هل أساءت بريطانيا التعامل مع فحص الفيروس الفتاك؟

في الأسبوع الثاني من شباط (فبراير) الماضي، عندما استيقظ البريطانيون على أنباء تفيد بتزايد الأشخاص المصابين بفيروس كورونا في بريطانيا، قدمت وزارة الصحة في البلاد قدرا من البيانات المطمئنة.

وقالت، إن "خدمة الصحة الوطنية والنظام الصحي الأوسع مستعدان بشكل جيد للغاية لمكافحة فيروس كورونا، ويتبعان الإجراءات المجربة والمختبرة من أعلى المعايير لحماية الموظفين والمرضى والجمهور"، إلا أنه ما لبث أن تحطم ذلك اليقين بعد ستة أسابيع.

يكافح الوزراء لإقناع بلد مغلق مع أكثر من 14550 حالة مؤكدة وما لا يقل عن 759 حالة وفاة، أن بإمكانهم زيادة عدد أجهزة التنفس الاصطناعي وأسرة المستشفيات، والإجراء الوحيد الذي يقول كثير من الخبراء إنه كان من الممكن أن يساعد في إحباط الأزمة في المقام الأول هو: الفحوص.

"الفحص أساس عمل محقق الصحة العامة للقضاء على وباء"، كما قال أنتوني كوستيلو من جامعة كلية لندن، وهو مدير سابق في منظمة الصحة العالمية.

وأضاف أن الفحوص ضرورية لتتبع الأشخاص الذين يعانون الأعراض، وتحديد معارفهم ووضعهم جميعا في الحجر الصحي، حتى في الوقت الذي يصبحون فيه غير معديين.

قال خبراء آخرون إن معرفة طريقة ومكان الانتشار ساعدت أيضا في توجيه السلطات حول أنواع الإجراءات التي يجب استخدامها استجابة لذلك.

في البداية، بدا أن بريطانيا كانت ستتبع هذه النهج، لكن الخطوات التي اتخذتها بعد ذلك أصبحت مصدر قلق للجمهور والعاملين في خدمة الصحة الوطنية على الخطوط الأمامية للوباء.

عندما أصدرت الصين الرمز الوراثي لفيروس كورونا في الـ12 من كانون الثاني (يناير) الماضي - مخطط لإنتاج الفحوص - أصبحت بريطانيا واحدة من الدول الأولى التي تطور فحصا دقيقا لوجود الفيروس عند المرضى.

سرعان ما بدأت بريطانيا بتعقب وتتبع حاملي الفيروس المحتملين، لكنها لم تتبع مسار الفحص الشامل الذي حظي بتقدير كبير في كوريا الجنوبية، التي سرعان ما كانت تفحص أكثر من عشرة آلاف شخص يوميا.

كما عالجت بريطانيا أيضا فحوصها بطريقة مختلفة عن كوريا الجنوبية ودول أخرى.

بدلا من استخدام شبكة من المختبرات العامة والخاصة، استخدمت في البداية مختبرا واحدا فقط - منشأة كولينديل التابعة لهيئة الصحة الإنجليزية في شمالي لندن، التي كانت تجري نحو 500 فحص يوميا هذا الأسبوع.

مع بدء انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، أدرجت بريطانيا تدريجيا مزيدا من المختبرات في جميع أنحاء البلاد، حيث أعلنت في الـ11 من آذار (مارس) الماضي، أنها أجرت 25 ألف فحص في المجموع وكانت تهدف إلى عشرة آلاف يوميا – وهو هدف لم تصل إليه بعد.

هذا النهج المتسلسل لم يكن "مرضيا للغاية"، كما قال جريج كلارك، وزير الأعمال السابق من حزب المحافظين الذي يرأس لجنة العلوم التابعة لمجلس العموم، التي تحقق في استجابة الحكومة للفيروس الفتاك.

وأضاف، "أولا كان هناك مختبر واحد لهيئة الصحة الإنجليزية هو منشأة كولينديل للفحص ثم انضم 11 مختبرا آخر إليها، وفي النهاية شاركت مزيد من المختبرات من خدمة الصحة الوطنية والجامعات، على أن السؤال هو: لماذا لم تبدأ جميعا بالتوازي" يعتقد بعض الخبراء أن الإقطاعيات البيروقراطية قد تفسر سبب عدم انضمام الآخرين لمختبر كولينديل إلا بشكل تدريجي.

