الحصاد الاقتصادي لعام 2024.. استدامة النمو وتعزيز الإصلاح الهيكلي في مواجهة التحديات العالمية
شهد عام 2024 مجموعة من التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية التي فرضت تحديات جديدة على ودعت إلى اتخاذ سياسات حاسمة من قبل الحكومة لضمان استدامة النمو وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
التأثيرات العالمية على الاقتصاد المصري
في السياق الدولي، قال عبد المنعم السيد، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، إن الأسواق العالمية تأثرت بتقلبات كبيرة في أسعار السلع الأساسية.
استمرت أسعار النفط والغاز الطبيعي في الارتفاع رغم التوترات الجيوسياسية، بينما تراجعت أسعار خام الحديد بسبب المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. كما شهدت أسعار الذهب زيادة ملحوظة لتتجاوز 2700 دولار للأوقية، مما يعكس استمرار الذهب كملاذ آمن في أوقات الأزمات.
وأوضح السيد أن العديد من البنوك المركزية الكبرى اتبعت سياسات تيسير نقدي وخفض الفائدة، بينما حافظت العديد من الأسواق الناشئة على استقرار أسعار الفائدة نتيجة استمرار الضغوط التضخمية.
التحديات المحلية وتأثير الأزمات العالمية
على المستوى المحلي، انعكست هذه التطورات العالمية على الاقتصاد المصري، مما أدى إلى سلسلة من الصدمات الاقتصادية المتتالية التي أثرت بشكل كبير على مسار التنمية، بدءًا من جائحة كورونا التي كانت لها آثار سلبية على سلاسل الإمداد، مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية التي شكلت تحديات إضافية للاقتصاد المصري، وصولًا إلى تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة، التي أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد، خصوصًا في قطاع السياحة وقطاع قناة السويس.
وأشار السيد إلى أن الاقتصاد المصري واجه العديد من هذه الصدمات من خلال استراتيجيات الإصلاح الهيكلي التي أطلقتها الحكومة بهدف تعزيز المرونة الاقتصادية وقدرة الاقتصاد على مواجهة الأزمات.
أداء المؤشرات الاقتصادية في 2024
أوضح الخبير الاقتصادي أن الاقتصاد المصري حقق معدل نمو بلغ 2.9% في العام المالي 23/2024، وهو يتماشى مع المعدلات العالمية التي من المتوقع أن تستقر عند 2.6%. كما سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموًا بنسبة 2.4% في الربع الثاني من العام 2024، مع توقعات بارتفاع هذا المعدل في الربع الثالث.
يعود هذا الأداء إلى مرونة الجهاز الإنتاجي المصري، الذي تمكن من امتصاص تأثيرات الأزمات العالمية بشكل فعال، بالإضافة إلى السياسات الحكومية التي استهدفت دفع عجلة النمو وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
فرص عمل وتنمية محلية
من أجل تعزيز النمو الشامل والمستدام، أشار السيد إلى أن الحكومة سعت إلى تقديم فرص عمل للشباب والنساء، وتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل، والعمل على تقليص الفجوة بين الجنسين، كما تم توجيه استثمارات كبيرة لتحفيز التنمية المحلية في مختلف المحافظات، حيث بلغت استثمارات التنمية المحلية نحو 28 مليار جنيه في خطة عام 24/2025، بزيادة تصل إلى 18.6% عن العام الماضي. وتوجه نحو 35% من هذه الاستثمارات إلى محافظات جنوب مصر، في إطار جهود الدولة للحد من الفجوات التنموية بين المناطق.
الاقتصاد الأخضر وتعزيز التنمية المستدامة
في إطار الجهود المبذولة لتحقيق تنمية مستدامة، تم تعزيز دور الاقتصاد الأخضر في الناتج المحلي الإجمالي، فقد تم زيادة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء، وتعزيز تنمية الأنشطة الصناعية الصديقة للبيئة، إلى جانب زيادة نسبة الصادرات الخضراء. كما تم وضع استراتيجية للهيدروجين الأخضر، بهدف تحويل مصر إلى مركز رائد في هذا القطاع، مما يعزز من مكانتها في الاقتصاد العالمي ويحقق فوائد بيئية واقتصادية طويلة الأمد.
السياسات الحكومية لمواجهة التضخم
من أبرز التحديات التي واجهت الحكومة في 2024 هي مشكلة التضخم، التي تأثرت بشكل كبير بالأزمات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وقد عملت الحكومة على تنفيذ مجموعة من السياسات لضبط الأسعار والحد من التضخم، مثل ضمان توافر السلع في الأسواق، والتوسع في الإنتاج الزراعي والغذائي، وتحسين منظومة سلاسل التوريد. كما تم استخدام الرقمنة لتحسين أسواق السلع الرئيسية، وهو ما ساهم في تقليص التضخم الذي وصل إلى 27.4% في مايو 2024، بعد أن كان قد بلغ 39.7% في أغسطس 2023. وفي أكتوبر 2024، استقر معدل التضخم السنوي عند 26.5%، وهو أقل مستوى له منذ عامين.
معدل البطالة والنمو الاجتماعي
على صعيد سوق العمل، أوضح السيد أن مصر شهدت تحسنًا ملحوظًا في معدل البطالة، الذي انخفض إلى 6.7% في سبتمبر 2024، مقارنة بـ 7.1% في نفس الشهر من العام الماضي.
يعكس هذا التحسن الجهود المبذولة لتحفيز نمو الوظائف، وزيادة استثمارات الدولة في القطاعات المختلفة. كما ساهمت المبادرات الحكومية في تقديم فرص عمل مستدامة للعديد من الفئات الاجتماعية، مثل الشباب والنساء، مما ساعد على تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.