"سرديات مزيفة" تفضح ازدواجية خطاب جنوب إفريقيا ضد المغرب
على جبهات التنسيق التقليدي داخل القارة الإفريقية، تُجدّد جنوب إفريقيا إقحام قضية الصحراء المغربية في تداولاتها الدبلوماسية بالمحافل الأممية، محاولة توظيف واجهات حقوقية دولية لخدمة أجندتها السياسية.
وفي هذا الصدد، أعادت بريتوريا نفث سم العداء التاريخي تجاه الرباط؛ وذلك خلال ندوة جانبية نظمت بجنيف، من لدن البعثة الدائمة لجنوب إفريقيا لدى الأمم المتحدة، إلى جانب منظمات غير حكومية؛ بينها منظمة الخدمة الدولية لحقوق الإنسان، ومؤسسة رافتو، تحت عنوان “مقاومة النساء الصحراويات”.
الندوة، التي انعقدت على هامش الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، شكلت منصة لترديد سرديات معروفة سلفا تتبناها جبهة “البوليساريو”، عبر شهادات وأصوات نسوية تم تقديمها باعتبارها ضحايا لانتهاكات مزعومة، وتغييب وجهات النظر الأخرى؛ الشيء الذي ألقى بظلال من الشك على استقلالية النقاش ومدى التزامه بالمبادئ الأساسية للعمل الأممي، وعلى رأسها التوازن والموضوعية.
وفي مداخلته خلال الجلسة الختامية، عبّر السفير مكسوليسي نكوسي، الممثل الدائم لجنوب إفريقيا لدى الأمم المتحدة بجنيف، عن تضامنه مع النساء المشاركات، قائلا إن “أصواتهن لن تسكت”، معتبرا أن صمودهن يفضح “السردية الرسمية التي تحاول تبييض واقع الاحتلال”، على حد تعبيره. كما أشار نكوسي إلى ما وصفه بـ”استراتيجية انتقام ممنهجة” تمارس ضد النساء الصحراويات، مع الاستشهاد بتقرير بعنوان “Resilience in Resistance”.
ولم يكتف السفير الجنوب إفريقي بهذا القدر من العداء؛ بل وجه نقدا مباشرا إلى عدد من الدول الغربية بسبب غيابها عن الندوة، معتبرا أن “هذا الغياب دليل على ازدواجية المعايير في التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان، وأن الصمت إزاء معاناة الصحراويات يعد تقاعسا أخلاقيا يتنافى مع المبادئ المعلنة لتلك الدول”، حسب طرحه.
سرديات مزيفة
عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، قال إن الندوة الجانبية، التي نظمتها البعثة الدائمة لجنوب إفريقيا بجنيف حول ما سمي بـ“مقاومة النساء الصحراويات”، أظهرت حجم التضليل ومحاولات تمرير الأخبار الزائفة من خلال احتفالية تحمل عناوين حقوقية؛ لكنها انحرفت نحو الترويج لأطروحة جبهة “البوليساريو”، من خلال تحيز كامل في اختيار المتدخلين ومنهجية الطرح ومواضيع النقاش.
وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تنظيم مثل هذه اللقاءات يستند إلى سرديات مكررة تم الاشتغال عليها داخل مسار العدالة الانتقالية بالمغرب، وانتهت بتوصيات رسمية صادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، تضمنت تعويضا ماديا ومعنويا للمتضررات، واعترافا دولتيا واضحا بحجم الانتهاكات التي طالت عددا من النساء، في إطار مقاربة وطنية شجاعة لإنصاف الضحايا وضمان حرية التعبير والتجمع والتقاضي، وتكريس استقلالية القضاء ومناهج الانتصاف العادلة.
وتابع نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية بأن بعض الأصوات المشاركة في الندوة لا تزال أسيرة نظرة عدائية ضد المغرب ترفض الاعتراف بالمجهودات المحققة على المستويين المؤسساتي والمجتمعي، وتحاول الترويج لخطاب الانفصال والكراهية، حتى لو تعلق الأمر بأبناء جلدتهن من الصحراويين الوحدويين؛ وذلك وفق منطق انتقائي يراعي مدى قرب الموقف من الطرح الانفصالي، ولو على حساب القيم الحقوقية الكونية.
وأكد الكاين أن هناك سعيا متواصلا من منظمي مثل هذه الندوات لتكييفها كمنصات حقوقية؛ بينما الغرض منها هو توجيه الرأي العام الدولي والغربي خصوصا، عبر اختلاق مظلومية مصطنعة.
ولفت المتحدث عينه إلى “هذه الدينامية لا تكتفي بترديد سردية الجبهة الانفصالية؛ بل تنخرط في دعم استراتيجي للجزائر، باعتبارها صاحبة المصلحة الأولى في تأزيم الوضع، وساعية إلى اقتطاع منفذ نحو المحيط الأطلسي بأي ثمن، ولو على حساب مستقبل الصحراويين القاطنين في مخيمات تندوف”.
وفي معرض حديثه عن مضمون الندوة، أوضح الناشط الحقوقي أن التكرار الممل للمواضيع، دون وقائع جديدة أو معلومات موثوقة أو مصادر ميدانية، يُضعف مصداقية مثل هذه الفعاليات ويجعلها فاقدة لأي طابع موضوعي.