وقال أحد كبار الأكاديميين الذي عمل في كثير من المختبرات في بريطانيا، "إذا كنت أدير مختبرا حيث كل عينة من مرض جديد مثير للاهتمام حقا يجب أن تأتي إلي للفحص، فأنا أتحكم في البيانات".

"في هذه الحالة من الصعب بعض الشيء القول، "نحن بحاجة إلى شبكة من الأماكن، ولا يهم مكان إجراء الفحوص طالما يتم تجميع كل البيانات معا".

قالت هيئة الصحة الإنجليزية، "الانتشار إلى أجزاء أخرى من بريطانيا هو أسرع انتشار لفحص جديد إلى مختبرات هيئة الصحة الإنجليزية وخدمة الصحة الوطنية في التاريخ الحديث، بما في ذلك أثناء وباء إنفلونزا الخنازير في عام 2009".

أضافت الوكالة، "نشر القدرة الإضافية يتطلب موظفين مدربين جيدا ومعدات وإمدادات من المواد الاستهلاكية، فضلا عن عملية تحقق شاملة للمختبر لضمان صحة النتائج".

"الدقة مهمة بشكل خاص بالنظر إلى تركيز قدرة مختبرات هيئة الصحة الإنجليزية وخدمة الصحة الوطنية، على فحص المرضى الأكثر ضعفا في وحدات العناية المركزة، الذين ستؤثر نتيجتهم في الإدارة السريرية الحيوية وقرارات الوقاية من العدوى والسيطرة عليها".

انتقد كلارك بريطانيا لعدم تعلم مزيد من تجارب دول أخرى.

ألمانيا، على سبيل المثال، لديها معدل وفيات بسبب فيروس كورونا منخفض نسبيا بعد زيادة الفحوص إلى متوسط يبلغ 500 ألف أسبوعيا - نحو 12 مرة ضعف العدد الذي يتم في بريطانيا.

"ليس هناك تفسير علني للأساس المنطقي لاتباع بريطانيا نهجا مختلفا"، كما قال كلارك، الذي أضاف أنه كان يطلب من مات هانكوك - وزير الصحة الذي قال إنه ثبتت إصابته بالفيروس - أن يفسر استراتيجية بريطانيا المتباينة على مدى شهر.

"في كل لحظة كان لديه طموح لزيادة الفحوص، لكن ما اكتشفناه هو أن معدل الزيادة كان بطيئا جدا.

حتى الآن، نحن نجري ستة آلاف فحص في اليوم، بالكاد يعد تحولا.

هذا يعني عشرة فحوص يوميا فقط، في كل دائرة انتخابية" حسبما أضاف كلارك.

يعتقد بعض الساسة أنه لم تكن هناك قط رغبة كبيرة لإجراء فحوص كثيرة في بريطانيا.

وقال أحد كبار أعضاء حزب المحافظين، "يوجد اعتقاد هنا أن الأشياء التي تجري في كوريا كانت تدخلية للغاية، ولن تكون مقبولة.

لم يعتقد أحد أنك قد تكون استبداديا في هذا الصدد".

أضاف العضو، "ما حدث فعلا في الصين وكوريا وتايوان وسنغافورة - جميع الدول التي لديها ذاكرة لفيروس سارس - كانت نتيجته أفضل بكثير مما ظن أي شخص.

لا بد أن الأمر هو أننا دفعنا ثمنا اقتصاديا أكبر بكثير من استراتيجيتنا".

ما يزيد الارتباك، مع ارتفاع عدد الحالات المصابة في بريطانيا، أن استراتيجية الفحص الحكومية تتغير بشكل متكرر.

في الـ14 من آذار (مارس) الماضي، أشار مسؤولون إلى أن استراتيجية المعارف والتتبع لمكافحة انتشار الفيروس كانت تنتهي، باستثناء الذين يعيشون في الأماكن عالية الخطورة مثل السجون أو دور الرعاية.

