"الذي يغدو عنيدا في شجاعته ، الذي رغم تباشير الموت الداني لا يفقد ذرة من ثقته بنفسه ، الذي وهو يسلم الروح يحدق في عدوه بنظرات حازمة ومزدرية , انه مقتول ولكن ليس منهزما :
ثمة خسارات ضافرة تنافس الانتصارات … “
مونتاني
وجد محمد بن حميد الطوسي نفسه وحيدا محاصرا من اعدائه في مواجهة غير متكافئة ،كان في وسعه الإستسلام إيثارا للسلامة ، "كان فوت الموت سهلا " لكنه آثر الإختيار الصعب ، شأن كل حر يرى" المذلة كفرا " اختار نهاية تليق ببطل ، اختار "الخسارة الضافرة التى تنافس الإنتصارات “ مات عداه وطواهم النسيان وبقي هوحيا ممجدا في نور الخلود ،إستدعت العظمة شاعرا بقدرها، قطع العمر في عشق "الحماسة"، جوابا متابعا البروق شغوفا بالروح الباسلة . كان أبو تمام واقفا هناك ،مأخوذا يحدق برهبة وإفتتان في الفارس الأبي وجسده المثخن، محتفيا بالجسارة والشجاعة والموت المجيد ، مسطرا فريدته الحية الخالدة مطلقا الطوسي من إسار الفناء،
ومانحا مبتته جلالها وعظمتها ومعناها الحي وقيمتها الباقية،
فَتىً ماتَ بَينَ الضَربِ وَالطَعنِ ميتَةً
تَقومُ مَقامَ النَصرِ إِذ فاتَهُ النَصرُ
وَما ماتَ حَتّى ماتَ مَضرِبُ سَيفِهِ
مِنَ الضَربِ وَاِعتَلَّت عَلَيهِ القَنا السُمرُ
وَقَد كانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ
إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ
هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ رِجلَهُ
وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ
نحن أبناء هذا النسق من الثقافة ، روافدنا ومواريثنا علمتنا أن "الحرية فقدان الخوف "بحسب الماغوط
كل الثقافات مجدت البطولة وقبحت الخوف والجبن ، والإنهزام . وهؤلاء الذين يناهضون سلطة البطش ويقاومون الإكراهات والخضوع هم كبرياء وطن ورموز شعب " أبي مارد شرس " كما وصفه أبوه الحر الكبير
وهم نماذج للتحدي والتأبي على الإنكسار ، هم بعض تجليات غضبنا المكبوت ، وسخطنا المتعاظم أبطال وفرسان مخذولون ، تحملوا وحدهم عبء التمرد ، إختاروا عدم الإنصياع والإستكانة ، قرروا الذهاب الى اقصى مدى في الرفض وتقبلوا دفع الكلفة ، وللجبان العاجز أن يصمت إن لم يسعه فعل شيء يليق ، من العار أن يشايع الجلاد ويبرر الجريمة ، ويحابي المجرم، وينتصر لقاهره ويدين نفسه ، الحر يقاتل من اجل حريته وكرامته وحقه في حين يقعي العبد أسير مخاوفه ورعبه ومع كل حدث يفتش عن ذنبه ويجلد ذاته . ويمعن في النكوص والإرتكاس .
الخسارات الضافرة
صحافتي بتاريخ: 03-07-2025 | 1 أيام مضت