوات | 14 قراءة)
.