بالنسبة إلى الآخرين، سيتم إعطاء أولوية الفحص للذين هم أكثر مرضا في المستشفى.

في غضون أيام، هرع الآلاف لتوقيع عريضة الأطباء المبتدئين تطالب بفحص العاملين في خدمة الصحة الوطنية حتى يعرفوا ما إذا كانوا آمنين للعمل أم لا، وقال مسؤولون إنهم يهدفون إلى 25 ألف اختبار يوميا.

بعد يوم فقط، زعم رئيس الوزراء بوريس جونسون - الذي كشف أنه قد ثبتت إصابته بالفيروس - أن الفحوص اليومية سترتفع إلى 250 ألفا.

حيث وصلت ذاك الأسبوع إلى 6500 في اليوم، وقال مسؤولون إنها لن تصل إلى 25 ألف حتى منتصف نيسان (أبريل) الجاري.

كما أعلنت الحكومة أن تحالفا جديدا من الشركات ومعاهد البحوث والجامعات سيزيد عدد فحوص العاملين في الصحة في الخطوط الأمامية، حيث سيتم إجراء المئات بحلول نهاية عطلة نهاية الأسبوع، وسترتفع الأعداد بشكل حاد الأسبوع المقبل.

إذن لماذا خففت الحكومة ما بدا في البداية أنه جهود مشتركة لتتبع المعارف والحجر الصحي.

قالت جيني هاريس، نائبة كبير الإداريين الطبيين في إنجلترا، للصحافيين، "هناك مرحلة في الوباء حيث لا يكون ذلك تدخلا مناسبا"، مضيفة أن تركيز الفحوص يجب أن يتحول إلى المرضى ومن ثم إلى العاملين في الصحة.

وقالت، إن "هناك خطة يتم إعدادها تتوافق تماما مع العلم"، مضيفة أنه إذا كانت هناك "مرافق فحص لا نهائية، فسيكون بالإمكان إدراج الجمهور على نطاق أوسع.

حتى لو كانت لدى الحكومة تلك المرافق اللا نهائية، يخشى بعض الأشخاص أن الأوان قد فات للعثور على المواد الكيميائية اللازمة لتعزيز قدرتها على إجراء الفحوص.

قال عضو حزب المحافظين البارز، "انتقلنا إلى مرحلة التأخير؛ ثم أدركنا أننا أردنا القمع، لكن بحلول تلك المرحلة، كان العالم كله قد استيقظ على الحاجة لإجراء الفحوص وكان علينا دخول قائمة الانتظار".

في مواجهة القلق العام المتزايد بشأن نقص الفحوص، بدأ جونسون ومسؤولوه بتسليط الضوء على العمل لاختبار الأجسام المضادة الجديد "المغير للعبة"، الذي يرجون أنه سيسمح للأشخاص بمعرفة ما إذا كانوا قد أصيبوا بفيروس كورونا وبالتالي - كما يرجون - لديهم مناعة.

لا يزال من غير الواضح متى سيكون هذا الاختبار متاحا على نطاق واسع.

في الوقت نفسه، يقول الذين عملوا على أوبئة سابقة إن هناك درسا واحدا واضحا من نهج الفحص المتباين في بريطانيا.

"مهما كانت القرارات التي يعتقد الناس أن عليهم اتخاذها، يجب عليهم اتخاذها بشكل أسرع وأكثر جرأة"، كما قال خبير الفيروسات الأستاذ بول كيلام من كلية إمبريال في لندن، الذي عمل على إنفلونزا الخنازير وفيروس إيبولا وغيرهما من الأوبئة.

في بريطانيا، ربما كان يعني ذلك المقامرة لزيادة قدرة الفحوص بشكل كبير في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي كما قال، لكنه اعترف أن ذلك كان قرارا صعبا.

ومع ذلك قال كيلام، "من الأفضل أن تكون كبيرا وجريئا ومتفوقا، بدلا من أن تكون متأخرا وضعيفا".

في مواجهة القلق العام المتزايد بشأن نقص الفحوص بدأ جونسون تسليط الضوء على اختبار الأجسام المضادة الجديد «المغير للأحداث»

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 4 سنوات | 10 قراءة)
.