نقاد وروائيون: لمسنا الحرية في نصوص رواية «قناع بلون السماء»
احتفاء كبير أبداه العديد من النقاد والروائيين العرب بفوز الأسير باسم خندقجى، صاحب رواية «قناع بلون السماء»، بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر».
«رداد»: من النبل التركيز على أدب السجون
ويقول الروائى الأردنى وائل رداد، ذو الأصول الفلسطينية، إن تسليط الضوء على أدب السجون، وبالأخص ذاك الذى كُتب بأقلام المعتقلين أنفسهم وفى ظروف بالغة الصعوبة، عملية بالغة النبل والأهمية فى عالم بات الأدب فيه يُكتب فى ظروف ترفيهية غير صادقة، أقرب للنفاق العلنى.
وأوضح أن رحلة رواية «قناع بلون السماء» بدأت عام 2021، وكان «باسم» وقتها يقبع فى معتقل «هداريم» الإسرائيلى، حيث عمل على توثيق شهادات الأسرى من القدس، وطلب من عائلته توفير معلومات يحتاجها فى الكتابة، وقرر بدء المشروع بداية عام 2022 فى ظل ظروف صعبة عاشها الأسرى، تشمل مصادرة قصاصات الورق، وهو ما صوَّره خلال كتابته عن بطله «نور»، إذ إن كليهما يبحث عن ظروف مواتية للكتابة وحتى عن المصادر مهما بلغت صعوبة وخطورة ذلك.
وأشار «رداد»، فى حديثه لـ«الوطن»، إلى أن الرواية مرّت بعدة مراحل بحثية وتنقيحية، وكُتبت بنسختين خوفاً من تعرضها للمصادرة، حتى نجحت فى التحرّر من السجن لتصدر فى يناير 2023 عن دار الآداب اللبنانية، وعقب الإعلان عن ترشح الرواية لجائزة البوكر العالمية، انطلقت حملة تحريض إسرائيلية بحق «باسم»: «إذ لا تكفى مصادرة حريته، بل يريدون كذلك مصادرة حقه بالجائزة».
وشدد على أن الأسير حين يكون مبدعاً مثل «باسم» يكون كل الوقت الذى فى العالم ملك يمينه، رغم أن العزل والحبس يُعد أقسى أنواع العقاب الذى تمارسه إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين، إذ يجرى احتجاز الأسير لفترات طويلة بشكل منفرد فى زنزانة معتمة ضيقة قذرة ومتسخة، فيها حمّام أرضى قديم، تخرج من فتحته الجرذان والقوارض، ما يسبب مضاعفات صحية ونفسية خطيرة على الأسير، إلا أن تهريب الرواية هو الأمر الأخطر.
وأوضح الكاتب ذو الأصول الفلسطينية أن الأسرى يلجأون لطريقة تهريب المنشورات من داخل سجون الاحتلال عن طريق الكبسولات، والحديث هنا عن آلاف الكبسولات التى تم ابتلاعها من أسرى محرَّرين وزوار للأسرى، وعلى مدار عدة سنوات أكد والد الأسير أنها هُرّبت مع أسير محرَّر، مشيراً إلى أنه كما هُربت رواية ابنه السابقة «مسك الكفاية»، تمكنوا من تهريب روايته الأخيرة.
من جانبها تقول أمواج أبوحمدة، أديبة أردنية وناقدة أدبية، إنها حلمت بفوز الرواية بالبوكر وتمنت ذلك أكثر من أى شىء آخر، خصوصاً بعد الضجة الإعلامية الكاسرة والشرسة التى قام بها إعلام الاحتلال إثر تأهل «قناع بلون السماء» للقائمة القصيرة.
الأمر الذى كلف «باسم» سجناً انفرادياً وغرامة مالية، مؤكدة أن فوز الرواية جدير ومستحق لرواية فرضت نفسها ونورها وأجنحتها لتنجح بجدارة باجتياز جميع العوائق والقضبان.
«أبوحمدة»: حلمت بفوز الرواية
وتشير «أبوحمدة» إلى أنها قرأت الرواية فى شهر يناير الماضى، قبل أن تتأهل للقائمة القصيرة، ولم تكن حينها تعلم أنها على القائمة الطويلة لجوائز البوكر، ومن أول قراءة أحبتها، بل ذهلت من طبقاتها والمواضيع التى طرحتها فى صفحاتها القليلة، إذ تناول باسم خندقجى موضوع الهوية الذاتية والهوية التاريخية من خلال الأقنعة؛ قناع الحقيقة وقناع التزوير أو الانتحال وقناع الكشف والظهور.
كما طرح «باسم» رؤيته من خلال قصتين متوازيتين؛ قصة مريم المجدلية وقصة نور الشهدى، الأولى قصة تاريخية دينية ليُظهر من خلالها كيف يزوَّر التاريخ وتصبح السرديات الدارجة هى الحقيقة، والقصة الثانية هى قصة حداثية عن شاب لاجئ على أرض وطنه مولع بالآثار والتاريخ ويحلم بكتابة رواية ليناقش العديد من القضايا مثل اللجوء، المخيمات، النضال الثقافى، وغيرها، متابعة أنها قرأت الرواية مرة ثانية منذ أسابيع عندما استضافت شقيق الكاتب الأسير «خندقجى» الذى قدم من نابلس لمناقشة الرواية ولقاء القراء فى عمان. ليفصل اللقاء أيام معدودة عن حفل إعلان الفائز بجائزة البوكر.
وتتابع «أبوحمدة»، لـ«الوطن»، أنها عند القراءة الثانية للرواية أدركت أكثر مدى عمقها وحداثتها وتشابك مواضيعها لكن بطريقة ذكية وسلسة. وبات جلياً أن «باسم» ليس فقط روائياً وشاعراً وكاتباً، بل هو إنسان مثقف من طراز رفيع ومفكر وسياسى ومتعمق فى التاريخ والأديان واللغة، ومتمرد جداً على ما هو سائد ومألوف.