صحافتي

الموروث الإسلامي «2»| عقيدة الإباضية بين الخوارج والمعتزلة.. لا تتهم المخالفين لها بالكفر وأقر رأيهم «ابن خلدون»

صحافتي بتاريخ: 01-05-2024 | 6 أشهر مضت

فرقة الإباضية لا تتهم المخالفين لها من فرق الإسلام بأنهم كافرون كفر ملة، ولكنها ترى أنهم كفار بالنعم والأحكام وهم براء من الشرك، وهذا الرأي يمثل حجر الزاوية في اتجاهاتهم المذهبية على المستوى السياسي، فهم ينبذون العنف ولا يبدأون بالعدوان، بل يقاتلون من قاتلهم، ويرون أن المواريث والتزاوج من غيرهم حلال.

أقر الإباضية مبدأ «التقية الدينية» وهو الدعوة إلى فكرهم ومبادئهم في الخفاء وبأسلوب فيه إثارة ولا رغبة لهم في المواجهة، وكان ذلك مبدأهم منذ إمامة شيخهم «أبي الشعثاء»، الذي هادن الأمويين وعاش معهم في سلام وهو ما لاقي تقديرهم له بل تقدير المجتمع الإسلامي كله.

إمامة الكتمان

ونجد أن ذلك عكس ما انتهجهه تلميذه وخليفته «أبو عبيدة» الذي طاله جانب من أذى الحجاج بن يوسف الثقفي، نتيجة الدعوة إلى أفكاره جهرًا ثم عاد من جديد متخذًا مبدأ التقية، وفي ظل هذا المبدأ ظهر في تاريخ الفكر الإباضي ما يُعرف بإمامة الكتمان، وهي المرحلة التي تُمارس من خلالها الأنشطة بمنأى عن ملاحظة غير المنتسبين، لها في ظل الظروف التي يمثل الجهر بها خطرًا على الحركة ذاتها، ويكون الإمام متخفيًا.

وعندما تمكن «الإباضية» من إقامة دولة لهم تُعَبِر عن مبادئهم وأفكارهم، اعلنوا ما يُعرف لديهم بـ«إمامة الظهور»، وهى الإمامة التي يصبح فيها الإمام ظاهرًا لهم ولغيرهم، ومن أمثلة ذلك: الإمامة التي قامت في عُمان سنة 177هـ / 794م، وانتهت على يد العباسيين في نهاية القرن الرابع الهجري بعد أن استمرت أكثر من قرنين.

عاصمة الفرقة الإباضية 

وكان أول أئمة الظهور فيها هو «محمد بن عبدالله بن أبي عفان اليحمدي» الذي أصبحت في عهدة مدينة «نزوى» عاصمة للفرقة الإباضية، وشهدت فترة إمامته اذدهارًا سياسيًا وحضاريًا غير مسبوق.

يتفق الإباضية مع جموع المسلمين في أن تنصب الإمام أمر واجب حتي يتم تطبيق شرع الله في الأرض، وهذا الأمر يختلف مع بعض الخوارج الذين يقولون أن تنصيب الإمام أمر غير واجب، ويختلف أيضًا مع الشيعة الإمامية، حيث يروا أن تنصيب الإمام أمر واجب على الله لا على الأمة.

لا يوجبون الخروج على السلطان الجائر كما يرى الخوارج

كما أنهم لا يوجبون الخروج على السلطان الجائر كما يرى الخوارج وإنما يعلنون البراءة منه، حتى لا يترتب على ذلك فتنة أو فساد، حيث أنه في الخروج ضرر أكبر مما هم فيه، وهم يقتربون من موقف المعتزلة في هذا الشأن، إضافةً إلى أنهم لا يشترطون في الإمام أو الحاكم أن يكون قُرَشِيًا ويخالفون بذلك الرأي السائد لدى أكثر العلماء القدامى.

«ابن خلدون» يدافع عن رأيهم

ويدافع عن هذا الرأي «بن خلدون» ويفسر ما رُوى من الأحاديث المتعلقة بقرشية الإمامة في ضوء نظريته المشهورة «العصبة» والمقصود بها القوة والشوكة، ذلك أن قُرَيشًا كانوا عصبة مُضر وأصلهم وأهل الغلب منهم فكان سائر العرب يَعترف لهم بذلك، اعتقادًا منهم أنه لو جُعل الأمر في سواهم لتُوُقع افتراق الكلمة بمخالفتهم وعدم انقيادهم.

والعصبية عند «ابن خلدون» تشير إلى ما نُطلق عليه- بلغة العصر- الأغلبية والتأييد الجماهيري الواسع، وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المحققين من مفكري الإسلام في العصر الحديث انتهوا عند مناقشتهم لهذه المسألة إلى أن روح الإسلام ترفض جعل النسب أساسًا للمفاضلة في الإمامة، وهو نفس الاتجاه العام لدى الإباضية.

موقفهم من صحابة الرسول 

عند مناقشة آراء الإباضية عن موقفهم من الصحابة نجد أن هناك جدلًا واسعًا يثور حول هذا الأمر من شبهات، وعن حقيقة هذا الموقف يقول «أبو الربيع سليمان الحيلاني»، أحد علماء إباضية تونس- ردًا على بعض من اتهموا الفرقة بالهجوم على الصحابة- "وأما الإنكار على بعض الصحابة فكذب وفِرية علينا.

ويضيف: وهذه كيفية صلاتنا على النبي: اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد الأمي، وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين، وزريته وآل بيته أجمعين"، ولا يختلف جمهور المسلمين بصفة عامة على موقف الإباضية من الصحابة، فهم يحيطون بما هم أهله من توقير وإجلال، ويحفظون لهم مكانتهم المتميزة في الإسلام.

