حلم العودة إلى الوراء

حلم العودة إلى الوراء | صحيفة الاقتصادية

Author

حلم العودة إلى الوراء

|

يجري حديث داخلي بين الإنسان وذاته عن تمني العودة إلى الوراء، إلى مراتع الطفولة والدراسة، وربما أبعد من ذلك، وإلى ما كونه في مخيلته عن الحضارات والبشر. تصورات تعود به إلى مئات وربما آلاف الأعوام، حتى يجد إجابة للأسئلة الحائرة عن كيفية بناء الأهرامات، وسور الصين العظيم والسفر بين القارات، ومثار نقع الخيول في ساحات الوغى وضرب طبول الحرب، وكيف كانت البوادي والبراري ومعاقل الحضارات وملوك الأرض وقادة الجيوش.
الحنين إلى الزمن القديم شائع، ويسمي إنديل تولفان الخبير في علم النفس التجريبي هذا السلوك التفكيري بالسفر الذهني، ويعده جزءا من وعي الفرد بوجوده المتعدي زمنا بعينه، وهو ما يمكننا من استرجاع ما حدث في الماضي وتصور أحداث مستقبلية بشكل مسبق. وقد لبى السينمائيون هذا الشغف بابتكار حلم آلة الزمن، القادرة على أن تعود بك إلى أي جيل بضغطة زر، مثل أفلام مارفيل الشهيرة، وعززت كتب التراث والتاريخ صورة الزمن القديم، وكيف كانت الحياة بسيطة وعفوية، وأطلقوا عليه الزمن الجميل، وجيل الطيبين.
حسنا، لا مشاحة أن المتمنين العودة إلى الوراء كثر، لكن لا أجد مبررا لمن قطع الشك باليقين أن ذلك الزمن أفضل من زماننا هذا عدا العاطفة الجياشة، وإلا فإن الإنسان القديم تحفى قدماه، وربما يموت من العطش في مواجهة الوحوش الضارية، حتى يصل إلى مسافة نقطعها اليوم في ساعة بالطائرة، ويموت من ليلة زمهريرية لا يجد جهازا يبعث على التدفئة في ثوان، ويمضي الليالي جائعا بانتظار طريدة، يمكن طلبها اليوم بتطبيقات التوصيل في دقائق وبأشكال وأنواع لا حصر لها، كما تصاب أصابعه بالجمود وهو يخط بالفحم على العظام والبردي، بدلا من كيبورد يكتب آلاف الكلمات في وقت وجيز، ويموت بسبب حمى تغرس مخالبها في جسد أنهكته الأمراض، حتى سجل التاريخ رحلات للعلماء استمرت لعشرات الأعوام من أجل الحصول على كتاب أو معلومة، بينما تجد ملايين الكتب والمراجع والصور والخرائط عبر محرك البحث جوجل.
وصل الإنسان اليوم إلى مرحلة حضارية مذهلة، لدرجة أن آلة الزمن تلك قد تكون حقيقة مع نظرية أينشتاين النسبية للزمن، وتتفق مع أفكار ستيفن هوكينج، الذي يعتقد وجود ثقوب تشكل طرقا مختصرة للزمن والفضاء، وهي محل بحث العلماء في إمكانية تحويل هذا الحلم إلى حقيقة.

إنشرها

السعودية      |      المصدر: الاقتصادية    (منذ: 1 سنوات | 57 قراءة)
.