وأشار إلى أن “بعض الأشخاص الذين يقدمون أنفسهم كمدافعين عن حقوق الإنسان لا يترددون في توجيه اتهامات ضد المغرب، ثم التراجع عنها تحت تأثير اعتبارات شخصية وعائلية ومصلحية، في ازدواجية تكشف طغيان الحسابات الضيقة على المبادئ المعلنة”.
وفي هذا السياق، أعاد الكاين التأكيد على أن هذا النوع من الأنشطة الحقوقية الموجهة، والذي يتم تحت غطاء أممي، لا يخلو من فبركة متعمدة، كما هو الشأن بالنسبة لاستخدام صور أطفال فلسطينيين تعود إلى سنة 2006 في قناة عمومية إسبانية، وتقديمها على أنها توثق لانتهاكات مزعومة بالمغرب.
وسجل أن “هذا التلاعب لا يخدم الحقيقة؛ بل يؤكد تواطؤ بعض الجهات مع الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية، واستغلال ملف حقوق الإنسان بالصحراء كأداة سياسية في نزاع إقليمي لا يمكن حله إلا بالحوار الجاد والمسؤول”.
أسرار مغمورة
سجلت الدكتورة مينة لغزال، رئيسة منظمة “مدافعون من أجل حقوق الإنسان”، أن التحالف وثق العشرات من الحالات التي تعرضت فيها نساء صحراويات لانتهاكات خطيرة داخل مخيمات تندوف.
وأشارت لغزال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “أغلب هؤلاء الضحايا لم يتح لهن إيصال صوتهن للصحافة أو للمنظمات الدولية المعنية، بسبب الحصار المفروض عليهن من قبل سلطات الأمر الواقع داخل المخيمات، وغياب أي تفاعل يذكر من أطراف محسوبة على جبهة البوليساريو”.
وأوضحت منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن التحالف سبق أن تواصل مع خبراء من آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مناسبات متعددة؛ إلا أن صمت النشطاء التابعين للبوليساريو كان مريبا، ولم يُظهروا أية إرادة حقيقية لمواكبة النساء المتضررات أو دعمهن.
وأضافت أن حالات عدد من الفتيات اللواتي كن يتابعن دراستهن أو علاجهن بإسبانيا ضمن برامج “عطل من أجل السلام”، وتم احتجازهن بعد اكتسابهن الجنسية الإسبانية أو بعد تلقيهن علاجا لسنوات بسبب أمراض مزمنة، في انتهاك سافر لحريتهن الشخصية.
وأكدت لغزال أن “تحالف المنظمات الصحراوية رافق أيضا حالة امرأة مسنة تُدعى محمودة احميدة سعيدة، تعرضت للسطو على ممتلكاتها من طرف أقارب مسؤول نافذ داخل الجبهة، قبل أن تُختطف وتُحتجز لأيام عديدة”.
وزادت: “بفضل الترافع المكثف الذي باشره التحالف، تم تحديد موقع احتجازها وإطلاق سراحها، دون أن تحظى بأي دعم من المنظمات المحسوبة على “البوليساريو”؛ وهو ما يبرز ازدواجية خطاب من يرفعون شعارات حقوق الإنسان، فيما يصطفون فعليا وراء أطروحة سياسية لا تتردد في التعدي على كرامة النساء في حال تعارض مواقفهن مع التوجه العام”.
كما كشفت المدافعة عن حقوق الانسان بالصحراء المغربية أن التحالف سبق أن قدم تقريرا مفصلا حول 21 حالة موثقة لعمليات قتل خارج نطاق القانون استهدفت شبابا صحراويين داخل مخيمات تندوف، ما بين 2014 و9 أبريل 2025.
وأبرزت المتحدثة أن “التقرير لقي تفاعلا إيجابيا من قبل أصحاب الولايات بمجلس حقوق الإنسان وخبراء لجان تعاهدية، الذين وعدوا بدراسة المعطيات الواردة فيه وتقديم توصيات للدولة المضيفة للمخيمات بشأن هذه الانتهاكات الجسيمة”.
وفي سياق متصل، سجلت تبني التحالف لقضية اختطاف الشيخ المسن افظيلي سيد أحمد أبو، بعد أن أطلقت ابنته منوتة صرخة استغاثة إثر مشاهدتها واقعة اختطافه على يد عناصر محسوبة على قيادة “البوليساريو”، مشددة على أن “الحملة الإعلامية والتضامنية التي أطلقتها مكونات التحالف أسهمت في إطلاق سراحه، رغم التهديدات المباشرة التي طالت الأسرة من قبل ناشطات مقربات من القيادة؛ وهو ما يعكس حجم الترهيب الممارس في حق أي صوت خارج السرب داخل المخيمات”.
وأنهت الدكتورة مينة لغزال تصريحها بالتنبيه إلى خطورة الصمت الدولي عن الجرائم المرتكبة في المخيمات، سواء من قبل القوات الجزائرية أو أجهزة “البوليساريو”، مشيرة إلى أن “التوثيق المتراكم من لدن المنظمات الصحراوية بالجنوب المغربي بدأ يسلط الضوء على انتهاكات ظلت طي الكتمان لعقود”.
وختمت: “التحالف مستمر في التواصل مع مختلف الآليات الأممية لإثارة الانتباه إلى معاناة النساء والأطفال، والمطالبة بوضع حد للانتهاكات المتكررة التي تجري في غياب تام للمساءلة والمحاسبة”.