أوجه الاتفاق مع المعتزلة 

يرى الإباضية أن صفات الله الذاتية كالعِلم والقدرة والإرادة هي عين الذات الإلهية وليست ذائدة عليها، فالله سبحانه عالم بذاته، قادر بذاته، مريد بذاته، ويتفقون مع المعتزلة في ذلك، فالقول بأن صفات الله زائدة على ذاته يعني تعدد القدماء، وهو ما يتنافى مع مفهوم التوحيد الخالص، والمقصود بـ«تعدد القدماء» هو أن المعتزلة يرون أن أخص وصف للإله الذي يجب أن يُعبد هو كونه قديمًا وليس بمُحدِث، وأن أي شيء يشاركه في القدم فإنه يعتبر إلهًا آخر وهذا شرك بالله رب العالمين.

كما أنهم يتفقون أيضًا مع المعتزلة في مسألة خلق القرآن وما دار حولها من نقاش، حيث أنهم يرون أن القول بخلق القرآن يعني تعدد القدماء وهذا منافٍ للوحدانية التي هي أخص صفاته تعالى، فمن قالوا بخلق القرآن إنما أرادوا نفي صفة الكلام عن الله تعالى؛ لأنها تستلزم عندهم الجسمية، ومشابهة المخلوق، لأن الكلام لا يعقل إلا بأصوات وحروف، وذلك من صفات المحدثات.

رغم التوافق بين الإباضية والمعتزلة في كثير من الأمور إلا أنهم يختلفون معهم في أصل مهم، فهم لا يرون مرتكب الكبيرة بين منزلة من منزلتي الإيمان والكفر كما يقول المعتزلة، بل يعتقدون أنه لا منزلة بين المنزلتين حيث أن الأمة أجمعت على أن من ليس بمؤمن فهو كافر لقول الله سبحانه في الآيتين الكريمتين: "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن"، و"إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كافورًا".

رأي الإباضية في مرتكبوا الكبائر

وعلى هذا فإن مرتكبوا الكبائر عند الإباضية ليسوا مشركين لأنهم يقروا بالتوحيد وليسوا مؤمنين لأنهم لم يلتزموا بقضية الإيمان، فهم مع المسلمين في أحكام الدنيا لإقراراهم بالتوحيد، ومع المشركين في أحكام الآخرة لعدم وفائهم بإيمانهم ومخالفتهم ما يستلزمه التوحيد من عملٍ أو تَرك، وهؤلاء سماهم القرآن بالمنافقين.

كما يرى أصحاب الفرقة أن مرتكبي الكبائر الذين يموتون دون توبة مخلدون في النار، ويذكر بعض علماء الإباضية في الدفاع عن رأيهم أن الاعتقاد بأهل الكبائر لا يخلدون في النار يؤدي إلى الجرأة على انتهاك حُرُم الدين والانقياد لأهواء النفس ونزواتها. 

هل الإباضية من الخوارج؟ 

ترى مصادر الفرق والمذاهب في العالم الإسلامي أن الإباضية إحدى فرق الخوارج، فيقول أبو الحسن الأشعري عندما تحدث عن فرق الخوارج في مقالات كل فرقة حتى يصل إلى الإباضية يقول: «ومن الخوارج الإباضية»، ثم يتحدث عن فرق الإباضية ومقالاتهم، ويقسم عبدالقاهر البغدادي الخوارج إلى عشرين فرقة، والإباضية عنده هى السادسة عشر بين هذه الفرق.

 ولكن عندما ننظر إلى عقيدة الخوارج فنجدهم يكفرون من يخالفهم ويستبيحون دماءهم وأموالهم ونساءهم ويقتلون أطفالهم، أما الإباضية فإنهم يقاتلون دفاعًا عن النفس ولا يستحلون قتل الأطفال أو سبي النساء ولا يرون أن مخالفيهم كفارًا، كما أنهم يوقرون الصحابة ولا يرون وجوب الإمامة في القريشيين كسائر جموع المسلمين وهذا ما يخالفه الخوارج.

وهذه هي الأسباب التي أدت إلى انشقاق «ابن إباض» من الخوارج، والذين يروا أنه من أصل الخوارج فيتم الرد عليهم بأنه ليس مؤسس الطائفة، وإن كانت على اسمه بل مؤسسها وواضع أفكارها ومنهجها هو «ابن الشعثاء»، وعليه فإنهم فرقة مستقلة كل الإستقال عن الخوارج.

مراكز الإباضية في العصر الحديث

وتعد عُمان- في جنوب شبه الجزيرة العربية- أهم مراكز الإباضية في عصرنا، حيث أن أكثر سكانها إباضية وشهدت إمامة الظهور منذ مطلع العصر العباسي، ورأت في مراحلها ازدهارًا علميًا واقتصاديًا واجتماعيًا جدير بالإعجاب.

ومن عُمان امتد تأثير مذهب الفرقة إلى «زنجبار» تنزانيا الآن، وأسهموا في نشر الإسلام في شرق إفريقيا ووسطها عن طريق نشاطهم التجاري الواسع.

وتوجد تجمعات إباضية الشمال الإفريقي في ليبيا «في جبل نفوسة»، وفي تونس «في جزيرة جربة»، وفي الجزائر التي شهدت قيام دولة إباضية مزدهرة هي الدولة الرستمة من سنة 160 إلى 296هـ ومازال ييوجد بها عددًا منهم حتي الآن.

المراجع

كتاب ضحى الإسلام لـ أحمد أمين 

مادة الإباضية في دائرة المعارف الإسلامية 

كتاب الشهر ستاني، تحقيق محمد سيد كيلاني

كتاب الكامل في اللغة والأدب، تحقيق محمد أبو الفضل