التعاون بين المغرب وحلف شمال الأطلسي يتوخى تفعيل "شراكة استراتيجية"
أجرى الأميرال روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لمنظمة حلف شمال الأطلسي، زيارة إلى المغرب استمرت إلى غاية أمس الثلاثاء، حيث تم استقباله مطلع الأسبوع الحالي من طرف عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، والفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية قائد المنطقة الجنوبية، حسب ما أفاد به بلاغ لإدارة الدفاع الوطني.
وتباحث المسؤولون العسكريون المغاربة مع نظرائهم في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول سبل تعزيز التعاون بين الجانين في مجالات التكوين وتطوير القدرات بما يخدم الأمن في الفضاء المتوسطي، حيث أشاد المسؤول الأطلسي بالانخراط الجاد للمملكة المغربية في جهود تحقيق الاستقرار ومواجهات مختلف الرهانات والتحديات المطروحة على الساحة الإقليمية، فيما شدد مهتمون على أهمية وخصوصية التعاون الأمني الأطلسي المغربي لمعالجة المعضلات في المنطقة، خاصة حالة الانكشاف الأمني في الساحل، وذلك على الرغم من وجود معيقات تحول دون الارتقاء بهذا التعاون إلى مستوى الشراكة متعددة الأطراف يشمل مختلف مكونات الفضاء المغاربي المعنية هي الأخرى بهذه التحولات.
جرأة “الناتو” غائبة
هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، قال إن “الخصوصيات التي تميز الشراكة الأمنية والعسكرية ما بين المغرب وحلف الناتو تنبثق من تاريخ التعاون المشترك بينهما المبني على القيم العسكرية والمبادئ الأمنية التي يشتركان فيها والرؤية الاستراتيجية التي يؤيدانها بخصوص الأمن والسلام العالميين”، مسجلا أن “موقع المغرب الاستراتيجي والقوة الدفاعية للناتو عاملان أساسيان ساهما في بناء شراكة استراتيجية بين الرباط وهذا الحلف الدولي الذي يعتبر منصة الرباط فضاء موثوقا به على المستوى السياسي والدفاعي والأمني”.
وحول العوامل التي تدفع هذا الحلف العسكري إلى تركيز تعاونه مع الرباط، لفت المتحدث إلى أن “هذا التركيز راجع إلى دور القوات المسلحة الملكية المغربية في استتباب الأمن في فضائها الجيو-استراتيجي والحس الريادي الذي تتحلى به مختلف المؤسسات الأمنية في تشكيل حزام دفاعي حساس على مستويات التماس المغربي السيادي مع الفضاء المتوسطي”.
واعتبر الباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية أن “التركيبة العسكرية والدفاعية للمغرب لها وزنها الاستراتيجي في البناء الدفاعي والأمني للناتو في المتوسط والأطلسي، والكفاءات العسكرية والأمنية المغربية أثبتت في العديد من المحطات المركبة والمعقدة مهنيتها والتزاماتها الدولية والإقليمية التي تتماشى والمبادئ والقيم الإنسانية الكونية”.
وفي استعراضه لأبرز الصعوبات التي تعيق الشراكة بين المغرب والناتو، أشار معتضد إلى “غياب الجرأة الكافية لدى الساهرين على هندسة ديناميكية هذا الحلف للدفع بالشراكة مع المغرب إلى مستويات استراتيجية أكثر نضجا عسكريا”، مبرزا أن “المغرب اليوم أصبح رقما صعبا في التوازنات الدفاعية والأمنية لفضائه الإقليمي والقاري، والناتو ملزم بتبني مزيد من الجرأة السياسية في الدفع بروابطه الاستراتيجية مع المغرب إلى مستوى يستجيب لتطلعات الساهرين على الدفاع العسكري والأمني”.
عوامل ومبادرات
قال محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، إن “التعاون الأمني والعسكري ما بين حلف الناتو والمغرب الذي يعد أحد أهم الشركاء الرئيسيين من خارج هذا الحلف، يأتي في إطار توجه هذا الأخير لتعزيز شراكاته مع دول الجنوب التي تعد المملكة إحدى ركائزها الأساسية على هذا المستوى”.
وأضاف العروسي، في تصريح لهسبريس، أن “الاستقرار السياسي والنموذج الأمني المغربي إضافة إلى انعكاس مجموعة من الأزمات الدولية في منطقتي شمال إفريقيا والساحل على الأمن المتوسطي والدور الفاعل للمملكة المغربية في معادلة الأمن المتوسطي والأطلسي وفي حلحلة العديد من الأزمات الإقليمية، كلها عوامل تجعل من الرباط شريكا لا ميحد عنه لمواجهة المعضلات الأمنية التي تؤرق الدول الأوروبية، على غرار انتشار التنظيمات الإرهابية والهجرة” غير النظامية.
وسجل المتحدث أن “حلف شمال الأطلسي يراهن على تثبيت شراكاته مع المغرب في إطار الحوار المتوسطي للحلف الذي يركز على الفضاء المغاربي”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “الأزمات التي يعرفها هذا الفضاء، خاصة الأزمة ما بين الرباط والجزائر، والمبادرات الانفرادية التي تقودها هذه الأخيرة، تعيق تحقيق استراتيجية أمنية كبرى ومنظور أمني موحد في المنطقة في شقه متعدد الأطراف، وإن كانت هذه الاستراتيجية قد تنجح على المستوى الثنائي”.
وخلص العروسي إلى أن “الشراكة المتميزة التي تربط المغرب وحلف شمال الأطلسي تأتي استكمالات للعلاقات الأمنية والعسكرية المتميزة التي تربط المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها دولة فاعلة داخل الحلف، إذ تلعب هذه الدولة دورا كبيرا في توجيه عدسة واستراتيجيات الناتو نحو المغرب الذي يحتل مكانة كبيرة في الأجندة الأمنية والاقتصادية الأمريكية في إفريقيا”.